Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Sep-2017

عن الدولة والصخب والنخب والمعارضة - رومان حداد
 
الراي - من يتحمل ما وصلنا إليه من تردِ للوضع الاقتصادي؟ من السهل جداً القول أن من يتحمل ذلك هو الحكومات المتعاقبة، ولا علاقة لنا نحن الشعب بما حصل، ومن السهل الذهاب إلى أن النهج (النيولبرالي) الذي انتهجه الاقتصاد الأردني هو المسؤول عما لحق بالاقتصاد من أضرار، وكعادتنا فالشماعات التي نعلق عليها المشاكل والعيوب باتت جاهزة ومريحة، ونحن بصورة طبيعية مجرد ضحايا نحتاج لمن يتعاطف معنا.
 
بالتأكيد أن الحكومات المتعاقبة تتحمل المسؤولية وذلك بصفتها صاحبة الولاية العامة، وصحيح أيضاً أن التشوه في البنية الاقتصادية الأردنية مسؤولة عن الحالة المأزومة التي وصلنا لها اقتصادياً، ولكن ليس بسبب تبني المنهج النيولبرالي كما يرى البعض بل بسبب أن الاقتصاد الأردني بلا منهج واضح، فهو كشكول من المدارس والمناهج الاقتصادية، ولكن لا بد أن يعترف من يصنفون أنفسهم كمعارضين أنهم يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية خلال العام الحالي، حيث ارتفع الخطاب الشعبوي والشعارات الرنانة.
 
