Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Apr-2013

الطلبة والعشيرة والدولة: أزمة المشاركة الطلابية في الجامعات الأردنية
الغد - د. باسم الطويسي - يعد طلبة الجامعات أكثر الفئات الاجتماعية تعبيرا عن مضامين واتجاهات التحولات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها المجتمعات، وهم الأكثر جرأة على اختبار طبيعة ومضامين التحولات الاجتماعية والسياسية واتجاهاتها، لذا يسهم فهم تحولات المجتمعات الطلابية من خلال سلوكها اليومي وقيمها في فهم تحولات المجتمعات الكبيرة التي جاءوا منها أو ينتمون إليها.
لقد شهد المجتمع الأردني خلال العقدين الماضيين تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية بدت تظهر نتائجها أكثر وضوحا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتركت آثارها الواسعة في المجتمعات الطلابية، أهمها الهيكلة الاقتصادية وتراجع دور الدولة في الرعاية الاجتماعية وازدياد حدة الفقر والبطالة وتعثر التحديث والإصلاح السياسي.
تنطلق هذه الدراسة من اختبار فرضية تقول إن  التحولات الاقتصادية وأزمات التحديث السياسي عملت على إعادة إنتاج نمط من العشائرية كنزعة سياسية اجتماعية تختلف عن العشيرة التي يتراجع دورها كبنية اجتماعية، في مواجهة أزمة المشاركة، وضعف أدوات الدولة في تنمية مشاركة مدنية إيجابية تقوم على التعدد والتنوع، وفي ضوء ضعف استجابة التحديث السياسي لهذا المنطق كان من السهل تسييس الجماعات المرجعية الأولية وكانت ساحات الجامعات والمجتمعات الطلابية الأكثر شفافية في عكس هذا التحول.
وفي ضوء تنامي مظاهر الارتداد الاجتماعي نحو الجماعات المرجعية الأولية "الجماعات القرابية، العشائرية، والجهوية"، وهي العملية التي صاحبت التحولات السياسية منذ مطلع التسعينيات، تبدو المجتمعات الطلابية أحد النماذج المهمة والمركزة  لفهم الدور الذي باتت تحتله العشائرية في الحياة السياسية وما تقود له من تراجع في مكانة الجامعة وفي تنامي ظاهرة العنف.
عودة للوراء.. ومقدمات ما يحدث اليوم
ترجع المرحلة الثالثة في تطور المشاركة الطلابية إلى مطلع التسعينيات واستمرت معظم ملامحها إلى الوقت الراهن، وفيها تبلورت أهم مظاهر النزوح نحو الجماعات المرجعية الأولية الجهوية والعشائرية والقرابية.
إن التأسيس لهذه المرحلة يعود إلى النصف الثاني من عقد الثمانينيات حيث زرعت البذور التي حصدت فيما بعد، فبعد أحداث جامعة اليرموك 1986، التي شكلت آخر نقاط التحول في البحث عن مشاركة طلابية حقوقية ذات مضامين سياسية (شاركت في إدارة أحداث 1986 قوى يسارية وقومية وإسلامية)، بدأ يزداد حضور قوى طلابية ذات نزعات جهوية متنامية في إطار ديناميات العلاقة الداخلية (الأردنية - الفلسطينية) بعد قرار فك الارتباط، وزيادة حضور التعبيرات السياسية الداعمة للانتفاضة، حيث حدثت اشتباكات طلابية متكررة خلال العام 1988.
في العام 1989، انطلقت أحداث الاحتجاجات على الظروف الاقتصادية وخلفياتها السياسية من مدينة معان وعمت مدن الجنوب، ولاقت صداها في الجامعات الأردنية، حيث نظمت مسيرة ضخمة داخل الجامعة الأردنية شارك فيها طلبة من مختلف التيارات وإن كان جلهم من الطلبة أبناء العشائر الأردنية الذين اضطروا إلى حماية المسيرة خوفاً من أن يقوم طلبة غير متعاطفين معهم بمهاجمة المسيرة، ما يدل على أنه الى ذلك الوقت لم تكن التعبيرات العشائرية في المجتمعات الطلابية صناعة رسمية. 
