Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Oct-2019

السلطة بين شفرتي مقص المقاصّة*عريب الرنتاوي

 الدستور-أحاطت السلطة الفلسطينية قرارها بالامتناع عن تسلّم «أموال المقاصّة المنقوصة» من إسرائيل في شباط/فبراير الفائت بكثير من «الرطانة» الثورية، وتبارى القوم في نسبة هذا الموقف الجلل إلى نفسه، تحفزهم أرقام استطلاعات الرأي العام الفلسطيني، الذي دعمت غالبيته قرار السلطة وموقفها، سيما وأن قرار إسرائيل حسم رواتب الأسرى والأسيرات في سجونها، مسّ عصباً حساساّ عن غالبية الفلسطينيين، وضربهم في عمق كبريائهم الوطني.

السلطة على ما يبدو، كانت تراهن على أن الأمر لن يطول كثيراً، فإسرائيل كانت مقبلة على انتخابات بعد شهرين، والحكومة ستُشَكل في غضون شهرين آخرين، وبعدها ستجد معضلة «المقاصة» طريقها إلى الحل، لأن إسرائيل لن تسمح بانهيار السلطة في نهاية المطاف، وأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن تتأخر طويلاً عن معالجة المسألة.
لكن حسابات حقل السلطة لم تتطابق مع حسابات بيدرها ... فإسرائيل ذهبت إلى انتخابات مبكرة ثانية في أيلول الفائت، والحكومة الإسرائيلية الجديدة ما زالت في علم الغيب، وسيناريو «الانتخابات المبكرة الثالثة» ما زال ماثلاً، وقد لا تخرج إسرائيل وأحزابها، من مناخات الحملات الانتخابية وحساباتها لأشهر عديدة قادمة... هنا، بدا أن «التمنع» لن يجدي نفعاً، وأن قدرة السلطة على الاستمرار في «الحرد» محدودة للغاية، وأنها خسرت معركة «عض الأصابع» قبل أن تبدأ جدياً.
ثم أن السلطة ربما تكون اكتشفت بالطريقة الصعبة، أن مكانتها في حسابات نظرية الأمن الإسرائيلي أقل بكثير مما كانت تتوقع وتقدر، وأن المسؤول السياسي الإسرائيلي حين يتعين عليه الاختيار بين مستقبله ومستقبل حزبه السياسي من جهة وبقاء السلطة أو انهيارها من جهة ثانية، ربما لا يتردد في الانحياز لمستقبله ومصالحه، حتى وإن ذهبت السلطة إلى الجحيم ... يبدو أن ورقة «التنسيق الأمني» على أهميتها، لا تعادل في قيمتها، عودة الليكود بزعامة نتنياهو، لتشكيل ائتلاف وحكومة جديدين في إسرائيل.
صحيح أن إسرائيل عمدت إلى إيداع «أموال المقاصّة المنقوصة» في حسابات السلطة في بنوك فلسطين، عملاً بتكتيكاتها في التعامل مع الأسرى المضربين عن الطعام، حين تعمد لترك وجباتهم أمام زنازينهم علّ رائحة الطعام وصورته، تكسر إرادة الأسير وتثنيه عن استخدام سلاح «الأمعاء الخاوية» ... لكن ثبت أن قدرة الأسرى المضربين على الصمود، أعلى بكثير من قدرة السلطة على الممانعة والتمنع، إذ ما أن حل شهر آب/ أغسطس، حتى بدأت محاولات النزول «تسللاً» عن قرارات شباط/فبراير.
بدأت القصة بعرض إسرائيلي يعفي السلطة من رسوم إضافية يتقاضها الاحتلال على المحروقات الموزعة والمستهلكة في الضفة الغربية، وبما يوفر للسلطة 200 مليون شيكل سنوياً (قرابة الستين مليون دولار)، قبلت السلطة بالطعم، قبل أن تشرع في تدشين اتصالات مع وزير مالية الاحتلال، سراً ومن وراء ستار، من أجل البحث في حلحلة عقدة «المقاصة»، وهذا ما توّج يوم الخميس الماضي بلقاء موشيه كحلون بحسين الشيخ، والذي انتهى باتفاق على استئناف توريد الأموال مخصوماً منها، ما يعادل رواتب الأسرى والمعتقلين، والبالغ تقريباً حوالي 139 مليون دولار سنوياً ... أمس الأحد، كانت السلطة على موعد من أول دفعة من الأموال المتراكمة، لتعود الأمور إلى ما كانت عليه، بل وأسوأ كثيراً، إن أخذنا بنظر الاعتبار قيمة الأموال المخصومة، المادية والمعنوية.
هُزمت السلطة في أول معاركها للفكاك من قيود أوسلو وباريس ... ومن المؤكد أن هذا الموقف سينعكس وبالاً عليها وتآكلاً في صدقيتها وتراجعاً لما تبقى من «شرعيتها» ... صحيح أن وضع السلطة حرج للغاية، وأن العرب لم يفوا بالتزاماتهم نحوها، وأن أغنياءهم امتنعوا حتى عن تقديم «قروض ميسرة» لها لكي تخرج من بين شفرتي «مقص المقاصة» ... لكن كل ذلك كان يتعين أن يكون وارداً في الحسبان، عند اتخاذ القرار، وقبل الإغراق في إطلاق سيل الوعود والتعهدات والعبارات الإنشائية الفضفاضة.
في معركة رواتب الأسرى و»المقاصة»، اقترفت القيادة الفلسطينية ثلاثة أخطاء متتالية: اولاً؛ لأنها اتخذت القرار من دون حساب وتشاور... وثانياً؛ لأنها لم تبحث عن استراتيجيات بديلة بعد اتخاذه ... وثالثا؛ لأنها تراجعت عنه بذات الطريقة: من دون حساب ولا تشاور...وهي ستقترف خطأً رابعاً، إن ظلت تتحدث عن استئناف عمل لجان باريس المشتركة، بوصفها انتصاراً مظفّراً جرى انتزاعه من براثن نتنياهو - كحلون.  
أما اليوم، وقد «وقع الفأس في الرأس»، فإن على السلطة التفكير بأمرين اثنين، من بين أمور أخرى عديدة، يحظيان بأولوية ضاغطة: الأول؛ المضي في دفع رواتب الأسرى والموقوفين مهما كان الثمن... والثاني؛ وضع استراتيجية لاستعادة ثقة شعبها بها ... لقد صدق حدس المواطن الفلسطيني الذي نظر لقرار تعليق العمل بالاتفاقات المبرمة بوصفه مناورة وليس موقفاً مبدئياً ثابتاً ... واليوم سيتأكد له صدق حسه، وهو يرى السلطة تتراجع عن مواقفها قبل أن يجف حبرها، وتكسر عصاتها في أول غزواتها.