Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-Mar-2015

الرفاعي من معان: تجديد النخبة الأردنية أولوية وطنية ملحة

الرأي - هارون ال خطاب - أكد رئيس الوزراء الأسبق العين سمير الرفاعي إن المنطقة المحيطة بالأردن تمر اليوم بواحدة من أصعب محطاتها التاريخية جراء انهيارات كبرى في البنى الإدارية والاقتصادية، وفي المنظومات السياسية ما ساهم في نشوء حالة معقدة من فقدان الأمن وفي كل مجالاته، ابتداء من الأمن النفسي وانتهاء بأمن القيم.

واضاف خلال محاضرة نظمتها جامعة الحسين بن طلال بالتعاون مع مركز الجسر العربي لحقوق الانسان بحضور رئيس الجامعة الدكتور طه الخميس ورئيس مركز الجسر العربي لحقوق الانسان المحامي الدكتور امجد شموط و اعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية وعدد من الطلبة ان الاردن استطاع وبالرغم من التحديات والإحداث المتسارعه وما يشهده العالم من منعطفات حادة وتغيير مراكز القوة والنفوذ المحافظة على منجزاته، وحماية أمنه واستقراره، والتمسك بثوابته والدفاع عن مصالحه العليا.

وأشار العين الرفاعي ان الكثيرين توقفوا عند هذه الحالة الاردنية ، وحاولوا تفسيرها من حيث ان يحافظ بلد صغير بمساحته وعدد سكانه، ومحدودية موارده، على منجزاته ويكرس استقراره، وهو ما عجزت عنه دول كبرى، بإمكانيات وموارد أكثر بكثير معتبرا ان السبب يعود لأننا في الأردن لدينا مقياس أخر، وهو مقياس الرسالة الهاشمية والقيم النبيلة الأصيلة.

وبين ان هذه الصورة اتضحت للعالم، بجلاء، عند استشهاد ابننا النقيب الطيار البطل معاذ الكساسبة؛ وما شكله شهيدنا البطل من صورة نموذجية لكبرياء الأردني وشموخه، لحظة مجابهة أبشع صور وجرائم الإرهاب الأعمى والغادر.

واكد ان استشهاد الطيارالكساسبة كشف وحدة والتفاف الأردنيين حول قيادتهم ودفاعا عن وطنهم، وتأكد للجميع، أن أساسات هذا البلد قوية، ويجدر البناء عليها.

وتاليا نص المحاضرة :

يشرفني ابتداء، أن أكون برفقة هذه النخبة الطيبة من أبناء محافظة معان العزيزة الغالية التي طرزت على مدار تاريخ الأردن سطوراً من الشهامة والعز والوطنية بمدينتها وعشائرها الأصيلة و أولادها الغر الميامين.
معان ما زالت، وستبقى، قلعة أردنية شامخة، قدمت التضحيات الكبرى وقوافل الشهداء والرجالات الكبار، دفاعا عن استقرار الأردن وفي بناء نهضته، وكانت منها، ومن على أرضها بشرى الفجر الهاشمي، وبوابة التأسيس.
أهل معان هم أخوالي وأهلي، وهم مصدر عز وفخر لكل أردني وعربي، وهم المدافعون عن الإسلام الحنيف، والمنحازون دائما وأبدا لقضايا وطنهم وأمتهم.
ويشرفني، أيضا، أن ألتقي هذه النخبة، من الأساتذة العلماء والأخوة الطلاب والطالبات، في هذا الصرح الأكاديمي التنويري، والذي يحمل اسم الراحل العظيم، الذي أدى أمانة رسالة آل بيت النبوة الكرام، بكل عزيمة وإخلاص.. ويحملها اليوم، في أصعب الظروف، وأكثر اللحظات الإقليمية تعقيدا، خير خلف لخير سلف، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، وأيده بنصر مبين.