المشهد في مطلع التسعينيات يشير إلى أن المشاركة الطلابية آخذة في النمو حاملة مضامين حقوقية، وتعبر عن عمق مجتمعي يدفع بقوة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، وأن المسألة لا تتوقف على إدارة العلاقات الطلابية داخل ساحات الجامعات.
إلا أن السنوات اللاحقة شهدت تفريغ هذه المشاركة من مضامينها، وبدا ذلك في تراجع حضور التيارات الطلابية ذات المضمون السياسي التقليدي، وعدم القدرة والرغبة في إحلال تيارات محلية أو تنمية العمل المهني الطلابي، ما خلق فراغا مليئا بتصنيع النزعة العشائرية.
ولعل أبرز تعبيرات هذا التحول بروز تيار واسع، وصف عادة، بأنه قريب من الدوائر الرسمية خارج أسوار الجامعات وقريب من عمادات شؤون الطلبة داخل أسوار الجامعات، وبرز هذا التحول في تيار أُطلق عليه التجمع الوطني الطلابي الأردني (وطن)، الذي أُعلن عن تأسيسه العام 1991، منافساً للتيار الطلابي للإخوان المسلمين الذي أصبح مع مطلع التسعينيات المسيطر على الساحات الطلابية والمنظم الأول للمشاركة الطلابية.
تزامن ذلك مع بداية الانفتاح الديمقراطي في الأردن، وبدايات تبلور انعكاس ما حمله من تحولات على الساحة الطلابية تمثلت في ظهور الاتحادات الموقعية بإرادة رسمية العام 1992، في جامعات: الأردنية واليرموك والتكنولوجيا، وفي العام 1993 في جامعة مؤتة وامتدت الاتحادات الموقعية لباقي الجامعات.
وفرت الاتحادات الموقعية فرصة أمام إعادة صياغة المشاركة الطلابية، وفق أسس جديدة ساهمت مع ظروف عديدة أخرى في نمو النزعات نحو المرجعيات الأولية، وعلى رأسها الجهوية والعشائرية مع انسحاب القوى السياسية عن الساحة الطلابية، تزامن هذا الاتجاه مع قيام إدارة الجامعة الأردنية بتعديل تعليمات مجلس الطلبة العام 1998، وفق نظام "صوت واحد للناخب الواحد" الذي بموجبه يحق للطالب الواحد اختيار مرشح واحد فقط وليس عدداً من المرشحين حسب دائرته الانتخابية الممثلة للكلية، جرى ذلك تمشياً مع قانون الصوت الواحد للعام 1993 لانتخابات مجلس النواب.
صناعة العشيرة  الطلابية
تشير العديد من المعطيات إلى أن التحولات التي شهدها المجتمع الأردني منذ مطلع التسعينيات، وعلى مدى عقدين كانت ذات آثار واضحة في صعود دور العشيرة السياسي، وفي علاقة المجتمع بالدولة وفي المجتمعات الطلابية بشكل خاص:
1 - تحولات إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي:
في المجمل عملت سياسات برامج الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة وهي إحدى أدوات التحديث على خلق أوضاع اجتماعية غير مسبوقة في سياق تطور المجتمع الأردني حينما تراجع دور الدولة في تقديم الرعاية مقابل عدم تقديم بدائل مؤسسية قوية في المشاركة، ما يعد من أهم أسباب عودة العشيرة إلى الواجهة، ووجدت ساحات الجامعات ومجتمعات الطلبة أكثر الأماكن ملاءمة لتفريغ هذه التحولات والتعبير عنها، أما الخلفيات التي أعادت تموضع العشيرة كواجهة دفاعية وسط مجموعات واسعة من المجتمع الأردني في سياق سياسات الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة فأهمها:
-اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وتقدم ساحات الجامعات الأردنية أفضل صورة لهذه الفجوة التي ولدت بعض مشاعر النقمة الاجتماعية وازدادت هذه المظاهر مع نمط سياسات القبول المفتوح.
-اتساع الإدراك لعمليات الفساد التي صاحبت عمليات إعادة الهيكلة والتي خلقت فئات اجتماعية جديدة توصف بنمط حياة جديد وبقيم مختلفة.
