Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Apr-2017

الطالب.. محور العملية التعليمية - د. عيسى سويدان
 
الراي - إذا كان الوعي هو معرفة وفهم والتحدث بآخر ما توصل إليه علماء العالم وباحثيه من معارف ونظريات جديدة، فإن تطبيق هذه المعارف والنظريات الجديدة هو ذروة الوعي.
 
أكثر الظواهر حزنا في أجواء البحث العلمي في الجامعات الأردنية وفي مئات الجامعات في العالم الثالث هو بذل الجهود الجبارة وعمل بحوث قيمة عظيمة في منتهى الإبداع للعديد من الباحثين العلماء في هذه الجامعات من حملة شهادات الدكتوراه، وعدم تطبيق أي منها في المجتمع. وشهادة الدكتوراه هي شهادة في الكتابة، من أجل أن يكتب صاحبها. إذن، جهود جبارة دون طائل؛ مبالغ كبيرة تنفقها الجامعات وجهود جبارة تبذل، ولا يستفيد أحد، إلا قل الباحثون يستمتعون بنشوة التفكير والكتابة وممارسة العبقرية ونشرها، وما من قرّاء.
 
لكن، الآن، هذا الوزير، الدكتور عمر الرزاز، ولأول مرة أعرفها، يتبنى، ويبدو أنه مستعد لخوض معركة التطبيق، مشروع تغيير الأسلوب التقليدي القديم في تدريس طلبة وزارة التربية والتعليم، أي أطفالنا، ليس فقط أكبادنا، بل مستقبلنا وأكثر من ذلك مستقبلهم، إلى الأسلوب الذي يجعل الطالب محور عملية تعليمة من خلال مهارات حديثة يتعلمها المدرس ويطبقها. وهذه طرق مبرهنة في العالم على أنها تخرّج طلابا يفكرون ويقرأون ويبحثون حسب أفضل طرق البحث الحديثة، ويتحدثون معرفة. فمن الواضح جدا أن معالي الوزير ليس فقط أكاديمياً وباحثاً، بل يغار على مصلحة أبنائنا والوطن، والأجمل أنه مصمم على تطبيق هذا التغيير.
 
في العديد من الدول في العالم الثالث، إن لم يكن كلها، مازال المدرسون يدرسون على اعتبار أن المسؤولية في غرفة الصف تقع على عاتقهم، فيبذل المدرس أقصى ما لديه وينصهر ويضيع صوته في الشرح والتحليل للطلبة ليعلّم ويبرهن براعته ويستمتع بسماع صوته، وفي النهاية، النتيجة نفسها، يحصل الطلبة الذين حفظوا غيبا المنهج على أعلى العلامات ويذهبون للجامعات، وبعد أشهر ينسون ما حفظوه.
 
خريجو جامعات العالم الثالث يعملون وينجحون في حياتهم، لكن خريجي أمريكا بالذات يختلفون لأنهم في الجامعات الأمريكية يتعلمون كيف يفكرون ويبحثون من أجل الخلق والإبداع، وذلك لتطوير وتحسين كل شيء من أجل حياة أفضل وأسعد على الأرض.
 
أحد الأسباب أن فترة السبعينيات كانت ذهبية أن معظم مدرسي الجامعة الأردنية كانوا خريجي أمريكا، مسألة تفتقد منذ زمن. الفرق بين دكتوراه من أمريكا وأخرى من بلد غيرها واضح. صعقت يوما عندما تفاخر لي بتعالي دكتور زميل في الجامعة تخرج من دولة أوروبية أنه اشتغل ثلاث سنوات طويلة على الرسالة فقط. فاستغربت وقلت، «يا لطيف، فرضواعلي 98 ساعة دكتوراه في 33 مساقاً في الآداب والعلوم الأخرى، غير رسالة الدكتوراه.» فقال بفخر، «أبدا، تركيز، تمحيص، ولا حتى مساق واحد، ثلاث سنوات في العمل على رسالة الدكتوراه فقط.» أغلقت فمي. كنت اشتغلت على رسالة الدكتوراه خلال الثلاث سنوات، بالإضافة إلى دراسة متعمقة ل 33 مساقاً وفي كل مساق كتبنا ثلاث أوراق في 5، 10، و25 صفحة، حتى أضحت الكتابة مثل الحديث على فنجان قهوة عربية مغلية. زميل آخر أحضر دكتوراه من دولة عربية في 11 شهراً بين توديعه لي لتلك الدولة ورجوعه حاملا الشهادة.
 