وكما تعلمون، أيها الأخوة والأخوات، فإن المنطقة تمر اليوم، بواحدة من أصعب محطاتها التاريخية. وقد شهدنا من حولنا انهيارات كبرى في البنى الإدارية والاقتصادية، وفي المنظومات السياسية. ونشأت حالة معقدة من فقدان الأمن، في كل مجالاته، ابتداء من الأمن النفسي، إلى أمن المجتمعات وحقوق أبنائها بالحياة وبالاستقرار وبالغذاء والتعليم والعمل والعيش الكريم. والأخطر، أيها الأخوة الكرام: «أمن القيم». وهو ما أود أن أركز عليه، تاليا، في هذا اللقاء.
وفي ظل تسارع الأحداث ومع ما يشهده العالم من منعطفات حادة، في التحالفات والمواقف، وفي علاقة الإقليمي بالدولي، والتحولات الجديدة، وتغيير مراكز القوة والنفوذ؛ مع كل هذا وغيره، استطاع الأردن المحافظة على منجزاته، وحماية أمنه واستقراره، والتمسك بثوابته والدفاع عن مصالحه العليا، كما استطاع أن يؤكد موقعه الإقليمي، وأن يبرهن أنه رقم صعب، في المنطقة، وأن كيانه وهويته ودوره وتأثيره؛ ثوابت رئيسية، ليست موضع سؤال أو نقاش.
وقد توقف كثيرون عند هذه الحالة، وحاولوا تفسيرها؛ حيث يحافظ بلد صغير بمساحته وعدد سكانه، ومحدود بموارده، على منجزاته ويكرس استقراره، وهو ما عجزت عنه دول كبرى، بإمكانيات وموارد أكثر بكثير. واعتقد البعض أن في هذا سراً يكتنفه الغموض. وأقول: إنهم لن يفهموه، ما داموا يقيسون حجم الدول بالمساحات والثروات والأموال. لأننا في الأردن لدينا مقياس أخر، وهو مقياس الرسالة الهاشمية والقيم النبيلة الأصيلة.
لقد اتضحت هذه الصورة للعالم، بجلاء، عند استشهاد ابننا النقيب الطيار البطل معاذ الكساسبة؛ وشكل شهيدنا البطل صورة نموذجية لكبرياء الأردني وشموخه، لحظة مجابهة أبشع صور وجرائم الإرهاب الأعمى والغادر.
فكشف استشهاد ابننا الطيار، وحدتنا والتفاف الأردنيين حول قيادتهم ودفاعا عن وطنهم، وتأكد للجميع، أن أساسات هذا البلد قوية، ويجدر البناء عليها.. ونحن نواجه المزيد من التحديات والاستحقاقات غير المسبوقة التي تفرضها التطورات الإقليمية والدولية. فالقصة لم تنته. وهذه الحالة من الفوضى الإقليمية، والأزمات، والتحولات، سترافقنا سنوات غير قليلة، وستفرض تحدياتِها ومخاطرها، على أمننا ومقدراتنا. خصوصا، وأننا نشهد اليوم حقبة نمو المليشيات على أنقاض الدولة الوطنية، ونعايش مرحلة كل ما فيها غير تقليدي. ما يدعونا، وقبل كل شيء، للقراءة الممعنة، ولنطرح السؤال، حول كيفية المحافظة على الروح الإيجابية، الجامعة، التي أبرزت أفضل ما لدينا، وأظهرت وحدة الأردنيين الحقيقية، ومعدنهم الأصيل؟ كيف نستثمر هذه الحالة وننطلق منها، إلى المرحلة المقبلة، والوشيكة، في مجابهة التحديات والمخاطر؟ وإذا كنا نعترف جميعا أننا في حالة حرب مفتوحة، وشاملة، وطويلة المدى، ضد الإرهاب وخطابه وثقافته وأدواته الإعلامية وحرصه على توظيف معاناة الناس والظروف الصعبة والاستثمار في البطالة والفقر والتهميش؛ علينا إذن، أن ندرك، أنها مواجهة بين الطاقة الإيجابية والسلبية، بين الخير والشر.
وأعيد وأكرر، أنها مواجهة طويلة وبعيدة المدى. ولا بد أن تكون قوتنا العسكرية والأمنية مدعومة بقوة اجتماعية اقتصادية وسياسية، وبروح عامة، متقدة، ووطنية. وهذا كله، لا بد له من برامج واضحة، وخطط عمل، ومن تكافؤ في الأدوار والمهام. فكل طرف لا يقوم بدوره، إنما يؤذي الأطراف الأخرى ويعطل عملها، ويضعف المسيرة.
