Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Sep-2017

ذاكرة الضغائن - سامر محمد العبادي
 
الراي - التاريخ ليس سردياتٍ تترك للاستحضار الشعبي هكذا، بل هي أنماط من الوعي والخيال، والتراكم النفسي في الوعي الجمعي، وأخطر ما تواجهه الكتابة التاريخية عربياً فمحلياً، هو أن تترك إما لهواة أو أنصاف عقول أو تبقى متروكة لحديث «خرافة» !
 
فالتاريخ علم إن أردته ومعرفة إن بحثت عنها كهاوٍ وأسطورة إن بقيت في عقول العامة، وخرافة إن باتت سردياتها في محل تداول من لسان لآخر!
 
لاحظوا كم هي المشاكل التي يواجهها المجتمع العربي جراء التاريخ والمتخيل والأسطورة والخرافة.
 
أليست سردية الإرهاب في جزءٍ منها اليوم محاولة لاستحضار تاريخي على شكل دولة «الخلافة» وألا ينم هذا عن مقدار التشوه الذي شاب المتخيل التاريخي والعجز المدرسي عن بناء متخيل صحيح؟
 
وحجم العنصرية الموجود في عددٍ من مجتمعاتنا العربية، والخلافات الطائفية، ألا تتغذى من متخيل تاريخي تشكل عبر قرونٍ ثم عقودٍ ماضية سواء الخلافات التي يعبر عنها ما يجري اليوم في سوريا أو في العراق أو في غيرها من المجتمعات العربية وبتبايناتٍ مختلفة.
 
وإذا أراد القارئ أن يستزيد، فليتأمل مساعي اسرائيل في بناء هيكلها المزعوم، واستحضار تاريخٍ وبث الروح فيه لا يعرف للآن مدى دقته العلمية!
 
الخيال والتاريخ المتخيل، صنوان معاً، يجمعهما وعاء العقل الشعبي يما يحرك الهواجس ويجعل منها صيرورة ووجدانٍ لأمة أو شعب أو جماعة.
 
ولليوم، ورثة الامبراطوريات في العالم لا يستطيعون بناء سياستهم بلا تصورٍ أو غرورٍ تاريخي، فلا الأتراك نسوا إمبراطوريتهم العثمانية، ولا الأوروبيون قادرون على تصور العالم بلا الرومان، ولا بريطانيا العظمى قادرة على محو شعار «لا تغيب عنها الشمس» ولا يوجد مصري لا يرى في الفراعنة والأهرامات رمزاً لهويته وكذلك الصيني مع سوره.
 
وأيضاً، الدول الحديثة باتت تبحث عن متخيلٍ لها، فاللبناني في فترةٍ مضت انتزع «الفينيقية» واختارها لوناً له محاولاً أن يقول: أنا اختلف عن ذلك المحيط، وجاء هذا في سياق حوار الانفصال والاتصال مع واقعه العربي في بدايات القرن الماضي!
 
ومن بيننا في هذا العالم لا يملك تصوراً متخيلاً عن ذاته، هل يصلح هذا القول في الولايات المتحدة الأميركية، تلك الدولة العظمى التي تحررت من ماضي التمجيد والأساطير حتى أن لليوم تلمس محاولاتهم ببناء رموزٍ جامعة بعيداً عن الهجرة والتحرر من تاريخ القارة العجوز، وكأنها عقدة أوديب تصلح للتعميم على الشعوب أيضاً!
 
درسنا في فترة الجامعة أن التاريخ جهاز رسمي، وتعلمنا أنه يحرك الضغائن، ولكن يبدو أن العالم بات مثقلاً بوجدانيات تاريخية تتغذى على الكره وتقتات من صور القتل بطولاتها، وتصنع رموزاً وتنزل أخرى بحسب المرحلة.. ألهذا تراجع صاحب نظرية نهاية التاريخ عن مقولته أن العالم توقف في شكله وهويته، ألم يقرأ فوكوياما وجدان العالم وشعوبه المثقلة بالتاريخ؟!
 
وإذا استمر الحال على ما هو عليه من شحنٍ لذاكرة الضغائن فالى أين سيرسو العالم ؟ وأين ستحط أشرعة الانسانية بأسلحتها الكيماوية والنووية وغيرها من الآت القتل ؟
 
معلم التاريخ اليوم في مدارس العالم بات أمام رسالة سامية وعقلية الحكواتي لن تنجب سوى مزيداً من الأطفال الذين حين تشتد سواعدهم سيسعون لمحاكاة أبطال هزموا أو انهزموا أو انتصروا أو نصروا.. والجامع بينهم الكره والقتل !
 
فهل من حكمة توقف نزيف ذاكرة الضغائن ؟