أن تتحول المحورية للطالب بدلا من المعلم ليست خدعة صينية قديمة ولا هي بدعة حديثة فقد بدأت في السبعينيات في فرنسا كنظرية لتعليم اللغة. أن يصبح الطالب هو المحور يعني أن يأخذ الطالب نفسه المسؤولية كلها عن تعليمه، وهذا يرتبط عضويا مع نظرية التفكير الحرج؛ أن يقوم الطالب بالتحضير والقراءة والكتابة في عمليات البحث والتحليل والاستنتاج وأن تصبح الحصة حلقة نقاش وعصفاً ذهنياً وتفاعلاً بين كل طالب في الغرفة بتحليل علمي يعتمد المنطق، وقد عرّف لنا المنطق الدكتور أحمد ماضي حين قال، «كلما اقترب الشيء من الواقع، كلما اقترب من المنطق.»
 
حسب هذا المنهج يصبح دور المعلم إشرافياً وتنسيقي فقط، يدير دفة الحوار والتحليل والتفاعل، يزود مجموعات الطلبة بتمارين ووظائف صغيرة مدروسة وعليهم العمل والإنجاز وثم شرح انجازاتهم، فهو مشرف أو منسق. وهذا المنهج يقلل كثيرا من تحدث المعلم ليصبح المتحدثون الطلبة. وبالطبع يجب أن يدرس المعلم في دورات نظريات وأساليب ومهارات هذا المنهج في التدريس. عندما يأخذ الطالب مسؤولية تعليمه تصبح النتائج مذهلة، وذلك عن تجارب عالمية وشخصية.
 
عندما يأخذ الطالب مسؤولية تعليمه يصبح مالكا ومسؤولا عن أفعاله وينضج أكاديميا فلا يتغيب بل ويتفاعل بجدية مع الطلبة الآخرين في الصف والمختبر والاجتماعات والاحتفالات، ينهي واجباته البيتية بنفسه. كذلك يتجنب إعطاء أعذار عن أي تقصير أو تغيب وذلك لأنه يدرك أنه هو المسؤول الأول عن تعليمه. يصبح تفاعله وتواصله مع الطلبة اخرين خارج غرفة الصف أكثر فعالية، ويسأل المساعدة عندما يحتاجها، ويتصرف بتحضر واحتراف وبمسؤولية مع زملائه ومدرسيه ومن ثم في بيته وحارته وفي الملاعب والقاعات المختلفة. يحترم أفكار الآخرين ويتجاوز اية اختلافات من أي نوع.
 
عندما يصبح الطالب مالكا لعملية تعليمه يصبح لديه خطة يتبعها أولا بأول طوال سنواته في المدرسة وحتى يتخرج، وبعدها تصبح المهارات التي تعلمها خلال هذا المنهج جزءا لا يتجزأ من نفسه وشخصيته وأحد أهم محتويات وعيه وتظل معه خلال تعليمه الجامعي وحياته العملية والخاصة. منهج امتلاك الطالب لعملية تعليمه يعلمه ليس فقط الإبداع والنجاح الأكاديمي، بل يتعلم فيه كيف يصبح مواطنا جيدا مسؤولا، وكيف يتجنب الجرائم والمشاكل، وكيف ينتظم بدوره في ممارسات الحياة خارج المدرسة، وكيف يضع القمامة في سلال وبراميل المهملات، ويرجع الأوعية إلى أماكنها في المطاعم.
 
من هنا تأتي الأهمية البالغة لإنشاء المركز الوطني للمناهج في الأردن الذي تحدث عنه الدكتور عمر الرزاز. والتركيز به على مجموعة محاور أهمها المعلم، «... تدريبه وتأهيله، ورفع إمكانيته.» ذلك أن المعلم يحتاج للتسلح بمعرفة وتطبيق أساليب ونظريات جعل الطالب محور تعليم الطالب. إذا طبق هذا النظام التعليمي سيلاحظ الناس بعد بضع سنوات تغييرا إيجابيا هاما في بيوتهم وفي الحارات وفي الدوائر الحكومية والخاصة وفي المجتمع في أي مكان، فلا يقاس التعليم بحمل الشهادات، بل بدرجة وعي الناس، انتاجيتهم وخدمتهم لمجتمعهم، وتعاملهم وحبهم لبعضهم البعض.
 
insweidan@gmail.com