الأخوة الكرام،
وعند الحديث عن البرامج والخطط، لا أقصد الوثائق ولا الأدبيات والاستراتيجيات «التنظيرية»، ولا أقول النظرية فحسب. فقد أصبح لدينا «ثروة» من الأوراق والمجلدات المركونة على الرفوف، لأنها غير قابلة للقياس، ولا للتحقيق.
وبالتأكيد، ليس هذا هو المطلوب، ولا التباكي على ما يسميه البعض «فرص ضائعة»، في تطبيق برامج لا يمكن، أصلا، تحقيقها، لأنها لم توفر شرط التوافق، وهو متطلب أساسي، عند الحديث في القضايا السياسية، والتشريعات الناظمة لمستقبل المشاركة، ومستقبل التنمية الحزبية والبرلمانية في البلد.
المطلوب اليوم، خطة وطنية شاملة، تبني على المنجز، وتقوم على أساس المراجعة، واختيار الأنماط الأنسب لبلدنا ولمصالح الأردنيين ومستقبل الأردن، وأن تكون ملائمة لمتطلبات المواجهة مع الإرهاب، والاستجابة المسبقة، المؤهلة، للتحولات الإقليمية الكبرى، فلا يجوز أن نتفاجأ، بتطور ما، لم نستكمل له الاستعدادات، أو لم يكن ضمن فرضياتنا المتوقعة. هذه أساسيات المسؤولية. والمطلوب، هو أن نقرر ما يدعم مناعتنا ويضمن صمودنا في المرحلة المقبلة، وأن نواجهَ، فوراً، نقاط ضعفنا حيثما وجدت، وكل ما هو عبء علينا، ومن شأنه أن يضعف موقفنا في المجابهة القائمة، والمقبلة.
ومع تقديري واحترامي لروح التحدي والعزيمة عند الأردنيين، والتي عبرت عن نفسها، بالإصرار على الحرب على الإرهاب، وحماسة المشاعر باتجاه الانتقام الشافي من العصابة الإجرامية؛ فإن الحرب ليست فقط مواجهة عسكرية، مع عدو لئيم متربص، لكنها، مواجهة شاملة، يقودها جيش باسل شجاع، يدعمه اقتصاد كفؤ، يعتمد على الذات، وخطاب تنويري ثقافي تحمله منابر وصروح إعلامية وثقافية قادرة ومؤثرة ومدارس وجامعات تكرس المناهج الوطنية واحترام الرأي والرأي الآخر، والقدرة على الحوار، وزرع قيم التسامح والمحبة، وحياة سياسية نشطة وأحزاب سياسية تقوم بدورها، ومعارضة وطنية، تحمل برامجها، وتسعى للوصول إلى قبة البرلمان، لإقرارها، طالما انها تهدف لرفعة الأردن وخدمة أبنائه وصون دستوره.
الحاجة ملحة لنبذ الاصطفافات والعمل على بناء اقتصاد وطني قوي يتلاءم مع احتياجات المعركة والتحديات المرحلية ولإعادة النظر بأولوياتنا، وخصوصاً ما طرأ منها خلال السنوات الماضية. وهذا واجبنا جميعا ، لإعادة تحديد ما يلزم وما لا يلزم، وما يشكل عبئاً على الأردن ومسيرته.
ومثلما نفتخر اليوم بجيشنا وأجهزتنا الأمنية وقدراتها؛ يجب أن نفتخر غدا باقتصادنا الوطني وفعالياته وقطاعاته وقدرته على حماية الأردن، جنبا إلى جنب مع السواعد والعيون الساهرة على أمننا واستقرارنا. فلا يجوز أن نواجه التحديات بجيش قوي واقتصاد منهك ويعتمد على المساعدات.
الأخوة الكرام،
في هذه المرحلة، يبرز ملف المديونية، بوصفه التحدي الأهم على الصعيد الإقتصادي والمالي، إذ إرتفعت إلى حدود غير مسبوقة و هو ملف مقلق جدا ويؤشر على «خلل كبير» في التخطيط الإقتصادي.
