الراي - كُفَّ بصر الاستاذ احمد امين رحمه الله اوائل الخمسينيات من القرن الماضي, وكان قد انجز كتبه القيّمة في التأريخ للحياة العقلية عند العرب والمسلمين, وهي على الترتيب: فجر الاسلام في جزء واحد, وضحى الاسلام في ثلاثة اجزاء, وظهر الاسلام في اربعة اجزاء. وقد مثّلت هذه المجموعة موسوعة رائدة لا غنى للباحث في الاسلام عنها. ثم بدا للاستاذ احمد امين ان يقدم رؤية شاملة يبين من خلال اصول الاسلام وما حدث له من احداث افادته احياناً واضرّته احياناً, وكيف كان يعامل غيره من اهل الاديان ايام عزّه وقوته, وكيف يعامله غيره ايام ضعفه ومحنته, فكان لنا بأخرة من عمره المبارك كتابه (بالغ الاهمية): «يوم الاسلام» الذي املاه–حسب ما قال لي الراحل الكبير الدكتور احسان عباس رحمه الله – املاء على الدكتور عباس, وترسّل به ترسّل العالم الذي اجتمعت لديه حيثيات ما يتحدث اليه وتقطّرت اليه خلاصاته.

 

كتاب «يوم الاسلام» هذا لم يلق من الدارسين ما يستأهله من اهتمام, فهو خاتمة تلك السلسلة الذهبية في التأريخ للحركة العقلية في الاسلام من جهة, وهو يشتمل على رؤية لواقع العرب والمسلمين ولمستقبلهم من جهة اخرى. 

 

وعلى انه من آخر كتاب الاستاذ احمد أمين تأليفاً, إلا أنه يصلح لأن يكون مُدخلاً الى قراءة معظم كتبه, تماماً كما هو الامر مع كتاب «وحي القلم» لمصطفى صادق الرافعي الذي يراه تلميذه الاستاذ محمد سعيد العريان في كتابه: «حياة الرافعي» خير مدخل الى قراءة كتبه الكبرى «تاريخ آداب العرب» و»تحت راية القرآن» و»الاعجاز القرآني» وغيرها من كتب الرافعي رحمه الله.

 

لقد اتخذ كتاب يوم الاسلام طابع «الوصية الاخيرة» التي يكتبها العلاّمة الكبير لابناء امته, وقد اكسبها هذا الطابع صفة الايجاز والوضوح. وهو يذكرنا فيه بكتاب يشبهه في المنحة والغاية هو كتاب المفكر الكبير – مترجم كتاب داروين «اصل الانواع» الاستاذ اسماعيل مظهر: «الاسلام لا الشيوعية» الذي صدر اوائل الستينيات من القرن العشرين. فكلا الباحثين الكبيرين اراد ان يقدم نصيحة خالصة لأمته, باسلوب سهل ممتنع, واستاذية حادبة حانية تستشعر مسؤوليتها المعرفية والاخلاقية.

 

وكنت اشرت في مقالة سابقة الى كتاب الامام «محمد ابو زهرة»: «المعجزة الكبرى» الذي يتمتع صاحبه بالقدر نفسه من المسؤولية. ولا بأس هنا من الاشارة الى كتاب رابع في هذا الاطار المعرفي والاخلاقي هو كتاب «النبأ العظيم» للدكتور محمد عبدالله دراز صاحب كتاب «الدستور الاخلاقي في القرآن الكريم» فهي كتب يفضي بعضها الى بعض ويعزز بعضها في الوعي الاسلامي العربي المعاصر بعضاً.

 

***

 

ان استنهاض همم شبابنا الى قراءة هذه الكتب العظيمة واجب تربوي قبل أن يكون استجابة لهاجس معرفي او توثيباً للعقول. وهو واجب يستحب للمشتغلين بالمناهج التربوية أن يأخذوه بعين الاعتبار.

 

***

 

اما «يوم الاسلام» لأحمد أمين فهو جدير بأن يقرأه المثقفون والسياسيون والمصلحون والاكاديميون المتخصصون بتاريخ الاسلام.. فهو مفيد لكل هؤلاء, ولغيرهم ممن يفتح الله بصائرهم.. وهم كثير بحمد الله, وإنهم ليزدادون, رضي من رضي وأبى من أبى..