Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Aug-2019

ما وراء حظر النقاب في تونس

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

حاييم مالكا* – (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) 30/7/2019
في 5 تموز (يوليو)، أصدرت الحكومة التونسية حظراً يمنع النساء اللواتي يرتدين الحجاب الكامل، أو النقاب، من دخول المباني الحكومية. ويأتي هذا القرار بعد تفجيرين انتحاريين وقعا في تونس في الأسبوع الذي سبق صدور القرار. وفي حين شجبت بعض المنظمات في تونس هذه الخطوة، ظل حزب النهضة، أكبر حزب سياسي ديني في البلاد، ملتزماً الصمت إلى حد كبير.
مثل الكثير من الجدل الذي دار في وقت سابق من هذا العام حول إصلاح قوانين الميراث التي تفرضها الأديان، تسعى القوى الحزبية التونسية إلى استغلال الجدل حول النقاب لخدمة أغراضها السياسية. وتُظهر ردود الفعل السياسية على حظر النقاب كيف يتغير التقاطع بين السياسة والدين في تونس ما بعد الثورة بطرق غير متوقعة.
بالنسبة لمعظم تاريخ تونس الحديث، فرضت الدولة علمانية متشددة هدفت إلى تهميش التعليم الديني، وتقويض المؤسسات والقادة الإسلاميين، وضمان قدرة سلطات الدولة على تقنين الدين والسيطرة عليه بإحكام. وخلال ذلك الوقت، حظرت الحكومة ارتداء النقاب في تونس. وبعد الثورة التونسية في العام 2011، تم تخفيف الكثير من القيود المفروضة على النشاط الديني والوعظ والتنظيم. ومع ذلك، كان الراحل بيجي قائد السبسي، الذي شغل منصب رئيس تونس من العام 2014 حتى وفاته في 25 تموز (يوليو)، مؤيداً رئيسياً لفرض تشريع يهدف إلى السيطرة على الشؤون الدينية.
لا تبرر الحكومة الحظر الأخير كخطوة تتعلق بإعادة فرض العلمانية كاتجاه تتبناه الدولة، وإنما تعرضه بدلاً من ذلك كإجراء أمني ضروري يساعد على منع الإرهابيين من إخفاء هوياتهم والتمكن من تنفيذ الهجمات. والآن، من المقرر أن يناقش البرلمان فرض حظر واسع النطاق على تغطية المواطنين وجوههم في جميع المناطق العامة.
لعل الأمر الجدير بالملاحظة في الجدل الدائر حول حظر النقاب هو أنه لا يتبع بالضرورة القسمة الثنائية المتعارضة المتوقعة، علماني/ إسلامي. ويشكو السلفيون، والإسلاميون المحافظون وبعض نشطاء حقوق الإنسان من ذوي الميول اليسارية من أن الحظر يحد من حرية التعبير. كما هدد معارضو الحظر بتقديم القضية إلى المحكمة، بدعوى أنها تنتهك مواد الدستور التونسي.
كانت استجابة حزب النهضة أقل قابلية للتنبؤ بها من قبل الخارجيين. والنهضة هو حزب إسلامي كان قد تم حظره لعقود في تونس قبل أن يظهر أخيراً باعتباره الحزب السياسي الأكثر تنظيماً في البلاد بعد سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ومنذ العام 2011، كان حزب النهضة في طليعة الدعوة إلى وضع تشريعات تسعى إلى تعزيز الهوية الدينية في تونس. ولا يقتصر الأمر على أن أتباعه يفضلون مشهداً اجتماعياً محافِظاً وأكثر تقليدية، وإنما أعلن قادة “النهضة” منذ فترة طويلة أيضاً أن حماية الحقوق الفردية هي الطريقة الأكثر فعالية لمنع العودة إلى الاستبداد. وفي ظاهر الأمر، تبدو جهود الحكومة لحظر النقاب وكأنها تتعارض مع جهود حزب النهضة لحماية الحريات الدينية والشخصية.
ولكن، منذ سنوات عدة، أثبت حزب النهضة أنه، في المقام الأول، منظمة سياسية واقعية وبراغماتية. وعلى سبيل المثال، كانت مرشحة الحزب التي فازت بمنصب رئيس بلدية تونس، سعاد عبد الرحيم، امرأة غير محجبة. كما سعى الحزب إلى وضع نساء أخريات غير محجبات في مكان أعلى في قوائمه الانتخابية، في محاولة لجذب الناخبين الوسطيين وتبديد الاتهامات بأنه يسعى سراً إلى فرض أجندة إسلامية متشددة. ومع تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) المقبلين، لا يريد سياسيو حزب النهضة أن يتهموا بأنهم متساهلون بشأن مسائل الأمن، وقد يقلل الدفاع عن النقاب من جاذبية مرشحي الحزب في أوساط الناخبين الوسطيين.