وهذه الأرقام التي نشهدها مخيفة يصعب على أي حكومة التعامل معها إذا لم تتكاتف الجهود بين القطاع العام والقطاع الخاص والجهات الدائنة. وهو ما يدعو، أيضا، لإجراءات فعالة ونشطة ومنتجة، وتفكير غير تقليدي والبحث عن إبتكارات إبداعية وممكنة في مجال مكافحة الفقر والبطالة وإعادة توجيه الدعم الرسمي للمواطنين الأردنيين الذين يستحقونه ومواجهة التهرب الضريبي والحرص على إحتواء تأثير اللاجئين على بنية الإقتصاد الوطني المتوسط وذوي الدخول المحدودة في أسواق العمل والإنتاج.
لقد نوه جلالة سيدنا، أكثر من مرة، إلى أننا ونحن نخوض حربنا ضد الإرهاب والتطرف، والمنطقة مشتعلة؛ يجب أن لا ننسى أولوياتنا بخصوص مستقبل شبابنا وتوسيع الاقتصاد وتحسين النمو لكي ينعم به أبناء البادية والحضر والقرى والمخيمات وبالفرص الأفضل.
مواجهة مشكلة مستعصية وضخمة مثل البطالة تتطلب منحها الأولوية فالبطالة لا تعني فقط الفقر أو التعطل. ولكنها تعني أيضاً التوتر الاجتماعي وتعطيل طاقة الشباب والشابات وفقدان الثقة بالمستقبل وإنهاك الطبقة الوسطى وإضعاف مؤسسة الأسرة والعشيرة، وتنعكس على نسب الجريمة والجنوح، وتخلق مناخات مواتية للتفكير اليائس السلبي. لذلك، ولغير ذلك مما يضيق المجال بتعداده، يجدر أن يكون على سلم أولوياتنا، برامج واضحة محددة قابلة للمساءلة والقياس، تفرض على كل مؤسسة أو وزارة أن تحدد دورها وبرنامجها في التشغيل المنتج وخلق فرص العمل الدائمة والكريمة للأردنيين. وأقصد كل وزارة ومؤسسة عامة على وجه التعيين. فالكل مسؤول والكل قادر على القيام بدوره في مكافحة البطالة.
وفي هذا السياق، تبرز ضرورة سن تشريعات جديدة، تضمن توسعة الاقتصاد ونموه، وتشجيع القطاع الخاص لخلق فرص عمل هي بمثابة أولوية وطنية، مع توقف قدرة مؤسسات الدولة عن المزيد من التوظيف التقليدي غير المنتج، ومع هذا التزاحم على أبواب وسجلات ديوان الخدمة المدنية.
إن دور القطاع الخاص، في القيام بهذا الواجب الوطني، هو دور رئيس وكبير. وأعني هنا أن تكون معظم فرص العمل المتوقعة في القطاع الخاص، لأنه القادر على توسعة الطبقة الوسطى، وعلى أساس الحماية الاجتماعية والصحية، بحيث يكون الأردني والأردنية مسجلين في الضمان الاجتماعي ولديهم تأمين صحي. وهذا يتطلب أن نتعاون مع القطاع الخاص بوصفهم شركاء حقيقيين، في توفير فرص العمل لشبابنا وكلما ازدادوا نجاحا، كلما رفعوا من سوية موظفيهم ومساهميهم وتحملوا دفع ضرائب أكثر حتى إن كانت أقل نسبة، لكي ينفق القطاع العام على العاملين فيه وينفق على الخدمات الأساسية.
إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتعاونيات وتوحيد الصناديق تحت مظلة واحدة وإغلاق قطاعات عديدة على العمالة الوافدة ورفع الحد الأدنى للأجور والتشديد على حق العاملين الأردنيين بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وإيقاف ظاهرة العائلات الوافدة وإعادة النظر في سياسات التعليم العالي، مع إعادة الاعتبار للتعليم المتوسط والمهني، بالإضافة طبعا إلى استقطاب الاستثمارات النوعية، وتحفيزها وتوجيهها نحو المحافظات وتنمية المحافطات؛ والسماح لبنوك مختصة في تمويلِ المشاريع المتناهية الصغر. كل هذه أفكار قابلة للتحقيق، وبحاجة للمباشرة فورا، وتحت عنوان: مكافحة البطالة.