-ازدياد حدة الخطاب الذي يربط أهداف برامج التصحيح الاقتصادي وإعادة الهيكلة بمشاريع تفكيك الدولة مع غياب مؤسسات فاعلة للمشاركة الشبابية واستيعاب طاقاتهم.
-ضعف القدرات المالية للجامعات ما انعكس على سياسات القبول وعلى البرامج الأكاديمية وعلى إنتاج أزمة التعليم العالي.
2 - تحولات التحديث السياسي:
لقد أدى تعثر الإصلاح السياسي وضعف إدارة أزمات التحديث السياسي وعدم قدرة النظام الرسمي والأنظمة المجتمعية الفرعية على تفريغها بدون المساس بعملية الانتقال السياسي إلى تعثر التحديث السياسي وتوليد أزمات جديدة وجدت في ظروف أخرى موازية البيئة الملائمة لتفاقم أزمات التحديث السياسي.
ولعل الخلاصة المهمة لأزمات التحديث السياسي تتمثل في أنه بدل أن تعمل التحولات السياسية على إدماج المرجعيات الأولية الطبيعية للأفراد والجماعات قامت بإعادة تسييس هذه المرجعيات، حيث عمل تسييس هذه المرجعيات إلى تشويه الوعي بالدولة في الثقافة الاجتماعية والسياسية للطلبة.
انعكست هذه الأزمات على المجتمعات الطلابية في الجامعات في مجموعة من المظاهر:
1 - تراجع استقلالية الجامعات بشكل كبير أدى في بعض المراحل الى فقدان هذه الاستقلالية تماما، حيث تم تفريغ الجامعات من استقلالها على ثلاثة محاور، الأول: الاختراق الأمني المباشر وغير المباشر، الثاني: الاختراق من قبل المؤسسات الرسمية والنخب الرسمية النافذة، الثالث: الاختراق من قبل المجتمعات المحلية ونخبها النافذة.
2 - إنتاج أزمة التعليم العالي بشكل مؤسسي حيث نجد تعبيرات هذه الأزمة في نوعية التعليم، وفي ضعف مخرجات العمليات الأكاديمية والبحث العلمي والدراسات العليا، وفي تراجع الحاكمية والرشد في الإدارات الجامعية، وفي توالي جيل من القيادات الجامعية الضعيفة والتي تفتقد إلى الكفاءة والتي جاءت بدورها بقيادات أضعف في الصف الثاني، حيث كانت هذه التعبيرات تمنح إشارات مبكرة عن اتجاهات أزمة الدولة والمجتمع وتراجع الكفاءة العامة للدولة.
3 - لم توفر هذه الأزمات البيئة الملائمة لبناء أطر مؤسسية قوية للعمل الطلابي وفي حين فشلت الحركة الطلابية في إقامة اتحاد طلبة عام بقيت الاتحادات الموقعية مؤسسات ضعيفة وغير مؤثرة.
4 - ازدياد حدة الفراغ المهني - السياسي في المجتمعات الطلابية، فيما بدا واضحاً وجود أزمة في الثقافة السياسية لدى الأجيال الجديدة من الطلبة تتنامى بقوة وتحفر بعيدا في العمق الاجتماعي للدولة.
5 - عكست نتائج انتخابات اتحادات الطلبة نمو النزعة العشائرية والمناطقية وتصاعد الهويات الفرعية، وازدياد استخدام التعبيرات الرمزية الدالة عليها في الحياة الطلابية اليومية، لقد صعدت العشائرية الطلابية لملء الفراغ الذي أحدثه تراجع نمط الجهوية - الإقليمية الذي ساد في الساحات الطلابية في السبعينيات والثمانينيات.
6 - نمو ظاهرة العنف الطلابي القائمة على خلفيات عشائرية ومناطقية حيث بدأت هذه الظاهرة بالتزامن مع صعود العشائرية الطلابية، وبمراجعة تحولات العنف الطلابي يبدو أن كافة المشاجرات إن لم تكن تبدأ لأسباب عشائرية فإن خطوط الاشتباك فيها ترسم على أسس عشائرية ومناطقية.
