Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Jan-2020

رغيف الخبز

 الدستور-هديل المغربي

 
كنت أسير في طريقي بحذر، خشية الاصطدام بالمارّة، فيسقط من يدي رغيف الخبز الساخن، ذو الرائحة الزكية... فكنت أتجنب العقبات في الشارع والتزم بخطوات متوسطة السرعة بجانب ذلك الحائط الكبير... لأنني في غاية التشوق للوصول وللاستمتاع بذلك الرغيف الصغير... وفي الطريق، كنت أتأمل خطوطه والتعرجات الموجودة فيه وكأنها رسمت على كفي أو على جبيني... كنت أعتني بترميم كل ما فيه حتى يبقى لامعا براقا، يبعث لي الأمل والتفاؤل حين تهدأ أحلامي...
و فجأة، وبعد مسير طويل ومتعب، تعثر الرغيف بصوت أحدهم المغتر وسقط... فسارعت للحاق به والتقاطه خشية أن يتمزق، لكنني كنت قد تأخرت... فوجدته قد فقد بعضاً من شكله الدائري المكتمل... فحزنت وقررت أن اقطع جميع أحبال الأصوات من حولي...
لكنه بعد حين اصطدم بنظرة أحدهم الملوثة وسقط مرة أخرى... ركضت بلهفة لكي أعينه على النهوض... فلقيت ما لقيت أول مرة، فإذ بلونه الذهبي قد تحول إلى أصفر باهت ... فققرت أن أغلق كل العيون من حولي، ومضيت...
ومن ثم طرق أحدهم باب عقلي واستهزأ بشكل رغيفي وصفعه على وجهه حتى أنه سقط مرة أخرى... ولم استطع ان أنقذه حتى هذه المرة... فوجدته قد تألم وتكسر وتبعثر من يدي...
وحين وصلت، جلست أتأمل صورته مرة أخرى، لكنني في هذه المرة لم أر جماله وجمال ما بداخله ولم يلمس قلبي مشاعر فرح وابتهاج له... بل إنني صرت أسأل نفسي : هل من الممكن أن يرجع رغيفي الصغير إلى حلته الجميلة من جديد؟
وهل من المعقول أن يتجاوز رحلته دون التأثر بأحكام الآخرين المجنونة؟
وبقيت حائراً بين هذا السؤال وذاك حتى مغيب الشمس... وأيضاً بعد الشروق!
 قاموس الأبجدية
لم نفكر يوماً في سبب التغير الكبير في أشكال الأحرف الأبجدية... ففي قاموس الأبجدية حروف مستقيمة وأخرى متعرجة... حروف منقوطة وأخرى فارغة... وكل منها يحمل معنى مختلفا وينفرد بصورة مميزة...  لكن هذه الأحرف لا تعلم أنها كانت سبباً في الفرح تارة وسبباً في الحزن تارة أخرى... فهي أحياناً كالزهور في الربيع تتفتح وتكتب عناوين ملونة... أما في الخريف فهي تعبر خجولة وباهتة المظهر تكاد تكمل كتابة العناوين... لو تدرك هذه الأحرف أهميتها وقدرتها على التعبير عن أشكالنا، أفكارنا، أحاسيسنا وحتى هفواتنا ... لكانت أكثر حكمة وأكثر صبراً... لكانت قد وضعت الابتسامة على رأس أولوياتها... وتخلت عن الوجع والألم للأبد...
لكنني وبعد تفكر عميق، وجدت أن في اختلافها تعاونا على اكتمال نسج العنوان اليومي... وكأن بعضها يكمل  البعض الآخر... ووجدت أن الفرح والحزن مقسمان في حياتنا كما هي مقسمة هذه الأحرف في القاموس... لا نستطيع التحكم بما ستكتبه هذه الأحرف غداً ولا نستطيع انتقاء أحدهما لنفسنا... بل يتوجب علينا فقط الانتظار حتى آخر صفحة من قاموس الأبجدية!