كما واقترح أن نقوم بدعم رواد الأعمال والذين يشكلون قطاعاً جديداً وحيوياً يجب أن نعتني به. حيث أعتقد أن هذا القطاع يشكل فرصة ذهبية لشبابنا المبدعين لتحويل أفكارهم إلى شركات مربحة والتي بدورها ستوظف وتساهم بالنمو الإقتصادي. وهنا لا بد من أن أنوه الى أهمية إيلاء الجهات المقرضة كالبنوك الدعم اللازم لهذه الفئة من شبابنا المبدعين وتسهيل عملية وصولهم لأدوات التمويل المختلفة. كما ويوجد منصات عالمية للتمويل والاستثمار الجماعي ومن ضمنها WeFunder و Eureeca والتي تغطي فجوة في التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وتشير الإحصاءات إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تشكل 50% من الوظائف التي تستحدث حول العالم، بحسب بيانات مؤسسة التمويل الدولية. فخلق فرص العمل ليس حكراً للقطاع العام والمشاريع الكبرى، ولكنه أيضاً في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وهنا تكمن أهمية دعمها وتوفير الحوافز اللازمة لنجاحها.
كما تلعب المشاريع الكبرى دورا موازياً، في رفع كفاءة التدريب والإعداد والتأهيل، وفي توطين التكنولوجيا الحديثة. ومن الواضح أن المستقبل يرتبط بمدى القدرة على مواصلة العمل في المشاريعِ الكبرى في مجالاتِ الطاقة والنقل والمياه، وهي مشاريع، بالإضافة إلى إسهاماتها الاقتصادية المهمة وفي التخفيف من أزمة البطالة؛ إلا انها ذات بعد استراتيجي، أمني، بالمفهوم الشامل، تدعم استقرار الأردن ودوام استقلال إرادته.
إن هذه المرحلة، بالذات، حيث تتعزز مكانة الأردن العالمية وفي ظل التحديات الإقليمية، تتأكد فيها فرصة الأردن في الإفادة من كل المعطيات لتحفيز النمو والاستثمار.
وهنا، أقولها وبكل صراحة ووضوح، بأن أي إقرار للقوانين بالـقطعة دون أن يكون هدف واحد يربط هذه القوانين، ضمن إطار واحد، إنما يسبب المزيد من المشاكل. فلو قرئ قانون الاستثمار، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الضريبة وقانون الموازنة كحزمة واحدة هدفها خلق فرص عمل، أعتقد بأن أمورنا ستكون أحسن مما هي عليها اليوم.
الأخوة الكرام،
لقد تفضل جلالة الملك المعظم، بالإيعاز إلى دولة رئيس الوزراء بتشكيل لجنة وطنية لتنمية الموارد البشرية. وقد أكد جلالة سيدنا في رسالته السامية أن على هذه اللجنة العمل على إعداد استراتيجية وطنية ينبثق عنها خطة تنفيذية للأعوام العشر القادمة، لجملة من القطاعات ذات الصلة، في مجالات التنمية البشرية، لتحقيق نقلة نوعية وتحديد مجموعة من السياسات الإصلاحية، والتي من شأنها أن تدعم عملية التحديث والتطوير.
ولقد جاءت هذه الرسالة الملكية السامية، وفي هذا الوقت بالذات، لتؤكد مقدار الاهتمام الذي يوليه جلالة الملك المعظم، للموارد البشرية عموماً، وتنميتها في كافة المجالات، وبوصفها على رأس أولويات الدولة الأردنية. وأتمنى أن يكون التوفيق حليف الحكومة في تنفيذ التوجيهات الملكية، وخدمة الأردن وأبنائه المخلصين.