بالنظر إلى عدم وجود شرط قانوني إسلامي صريح بارتداء النقاب، فإن دعم حزب النهضة الصامت للحظر لا يتعارض مع أي مبادئ دينية. وكلما أمكن ذلك، يتجنب سياسيو “النهضة” خوض معارك تشريعية بشأن المسائل الدينية. وهم يسعون باستمرار إلى التصالح مع الجهات الفاعلة العلمانية من أجل تجنب إثارة أزمة سياسية في البلد. ولعل الاستثناء الملحوظ لهذا الاتجاه هو معارضة حزب النهضة القوية للجهود الرامية إلى تقسيم الميراث للمرأة والرجل على قدم المساواة بموجب القانون التونسي. وعلى النقيض من مسألة النقاب، توجد قواعد تضبط تقسيم الميراث بشكل واضح في القرآن، مما لا يترك لحزب النهضة الإسلامي خياراً سوى التحدث علناً ضد التحركات التي تسعى إلى تعديل هذه القواعد.
هذا لا يعني أن حزب النهضة قد تخلى عن الترويج للقيم الدينية. لكنه انتقل، بدلاً من ذلك، منذ أيار (مايو) 2016، إلى فصل النشاط الديني عن النشاط السياسي للجماعة، مما أدى إلى التمييز بين الحزب نفسه وبين شبكة من المنظمات غير الحكومية المرتبطة بشكل فضفاض بحركة النهضة. وبينما كانت حركة النهضة تتطور، فإنها دفعت العديد من البرلمانيين المحافظين والسلفيين الذين أثاروا الخلاف العام إلى الخروج من الحزب السياسي ونحو احتلال مواقع بارزة داخل الحركة الاجتماعية.
بإعادة تشكيل نفسه بهذه الطريقة، يمكن للحزب السياسي التركيز على جلب الانتخابات والتشريع والسياسة إلى المركز. ويمكنه أن يتصالح مع الأحزاب والمصالح القوية الأخرى وأن يستوعبها، مع الحرص على حماية جهوده الاجتماعية والدينية الأوسع نطاقاً في الوقت نفسه. وفي حين يحاول سياسيو حزب النهضة البقاء على مقربة من الوسط السياسي في تونس، تعمل الحركة الاجتماعية لحركة النهضة في الوقت ذاته في الدفاع عن الكثير من المبادئ الثورية والدينية للحزب على المستوى الشعبي، بحيث تقوم بتحويل المجتمع التونسي بهدوء في اتجاه أكثر تديناً.
بشكل عام، أظهر الحزب والحركة تركيزاً ووحدة جديرين بالملاحظة والإعجاب. فقد انتقد أحد أعضاء المجلس الاستشاري لحركة النهضة، عبد الكريم هاروني، الحظر الحكومي على النقاب باعتبار أنه ينتهك الحريات الفردية، لكن بعضاً من أعضاء حزب النهضة عبروا عن تأييدهم للحظر. ويتمثل التحدي الذي يواجه الحزب للمضي قدماً في الحفاظ على تلك الوحدة، في ظل مشهد سياسي واجتماعي متغير.
عند مناقشة تحرك حزب النهضة للفصل بين جناحيه السياسي والناشط، ادعى زعيم حركة النهضة، رشيد الغنوشي، بأنه “يجب علينا أن نحافظ على إبقاء الدين بعيداً عن الصراعات السياسية”. وهذا هدف سام في بلد يعيد التفاوض بشأن هويته الدينية، مع الانتقال في الوقت نفسه إلى حكومة أكثر ديمقراطية. وبغض النظر عما إذا كان الحظر الكامل للنقاب سيمر في البرلمان أم لا، سوف يستمر السياسيون في استغلال القضايا الدينية لتحقيق مكاسب سياسية، وسوف تستمر الاختلافات الدينية في تقسيم التونسيين في المستقبل المنظور. لكن الأمر المهم هو أن يواصل التونسيون مناقشة القضايا السياسية والدينية بطريقة شفافة وبناءة. كانت روح النقاش وحرية التعبير هي إرث الثورة. وسيكون الإبقاء على هذا الإرث على قيد الحياة شأناً حيوياً وحاسماً في تحديد مستقبل تونس.
 
*ملاحظة: هذا التعليق هو جزء من دراسة استمرت على مدى عام كامل، والتي تدرس الكيفية التي تسعى بها الدول في إفريقيا إلى إدارة الشؤون الدينية.
*مدير مساعد وزميل رفيع في برنامج الشرق الأوسط في المعهد.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Beyond Tunisia’s Niqab Ban