عملت تلك التحولات وأزمات التحديث على إعادة إنتاج العشائرية كنزعة سياسية اجتماعية في الوقت الذي يتراجع فيه دور العشيرة كبنية اجتماعية، يكشف هذا الاستنتاج عن عمق أزمة المشاركة، وضعف أدوات الدولة في تنمية مشاركة مدنية إيجابية تقوم على التعدد والتنوع، وفي ضوء ضعف استجابة التحديث السياسي لهذا المنطق كان من السهل تسييس الجماعات المرجعية الأولية وكانت ساحات الجامعات والمجتمعات الطلابية الأكثر شفافية في عكس هذا التحول.
الثقافة السياسية المشوهة
1 - مفهوم العشيرة في المجتمعات الطلابية بهدف تحليل الخطاب الطلابي حول مجموعات من المفاهيم مثل العشيرة، الدولة، الهوية، الذات والآخر، تم استخدام إحدى أدوات منهجية تحليل الخطاب القائمة على تحليل الصفات والأدوار التي يقدمها الخطاب لكل مفهوم ، وبالتالي فهم التصور حول الذات والتصور حول الآخرين الذي يعد أساس فهم مضامين الهوية الاجتماعية للطلبة؛ أي الوصول لفهم النظام الثقافي الذي ينتج المفاهيم، تم إجراء هذه التحليل على طلبة من أربع جامعات (الأردنية، مؤتة، آل البيت، والحسين بن طلال).
أ- تحليل الصفات:
تم رصد 24 صفة طرحها الطلبة للعشيرة، تكررت كل صفة منها ست مرات أو أكثر في المقابلات والحلقات النقاشية الطلابية، وتعبر عن جانب من مضمون فهمهم للعشيرة ومدلولاتها، وهي في الأغلب لا تعبر عن مرجعيات ومواقف أيديولوجية بقدر ما تعبر عن أنساق معرفية تشكلت بفعل ظروف ثقافية واجتماعية، تدرج هذه الصفات على ثلاثة مستويات مرتبة حسب تكرارها، أن العشيرة هي:
- المستوى الأول: الأصل، الوطن، الانتماء، الهوية، التلاحم والترابط، الكرامة، القوة، العزوة، المكانة، النخوة، الأهل، الهيبة الاجتماعية، الفخر والاعتزاز،  شكلت هذه الصفات المجموعة الأكثر انتشارا وتكررت لدى 63 % من العينة.
- المستوى الثاني: التعصب الأعمى، العزلة، نمط اجتماعي متخلف، عنصرية، مشاجرات وعنف، إقليمية، وشكلت هذه الصفات المجموعة الثانية وانتشرت لدى 21 % من العينة.
-المستوى الثالث: قوة اجتماعية، رابطة الدم والقرابة، علاقة مكانية، مجموعة من جهة واحدة. وانتشرت لدى 16 %.
ب- تحليل الأدوار: يُقصد بالأدوار المهام والاستخدامات التي يطرحها الطلبة للعشيرة، وتدرج على ثلاثة مستويات شكلت (15) دورا للعشيرة تكرر كل دور أكثر من ست مرات.
- المستوى الأول: تحدد الكثير من أنماط السلوك والتفكير، أساس الدفاع عن الوطن والدولة، توفر الحماية والأمن للأفراد، تحدد مكانة الفرد بين الزملاء والآخرين، توفر احترام الآخرين، مصدر للاعتزاز والشعور بالذات والقوة، وأداة لمساعدة الطلبة.
-المستوى الثاني: أداة في يد المؤسسات الأمنية، أداة في يد عمادة شؤون الطلبة وإدارة الجامعة، تمارس مصادرة حق الطلبة في الوعي السياسي، ممارسة العنف والمشاجرات والمشاكل.
- المستوى الثالث: العشائرية لها أدوار غير دور العشيرة، تمارس سلطة اجتماعية وثقافية، النزعة العشائرية نشوة التطور الاجتماعي، وتمارس التكافل والتعاون بين الطلبة.