الأخوة الكرام،
وعند الحديث عن القيم، وأمن القيم، تجدر الوقفة مع ضرورة وطنية، باتت ملحة، وأزعم أن الأردنيين، إلى حد كبير متوافقون عليها. وأقصد هنا، العودة إلى خدمة العلم، وفق أسلوب جديد، وفهم متطور، بحيث يتم اختصار الفترة، وتوفير فرص التدريب المهني والتقني لشبابنا وشاباتنا، بعد انقضاء متطلبات التدريب العسكري الميداني، وتكريس ثقافة الانضباطية والالتزام والعمل الجماعي والروح المعنوية العالية وزرع ثقافة الإيثار والتضحية والمثل العليا في أحضان المؤسسة العسكرية الوطنية التي تذوب فيها كل الفوارق والإعتبارات والهويات الصغيرة لتنصهر في مدرسة النشامى المعنية بالوطن، قبل أي شيء..
إنني أستغرب بصدق، من الحديث عن الكلف المالية العالية لهذه الضرورة الوطنية، ولهذه المصلحة الكبيرة؛ فبقليل من التخطيط والتنظيم والتعاون مع القطاع الخاص وتحفيزه للقيام بدوره، في التدريب والتأهيل، تصبح الكلفة المالية أقل بكثير جداً مما يتم الحديث عنه، بل وتصبح الفائدةُ أكبر على المدى المتوسط، وستكون لها الإنتاجية المطلوبة، وتحقق الأهداف.
ومع إنني، أرفض أن تحسب المصالح العليا، بمعايير الربح والخسارة، بمعناها المادي الضيق، وقصير النظر؛ فإن النتائج المتوقعة من إعادة خدمة العلم، وفق منظور جديد، ستكون ذات مردود إيجابي على خزينة الدولة، وستسهم بخفض نفقات أخرى، نبذلها في مكافحة الآفات الاجتماعية الناتجة عن التعطل والبطالة والفراغ ودخول ثقافات وسلوكيات وقيم معاكسة لمنظومتنا الوطنية.
وبهذه المجموعة من الشباب والشابات، المدربين والمؤهلين، نستطيع أن نقدم قائمة لأي شركة أو مستثمر يريد أن يعمل في الأردن وبحيث يحظى بإعفاءات إضافية إذا وظف من هؤلاء الشباب. ويمكن أيضا أن يصار للتنسيق مع جهات معينة ومن خلال سفاراتنا، لتوظيف شبابنا في الدول العربية والصديقة.
الأخوات والإخوة الأكارم،
إن الاصلاح السياسي هو ركيزة رئيسة، في الاستمرار ببناء الدولة، على النحو الذي يلبي طموح قائد الوطن ويستحقه الأردنيون. ولدينا، اليوم، لحظة تاريخية، لا بد من استثمارها على أحسن وجه، لخدمة مسيرة التنمية السياسية، إذ أنه معروض أمام مجلس الأمة مشاريع قوانين تمس مباشرة تطوير وتنمية الحياة السياسية، وتعزيز الشراكة، وأقصد هنا، مشاريع قوانين الأحزاب، والبلديات، واللامركزية. وسيصار إلى تقديم قانون الانتخاب في المستقبل القريب. وأعتقد بأننا يجب أن نقرأ هذه القوانين كحزمة واحدة تحقق غاية وطنية، ذات أولوية، ألا وهي؛ تجديد النخب الوطنية، وفي مختلف مجالات العمل العام.
وهنا، أقولها وبكل وضوح: إن تجديد النخب، مهمة وطنية عاجلة وملحة. فالدولة الأردنية، وبرغم حقيقة أنها الأقدم والأعرق في الإقليم؛ إلا أنها دولة فتية، حديثة، يشكل الشباب النسبة الأعم من السكان.. وما يطلق عليه اسم النخب، هم من فئة أخرى تماما، فضلاً عن أن معظم هذه النخب معزول، وتحجبه الصالونات المغلقة، وليس له اتصال بالميادين المتنوعة وبأرض الواقع.
إن النخب الحقيقية الواعدة، هي من الشباب ومن أساتذة الجامعات والمهنيين ومن السيدات اللواتي حققن قصص نجاح ومن كل مثقف حقيقي، يمارس مهمته في خدمة وتنمية المجتمع، بالعمل وتقديم النموذج، وليس بالتذمر والنميمة، والانشغال بالشائعات.