لا بد من أن تكون الجهات صاحبة القرار قادرة على التفكير بصورة خلاقة في الموضوع الاقتصادي للخروج من الأزمة من دون خسائر تلحق بالطبقة الوسطى، وذلك لأن الإضرار بهذه الطبقة سيؤدي إلى عطبها بصورة تحرم الدولة مستقبلاً من إمكانية الاستناد على هذه الطبقة في التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اللازمة عند مفترقات الطرق أو الزوايا الحادة. ولكن علينا ملاحظة حالة غير صحية ولا تساعد في تطوير تصور اقتصادي يشترك فيه مختلف الأطياف الأردنية، فخلال الفترة الماضية تبنت مجموعة من الشخصيات التي تحب أن توصف بالمعارضة خطاباً صاخباً يذكرنا بنوعية الخطاب التي كانت سائدة قبل ست سنوات تقريباً، ورغم ارتفاع سقف الخطاب لهذه الشخصيات المعارضة إلا أنها ظهرت عاجزة أمام أكثر من منعطف داخلي فلم تعد هذه المعارضة قادرة على القيام بدورها المطلوب منها وطنياً، فتحولت المعارضة إلى مجرد حركة اعتراض والمعارضون إلى مجموعة من (الرافضين). مع ملاحظة خلل بنوي أصاب الحالة السياسية الأردنية، فالنخبة السياسية الأردنية المحدثة فقد نشأت في الظل والرطوبة كنباتات متسلقة وتتغذى على ما سبقها من حالة سياسية ناضجة، ولم يتم استنباتها في أرض خصبة وتحت أشعة الشمس والضوء، فصار ظلام النشأة وصدفة الوصول من قوانين اللعبة السياسية، مما غير المعطيات والنتائج، وتحول كل مسؤول إلى مركز نفوذ قادر في لحظة مغادرته الموقع العام على التحول إلى واحد من قوى الاعتراض و(الحركشة)، عبر ما سمي اصطلاحاً بالصالونات السياسية، وتكوين شلّة من الشلل السياسية، أساسها التحلق حول شخصية سياسية والترويج لها والتهجم على كل شخصية غيرها، دون طروحات حقيقية أو نماذج للحل قابلة للتطبيق، وهو ما أضعف دور النخبة السياسية فصارت الخيارات محدودة والتنويعات ضيقة. وعلى هذه النخب عدم الاتكاء على مصطلحي الإصلاح ومحاربة الفساد، وهما المصطلحان اللذان يتكرران بصورة كبيرة لدى من يسمون أنفسهم بـ(الحراكات الشعبية) أو يتخذون صفة المعارضين، لدرجة اعتقد معظمهم، لضحالة رؤيته السياسية، أن هذين الشعارين كافيان كي يظهرا كبرنامج سياسي، لعدم علمهم أساساً بمفهوم البرنامج السياسي، وعدم إدراكهم للشروط الأساسية والضرورية لوضعه وتبنيه، وهي الشروط التي تفتقدها هذه (الحراكات) أو المعارضات، ولكن من الطريف أو العجيب أن من يدعون أنهم سياسيين، ويطرحون أنفسهم كقيادات شعبية للمرحلة القادمة، قد وقعوا في ذات الخطأ معتقدين أن رفع شعار محاربة الفساد والإصلاح كافٍ كبرنامج سياسي، مما يؤشر أيضاً على ضحالة مستواهم الفكري والنظري والعملي أيضاً. فالوصول إلى درجة عميقة من فهم وإدراك لمفهوم الإصلاح يتطلب حدوث الإصلاح الاجتماعي القائم على إيمان المجتمع أو معظمه الأعم بمفهوم الصالح العام والمصلحة العليا، ليس بصفتها مجموع المصالح الشخصية، وتغليبها على الصالح الخاص والمصلحة الخاصة، وهنا يصبح المجتمع إصلاحياً، أي قادراً على اجتراح الخطوات الإصلاحية الضرورية له لتجاوز منعطفاته وتأزيماته، كلما أحس بضرورة ذلك، فيصبح الإصلاح وسيلة دفاع المجتمع تجاه ما يهدده من (عطب أو خراب) سياسياً واقتصادياً وقبل ذلك اجتماعياً. وعلى المسار الآخر يجب أن تقوم الدولة بإجراء مراجعات شاملة لمعرفة الأسباب التي قادتنا إلى هذه المرحلة، من دون خداع للنفس، وأهمية إجراء مثل هذه المراجعة خلف أبواب مغلقة في إدراك من يقومون بالمراجعة لأهمية عملهم وتأثيره على الواقع، ولا يجوز التلكؤ بإجراء المراجعات الضرورية بحجة الظرف الراهن وما يتطلبه من فعل آني لا استراتيجي مستقبلي، فالمراجعات التي ستقوم بها الدولة هي التي ستقدم الطريق الحقيقي للخروج من الحالة الراهنة، فالحلول الآنية تقوم بعمل المسكنات الضرورية لإخفاء الألم إلا أنها لا تزيل أسبابه، فيما ما تقدمه المراجعات من حلول استراتيجية يقدم (الدواء) الذي يزيل سبب الألم والمرض مستغلاً مرحلة الهدوء بفعل (المسكنات). إذا ما تمت المراجعات بصورة صحيحة يجب أن تضع الدولة حلولاً لأربعة عناوين عريضة كانت هي المداخل الحقيقية لحالة التأزيم والاستنزاف، وهي إيجاد آلية لإحلال مفهومي العدالة والمساواة بدل مفهوم الأقل حظاً، وإيجاد آليات حقيقية لإنتاج السياسيين الحقيقيين بعد أن تراجع السياسيون ودورهم في المرحلة الماضية لمصلحة رأس المال ورجال الأعمال، كما يجب على هذه المراجعات الانتصار لمفهوم (الرجل الثاني) ودوره الحقيقي، فبمقدار ما نستعيد هذا الدور في مؤسساتنا الوطنية بمقدار ما نضمن أن واحدة من أهم العقبات قد أنشئت في مواجهة الفساد، والأهم أنها عقبة تؤسس لحالة منهجية وليس مجرد حالة فزعة، وأخيراً وضع أسس صحيحة للقيام بإصلاح اجتماعي يشكل الأرضية الحقيقية لأية عملية إصلاح مستدامة، وحتى يتحقق ذلك لا بد من إعادة إحياء الطبقة الوسطى، والمقصود هنا إحياء قيمها وثقافتها وليس مجرد حضورها المالي والاقتصادي.