يوضح رصد الصفات التي أطلقها الطلبة على العشائر في المستوى الأول المفهوم المتنامي للعشيرة وسط المجتمعات الطلابية والذي ركز على (14) صفة و(7) أدوار أساسية تحمل مضامين اجتماعية وثقافية وسياسية للعشيرة، وتدل على نمط لبناء القوة داخل المجتمعات الطلابية قائم على تحويل العشيرة من بنية اجتماعية في سياق التطور الاجتماعي إلى نزعة اجتماعية ثقافية ذات تعبيرات سياسية لتحقيق المصالح كما يبدو واضحاً في تحليل الأدوار، ونستنتج من ذلك:
- حجم تشوه مفهوم الوطن والدولة: في الثقافة السياسية للطلبة فالعشيرة والعشائرية تدل في هذا النسق الثقافي على الوطن أو على أقل تقدير هي إحدى الدلالات القوية على الوطن فالعشيرة في الصفات هي الوطن، الانتماء، القوة، الكرامة وفي الأدوار هي أساس الدفاع عن الوطن.
- حجم تشوه مفهوم الهوية: وفق هذا المستوى في النسق الثقافي للطلبة تدل العشيرة والعشائرية على الهوية والأهل ومصدر الاعتزاز وعلى مستوى الصفات هي التي تحدد مكانة الأفراد ما يعني حجم تشوه مفهوم الدولة.
-تشوه مكانة القانون: على مستوى الصفات الغالبية  تذهب الى أن العشيرة والعشائرية في الصفات هي القوة وهي المكانة الاجتماعية وفي الأدوار: توفر الحماية والأمن للأفراد، أداة لمساعدة الطلبة.
إن التطور الخطير في تحليل مفهوم "عشيرة الطلاب" يبدو في إلصاقها بمفهوم الوطن والدولة والقانون؛ العشيرة هي الوطن في الصفات، والعشيرة من أجل الوطن والدولة في الأدوار.
يدل المستوى الثاني في تحليل الصفات والأدوار لمفهوم العشيرة على الموقف الذي يحمل مضامين سياسية أو أيديولوجية مناوئة أكثر من مضامين معرفية ويقدم هذا المستوى ( 6) صفات و( 4) أدوار حيث يشتق مفهوم العشيرة في هذا المستوى الصفات من الأدوار، ما يعبر عن موقف مصلحي آخر.
بينما يحمل المستوى الثالث المضامين التي تعبر عن مفهوم معرفي إلى حد ما وهي المضامين الأقل حضوراً في المجتمعات الطلابية، والتي صنفت العشيرة في سياق التطور الاجتماعي، وميزت بين العشيرة كبنية اجتماعية والعشائرية التي تمارس أدوارا مصلحية وتشوه التطور الاجتماعي.
العشيرة والهوية في المجتمعات الطلابية
تقدم المجتمعات الطلابية في الجامعات الأردنية مستويات متعددة لمضامين الهوية الاجتماعية والسياسية للطلبة كما عكستها المقابلات وحلقات النقاش تبدو في:
- النزعة الشديدة في تصنيف الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجامعات بشكل مفرط على خلفيات جهوية وعشائرية.
- بروز مسافات اجتماعية وثقافية في التباعد أو الاقتراب بين الطلبة على أسس جهوية وعشائرية، ما قد يولد التنافس والصراعات.
- المبالغة في الخوف من الفوارق القائمة بين الجماعات الطلابية على خلفيات المرجعيات الأولية.
- ممارسة أشكال من النزعات التعصبية الأولية المعبرة عن نمط من الاحتياط الاجتماعي من خلال تحميل الآخرين كل أسباب المصائب والمشاكل.
- المبالغة في إبراز التفوق الموجه ضد الجماعات الطلابية الأخرى: (الجهوية مقابل العشائرية)، (العشائرية مقابل الجهوية) و(العشائرية مقابل العشائرية).
هذه المحددات تبرز بشكل واضح من خلال تحليل مضامين العشائرية في الهوية الاجتماعية والسياسية السائدة بين المجتمعات الطلابية على مستوى التصور حول الذات والتصور حول الآخرين.