ومن بين أبناء وبنات المحافظات تتميز كوكبة منتمية مخلصة، تستحق، بجدارة، أن تكون منها نخبة الدولة والمجتمع وفي كافة المجالات. وهذا يتطلب جهداً رسمياً، وأهلياً، وتوفير المنابر والإمكانات، لتظهير هذه الكوكبة، وتجديد النخبة الأردنية، فالقادر على العطاء هو من يملك الشيء، وليس من يفقده.
وبخصوص قانوني البلديات واللامركزية، فقد أعلن جلالة الملك المعظم أن الهدف منهما هو تعزيز مسيرتنا الديمقراطية، واستكمال عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، وإشراك الأردنيين في محافظاتهم في المرافق العامة، وأولويات الاستثمار والإنفاق على المشاريع الرأسمالية والخدماتية، والإشراف على المؤسسات والهيئات الرسمية في مختلف المناطق.
وتحقيق هذا الهدف السامي يتطلب أن يوسع قانون البلديات الدور التنموي للبلدية من خلال مجلسها المنتخب، فهو الأقدر على تقديم الخدمات المتميزة للمجتمع المحلي وتطوير البلدية اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا. كما يتطلب أن يوسع قانون اللامركزية المشاركة الشعبية في صنعِ القرار ويكرس مفاهيم الإدارة المحلية بحيث تتولى المحافظات بمجالسها المنتخبة وهيئاتها الشبابية المتنوعة، مهمة الخدمة العامة.
وعلى صعيد قانون الانتخاب، لا بد من وقفة خاصة، تأخذ بعين الاعتبار، حقيقة أن قانون الانتخاب، ومنذ سنوات طويلة، مثل المعضلة الأساس في الجدل القائم بين جميع الأطراف حول عملية الإصلاح السياسي، نظرا لأهميته، وتأثيره المباشر في شكل ونوع التمثيل في المجتمع.
ومنذ عام ١٩٩٣، كانت هناك اعتراضات عديدة على نظام الصوت الواحد الحالي وأقيمت مئات الندوات وجرت مئات الحوارات حوله. ويجب هنا أن أقول بأن نظام الصوت الواحد مطبق في أكثر الدول عراقة في التقاليد الديمقراطية (بريطانيا، الهند وغيرهما)، وينتخب وفق هذا النظام حوالي نصف سكان العالم، والأهم، أن لهذا النظام أنصاراً في الأردن، ومن قوى سياسية واجتماعية وازنة. وقد أيدت استطلاعات الرأي، وجود نسبة مرتفعة ترى في نظام الصوت الواحد الصيغة الأنسب.
ومع ذلك، فهو يبقى قانوناً خلافياً، غير متوافق عليه. وأعتقد أن علينا البحث عن نظام انتخابي يحقق أكثر قدر من التوافق بين مكونات المجتمع السياسية والمتنوعة، ويستطيع أن يخدم أهداف الدولة ورؤية جلالة الملك (والتي وردت في الأوراق النقاشية)، في تطوير ديمقراطية فاعلة أساسها التعددية السياسية (الأحزاب)، والتي تؤدي الى وجود برلمان قائم على أساس تكتلات سياسية حزبية برامجية، ينبثق عنها حكومات حزبية/ برامجية يستطيع المواطن الأردني أن يراقبها ويحاسبها عن طريق السلطة التشريعية.
المطلوب، إذن، نظام انتخابي يساهم في تقوية وحدة النسيج المجتمعي بتأطيره في أطر سياسية وبرامجية، بحيث يصبح الاختلاف والنقاش في المجتمع على أساس المصالح السياسية والاقتصادية، وليس على أساس المصالح المناطقية أو الدينية أو العائلية، ويساهم في اعادة الاعتبار لقيم العمل الجماعي التي هدفها مصلحة الوطن وليس المصلحة الفردية.. وهنا، يجدر بالقانون الجديد أن يلبي حاجة وطنية، بإتاحة التكتلات والتحالفات البرامجية والسياسية، من خلال توسيع الدوائر الانتخابية وقوائم حزبية/ مستقلة تمثل جميع المحافظات.
