Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Nov-2017

من هزم البطل؟ - رومان حداد

 الراي - يبرز في مناطق عدة من العالم أبطال يلهمون مخيلة الناس والجيل الشاب تحديداً، هؤلاء الأبطال من لحم ودم، ولكنهم أيضاً يدخلون مصنع الإعلام الذي يساعد على رسم صورهم والانطباعات التي تتشكل عند المتلقي، بحيث صارت صناعة البطل تندرج تحت مدارس مختلفة تتوافق مع طبيعة الجمهور الذي يسوق له البطل، وتختلف الأساليب وتتعقد عمليات الترويج للبطل بحسب تعقيدات المجتمع، ولكن لم تتوقف هذه الصناعة يوماً ولا يبدو أنها ستتوقف في المستقبل.

 
في منطقتنا العربية تبدو صورة البطل ضبابية، حيث لم يظهر بطل على امتداد الوطن العربي منذ فترة غير قصيرة، وإن ظهر بعض الأشخاص الذين استطاعوا تقمص البطولة، ولكن جاءت الأيام لتكشف الأمور الخافية عن العموم، مما يفقد البطل صورته الوهاجة، ونعود إلى المربع الأول نبحث عن بطل يشبع رغبتنا ويلهم خيالنا.
 
ربما كانت فترة الستينات من القرن الماضي فرصة تاريخية لظهور صور مختلفة من الأبطال، فالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كان واحداً من الأبطال في المخيال الشعبي، والثوري جيفارا كان ملهماً للملايين على امتداد الجغرافيا العالمية، ولا ننسى الرئيس الأميركي كينيدي ومارتن لوثر كينج ومالكوم إكس، والرئيس الفرنسي ديغول، بحيث ألهمت هذه الشخصيات جيلاً كبيراً من الشباب، الذين حلموا بالتغيير وبحياة أفضل.
 
إلا أن تحويل الأبطال إلى سلعة، كصورة توضع على قميص أو كتاب يباع في الأسواق، غير مفهوم البطولة وحولها إلى خانة النجومية القابلة للتسويق والتربح منها، فتحول الأبطال تدريجياً إلى نجوم، وصارت البطولة أقل إلهاماً والنجوم أكثر إدراراً للمال.
 
في منطقتنا العربية المليئة بالأساطير والخرافات التي نحب أن نصدقها، ظلت البطولة ساذجة وبقيت صناعة البطل بحدودها البسيطة، بحيث لا شرط بين البطولة وتحقيق الإنجاز، بل يطربنا الكلام الذي يؤجج المشاعر، وكلما كان الشخص خطيباً مفوهاً كلما استطاع التسرب عبر آذاننا إلى مشاعرنا ليصير بطلاً، وإن لم يحقق أي إنجاز على أرض الواقع، ونستطيع بعفوية غرائبية أن نحول أخطاءه وخطاياه إلى حكمة مضمرة لا يدرك كنهها إلا هو والخالق، وتتحول خساراته إلى انتصارات وفتوحات لم نكن لنحققها لولاه، ويصير كلامه عن محاربة العدو وتحرير الأرض من المستعمرين أهم من تحقيق التحرير فعلاً.
 
من يلهم شبابنا اليوم، ومن يمثل لهم القدوة التي يرغبون السير على خطاه، لماذا يتحول مدعو الفن إلى مثال ترنو له عيون الشباب، أو يصبح مليونيراً شاباً لم نسأله من أين لك ذلك هو رمز الجيل الجديد، أو حتى إرهابي كابن لادن والظواهري حلم أطفالنا، من كسر الأبطال وهزمهم وقطع أرجلهم وحرم الجيل الجديد من أبطال حقيقيين، هل كانت أخطاء الدولة التي لم تستطع أن تلد بطلاً شعبياً أو أكثر، أم أننا لم نعد قادرين على ولادة أبطال حقيقيين؟
 
هزيمة البطل وخسارة البطولة في أي مجتمع تشكل خللاً غير محمود العواقب، فالبطل ليس مجرد شخص ينتصر في معاركه ولكنه منظومة أخلاقية تمشي على قدمين، وفي غياب هذا البطل تبدو كل القيم متساوية، خصوصاً في توسع المفهوم المادي لهذه القيم، فيصير امتلاك منزل أو سيارة أو رصيد (محترم) في البنك من أهم المنجزات الفردية والتي يقاس النجاح بها، دون السؤال عن الطريق التي سلكها الشخص للوصول إلى هذه النقطة، وهو أمر يتجاوز الذرائعية البشعة (الغاية تبرر الوسيلة) إلى (للوصول إلى الغاية لا تسأل عن الوسيلة)، وبالتالي لا يصبح الشخص مضطراً لتبرير وسائل الوصول إلى غاياته القصوى.
 
إذا أردنا إعادة بناء الأردن بصورة حقيقية بحيث يصبح قادراً على التحرك إلى الأمام بقيمه الأخلاقية وإنجازاته الحقيقية لا بد أن نلد أبطالاً حقيقيين يحملون قيماً أخلاقية عليا، أبطال يلهمون الجيل الشاب ويصيرون قدوة له، بهؤلاء الأبطال يمكن أن نحارب الإرهاب والفساد والتراجع الأخلاقي والقيمي في المجتمع، لأنهم سيكونون قادرين على إعطاء صورة عن الأردن الذي نريد، وكلما تأخر البطل في الظهور كانت الخسارة أكبر، لأننا سنبقى شعباً بلا أحلام كبرى أو قيم كبرى، نبحث عن خلاصنا الفردي والمادي فقط.