- التصور حول الذات: تمثل بيئة المجتمعات الطلابية واحدة من أكثر البيئات الاجتماعية التي يبرز فيها التعبير حول الذات من خلال حضور الجماعات المرجعية الأولية، لا يكتفي الطلبة بنقل تناقضات المجتمعات التي جاءوا منها وتعبيراتها المتعددة حول مضامين الهوية الاجتماعية والسياسية، بل يتم تضخيم هذه التناقضات والتعبير عنها بوضوح أكثر وجرأة أقوى.
إن التصور حول الذات ينتقل من العشيرة البنية الاجتماعية إلى العشيرة الطلابية أي النزعة العشائرية، حيث تبدو العشائرية مضمونا يوفر هوية شخصية وجماعية للطلبة كما تفعل في المقابل الهويات الفرعية الجهوية والمناطقية القائمة على اعتبارات سياسية وثقافية واجتماعية.
ينتقل التصور حول الذات العشائرية انطلاقاً من كون الرابط العشائري هوية شخصية إلى كونه مصدر الولاء للوطن، إن ثمة ربطا مشوها في بناء التصور حول الذات العشائرية يبدو في (الولاء  للعشيرة هو الولاء للوطن)، ولا تعارض بين قيم العشيرة ومصلحة الدولة.
كما يأخذ التصور حول الذات لدى الطلبة مضامين أولية للهوية تبدو في انشغال الكثير من الطلبة في مسائل الأصول والفصائل والبحث عن النسب، ومحاولة التعبير من خلال حرص الطلبة على أن يعرفوا أنفسهم بالاسم الأول وباسم العائلة، وحرص الطلبة على المناداة والإشارة لهم بأسماء العائلات، وتتضمن هذه التصورات محاولة إبراز التفوق العشائري حيث تزدحم النقاشات الطلابية بحشد القصص والأمثلة من الماضي والحاضر التي تضفي على هذه الجماعة التفوق والهيبة.
- التصور حول الآخرين: يقوم مضمون الهوية العشائرية على محاولة متدرجة لنفي الهويات الفرعية الأخرى، بدءاً من الهويات الجهوية الأخرى التي تعامل الهوية العشائرية بالمثل (الهوية الجهوية الفلسطينية، مقابل الهوية العشائرية الأردنية)، مرورا بالهويات المناطقية والجهوية (الهوية العشائرية مقابل الهويات الجهوية الفرعية المحلية: شمال، وسط، جنوب)، وصولا إلى الهويات العشائرية الفرعية الكبيرة المتقابلة مثال (عبابيد، بني حسن، بني حميدة، المجالي والطراونة.. وهكذا).
ثمة مستويات متعددة لفرز الهويات الفرعية بتعدد خلفياتها في المجتمعات الطلابية قائمة على التدرج والتجزئة ثم تجزئة المجزأ، كلما ضاقت دائرة الهويات الفرعية.
هذه التراتبية في مضمون الهوية يحددها التصور حول الآخرين، والقائم على النفي المتعدد واستمرار متوالية الانقسام والتجزئة التي تعود إلى طبيعة تكوين الجماعات المرجعية الأولية في الأصل وضعف النسق الثقافي السياسي حول مفاهيم الوطن والمواطنة والدولة.
العشيرة وبناء القوة 
 يشير مسار تطور العشائرية في المجتمعات الطلابية خلال العقدين الماضيين إلى أهم أنماط بناء القوة التي مارست فيها الجماعات المرجعية الأولية أدوارا واضحة، وهي التمثيل الطلابي من خلال انتخابات مجالس واتحادات الطلبة، وظاهرة العنف الطلابي؛  شكل تأسيس مجالس واتحادات الطلبة في الجامعات الأردنية منذ العام 1992 الفرصة لاختبار أنماط توزيع القوة داخل المجتمعات الطلابية، حيث هيأت التحولات والأزمات المحلية والإقليمية للعشائرية أن تحتل مكانة مهمة ونامية في تحديد التمثيل الطلابي إلى جانب عوامل أخرى.