هذا هو الإطار العام، للغايات التي يفترض أن يحققها قانون الانتخاب. أما التفاصيل، فتترك للنقاش العام، وللتوافقات. ويبقى أن المصلحة العامة، تقتضي خفض عدد أعضاء مجلس النواب، بالأخص مع قانون البلديات الذي يحيل إلى المجالس البلدية كثيراً من الأمور الذي يتحملها النائب اليوم.
وبما أننا نتحدث عن الإصلاح السياسي وضرورة إعادة الترسيم بين قطاعي العام والخاص فلا بد أن أذكر مسألة تقاعد النواب والتي حسمتها المحكمة الدستورية الموقرة. ومع حقيقة أن لدي موقفا واضحا من هذا الموضوع ومع حقيقية أن الحكومة التي حملت مسؤولية رئاستها، هي التي بادرت إلى سن قانون مؤقت يلغي تقاعد النوابِ، وباشرت بدراسة مسألة رواتب الوزراء، واقترحت أن يكون الحد الأدنى للخدمة العامة هو 7 سنوات، لحصول الوزير على راتب تقاعد؛ فإنني أجد من المناسب هنا، تقديم اقتراح عملي، جديد، بدراسة شمول النواب بالتقاعد المدني، ولكن مع شرط واضح، هو التفرغ للعمل النيابي، وما يشمل كذلك مجلس الأعيان، مع ربط ذلك بحد أدنى للخدمة، أسوة بالوزراء؛ فإذا تفرغ عضو مجلس الأمة لعمله البرلماني بالكامل، وتخلى عن عمله الخاص، تماما كما يشترط المشرع للوزراء، يكون حينها الراتب التقاعدي حقا له، وبما لا يتعارض مع نصوص الدستور. وبرأيي هذا يعمق مبدأ الفصل بين السلطات، ويحمي ويعزز استقلالية السلطات والفصل بينها ويحرم السلطة التنفيذية من أية ذرائع أو مصالح يمكن ان تستخدمها للضغط على أعضاء السلطة التشريعية بما يقود إلى تنقية العلاقات وحصرها في جوانب الواجب الوطني ومساندة آليات الرقابة.. وقد ينهي بشكل عملي علاقة المال والمصالح بالنيابة عندما يحتاج أن يفكر ملياً المرشح بأولوياته. فإذا رغب أن يخدم الناس فعليه أن يتفرغ لهذا العمل وإذا أراد أن يستمر في إدارة مصالحه فيبقى في مجال عمله، بعيداً عن سلطة الرقابة والتشريع. وقد يحفز الناس الذين لا مصالح لهم بالترشح للنيابة.ولعلها فرصة ملائمة، هنا، للتذكير بموضوع تقاعد الوزراء، وشموله بتعديلات مهمة، بإقرار حد أدنى للخدمة العامة، كشرط لحصول الوزير على تقاعد، وبما يضمن العدالة، ويحقق المصلحة العامة.
ويبقى ملف مهم و رئيس، لتطوير الحياة السياسية الأردنية، وهو المتعلق بقانون الأحزاب. وضمن نفس الإطار، فإنه من المهم أن يلبي القانون الجديد عدداً من الاعتبارات، في مقدمتها، أن يتضمن نصوصاً صريحة، تمنع تشكيل أحزاب على أسس دينية أو طائفية أو مناطقية أو عرقية. وهذا يفترض أن تكون النصوص واضحة بشأن عضوية الحزب، بحيث تجسد التنوع داخل المجتمع (الديني، العرقي والمناطقي)، وأن يمثل مؤسسو كل حزب كل محافظة ودوائر البادية، بالإضافة إلى تمثيل المرأة والشباب بنسب معقولة. وبالأساس، أن يتضمن القانون نصوصاً حاسمة، تجرم أية علاقة مع أية جهة خارجية، سواء أكانت تنظيمية أم مالية. وتحت طائلة المساءلة القانونية.
الأخوات والأخوة،
أكرر الشكر والتقدير لجامعة الحسين بن طلال، وللحضور الكريم. وأسأل الله أن يحفظ الأردن عزيزا منيعا آمناً مزدهراً، في ظل قائدنا ومليكنا المفدى، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، أدامه الله نهجاً وعطاءً وظلاً ظليلاً.