وبرصد الانتخابات الطلابية في الجامعات المبحوثة تبين كيف تسيطر النزعة العشائرية في كافة تفاصيل المشاركة الطلابية، أبرز مظاهر أدوار العشيرة في مختلف مراحل هذه العملية:
- الاجتماعات التحضيرية: يبدأ الطلبة قبل شهر من موعد الانتخابات على الأقل بالدعوة إلى اجتماعات تحضيرية على مستوى العشيرة حسب حجم العشيرة وعدد طلبتها في الجامعة أو حسب عشائر منطقة أو مدينة ما، عادة يدعو للاجتماعات طلبة يمثلون قادة الرأي الطلابي العشائري، وهم يوصفون بكاريزما وحضور وسط الطلبة وقدرة على إدارة الاجتماعات الكبيرة وإجراء الحوارات والاستعداد لتحمل الأعباء (شيوخ العشائر الطلابية)، لا يصلح إلا أن يكونوا من الذكور وعادة يكونون طلبة متقدمين نسبياً في السن على معظم الطلبة أقرانهم أو من سنوات متقدمة في كلياتهم.
في معظم الجامعات تم تقسيم الساحات والشوارع بين العشائر الكبيرة والتحالفات العشائرية فهناك ساحات معروفة في الجامعة الأردنية وفي مؤتة على سبيل المثال هي محتكرة لطلبة العشيرة الفلانية وعادة تجري الاجتماعات التحضيرية فيها وعندما تقترب الانتخابات تتحول هذه الساحات الى مناطق استقطاب ساخنة. وفي جامعات أخرى تتم الاجتماعات داخل دواوين عشائرية وبحضور متنفذين من العشائر يقدمون المشورة والدعم والمتابعة.
ينظم طلبة العشائر بعد سلسلة من الاجتماعات التحضيرية انتخابات داخلية بين طلبة العشيرة الواحدة أو عشائر المنطقة/ المدينة إما بالتوافق حول الراغبين في الترشيح في كل دائرة انتخابية، وعادة ما تحدد الدوائر التي يوجد فيها فرص من خلال قوة تمثيل طلبة العشيرة فيها، وإذا ما اقتضى الأمر يتم الاقتراع الداخلي، وأخذت بعض العشائر تلجأ إلى الاقتراع السري.
- بناء التحالفات: توضح مجريات عمليات بناء التحالفات في انتخابات المجالس والاتحادات الطلابية في الجامعات المبحوثة استمرار الآليات المتبعة والتي تعود إلى عشر دورات انتخابية في بعض الجامعات، وتتم هذه التحالفات عادة على خطوط التقاء وتماس عشائرية إضافة الى الأبعاد الجغرافية والجهوية، حيث يتم الاصطفاف أحيانا على أسس جغرافية/ عشائرية معا.
إن أنماط هذه التحالفات تعيد ربط النزعات العشائرية بجذورها المتمثل في نمط الاستيطان الذي كون العشائر، أكثر من اعتبار ذلك تحولاً في بنية العشيرة وسلوكها نحو المدنية حيث تبقى أدوات هذه التحالفات عادة عشائرية.
- تنظيم الحملات والتمويل: أخذت الحملات الانتخابية تتركز في النزعة العشائرية والجهوية خلال السنوات الأخيرة وتأخذ بُعدا تنظيميا واضحا أكثر من سنوات التسعينيات حينما اتسمت بالعشوائية، وتقدم انتخابات مجالس واتحادات الطلبة صورة واضحة على تطور الوعي التنظيمي وفق المحددات العشائرية، ويبدو ذلك في تنظيم الاجتماعات وإفراز القيادات وتشكيل اللجان وتوفير التمويل والدعم.
قامت معظم التجمعات الطلابية العشائرية بتقسيم العمل الانتخابي إلى أربع أو خمس لجان أهمها اللجنة المالية التي تقوم بتوفير التمويل من خلال التبرعات الطلابية المحددة من كل طالب، واللجنة الإعلامية المكلفة بإدارة الدعاية الانتخابية وكسب التأييد والترويج للمرشحين، ولجنة داخلية تقوم بإدارة شؤون العشيرة الطلابية أو التجمع الطلابي العشائري، ولجنة الطالبات وتقوم بمتابعة تأمين أصوات الطالبات.
- أدوات وأساليب المساندة: يعتمد الطلبة على العديد من أدوات المساندة العشائرية منها ما يتم داخل الساحة الطلابية وأخرى تتم في الخارج، ومنها ما تتم استعارته من تاريخ الممارسات الانتخابية التي تمارسها العشائر في الانتخابات البرلمانية والبلدية.
-مرشح الصفر: أسلوب مساندة بطرح مرشح من أبناء العشيرة أو التجمع العشائري في دائرة ما، وهو عبارة عن مرشح شكلي تقوم العشيرة بترشيحه للمحافظة على أصوات أبناء العشيرة في هذه الدائرة (القسم أو الكلية)، ليتم مقايضة هذه الأصوات مع عشيرة أخرى في دائرة انتخابية أخرى.
- الجاهات والوفود التي يتم تحريكها على أسس عشائرية بين الطلبة لتنازل مرشح من عشيرة ما لصالح مرشح آخر أو لكسب تأييد عشيرة لكتلة ما.
- تدخل أشخاص مؤثرين من خارج الطلبة وأحيانا من الرموز العشائرية ومن الخريجين الذين كان لهم دور في الاتحادات السابقة في التأثير على تنظيم الحملات الانتخابية والتحالفات.
- استخدام الابتزاز والتهديد لبعض الطلبة لدفعهم للتصويت لصالح مرشح ما أو عدم المشاركة في الانتخابات.
أشارت نتائج الانتخابات الطلابية خلال الدورات الست الماضية في الجامعات المبحوثة إلى نفوذ العشائرية  بشكل كبير في منافسة التيار الإسلامي الذي تراجع خلال هذه السنوات بعدما تقدم في مطلع التسعينيات واحتل مكان التيارات السياسية المتعددة التي كانت  تسيطر على ساحات الجامعات.
تدل مراجعة هذه النتائج على أن القوى الطلابية العشائرية التي شكلت مجالس الاتحادات خلال هذه السنوات آخذة في الانحصار في الصراع والتنافس داخل النزعة العشائرية بعد أن فرغت المشاركة الطلابية من النمطين المهني والسياسي وانسحب الأمر حتى في تراجع التيارات السياسية التي كانت تلاقي دعما رسميا ومحسوبة على الدولة مثل تجمع (وطن) ما جعل الساحة الطلابية محتكرة من قبل النزعة العشائرية التي تدير الصراع على التمثيل، الأمر الذي جعل رئاسة اتحاد الطلبة في بعض الجامعات ومنذ عشر سنوات محصورة في عشائر المدينة التي تقع فيها، ويمنع على الطلبة من المناطق الأخرى من الوصول الى رئاسة الاتحاد.
الخلاصة
صعدت العشائرية الطلابية نتيجة للتحولات القاسية التي أوجدتها الإصلاحات الاقتصادية والتحول في دور الدولة الاجتماعي الى جانب تعثر التحديث والإصلاح السياسي حيث نمت في هذه البيئة أزمة التعليم العالي وتفاقمت، فلقد أخليت الجامعات من العمل السياسي التقليدي والأيديولوجي ولم يتم ملء الفراغ بعمل طلابي مهني أو سياسي شرعي قائم على التعدد.
العشائرية الطلابية أحد الأمثلة على تشوه الدور الاجتماعي للعشيرة وضعف بنية الجامعات وتراجع استقلاليتها، وتنقل جانبا من أزمة العلاقة بين الدولة والمجتمع، ولا تتوقف النتائج الكارثية لهذه الظاهرة في توليد ظواهر أخرى أهمها العنف الطلابي الذي يعصف بالجامعات، بل تمتد النتائج لآثار كارثية أخرى منها التشوه الكبير في الثقافة السياسية للطلبة ما يعني أن جامعتنا تنتج أجيالا غير قادرة على استيعاب فكرة الدولة المدنية المعاصرة، وتحول الأدوات الديمقراطية في المشاركة والتمثيل، الى أدوات تنتج ظواهر أصبحت واحدة من أكثر مصادر تهديد بنية الدولة، واستقرارها، بعدما كانت العشيرة في حدودها الطبيعية قوة بنائية أساسية في تأسيس الدولة واستقرارها.