Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2019

وصفي التل.. سيرة ومسيرة*د. كميل موسى فرام

 الراي

يمثل الثامن والعشرون من تشرين الثاني لكل عام، عيدا وطنيا على مستوى الدولة الأردنية، وهو ذكرى استشهاد دولة الرئيس وصفي التل، رجل بحجم دولة، نذر نفسه لرخاء الوطن والحفاظ على استقلاله وسلامة جبهته الداخلية، اغتالته يد الغدر وهو المفاوض العنيد، صاحب الفكر الذي أسس لبناء الدولة المدنية الحديثة بديمقراطية حقيقية، سيرته تبعث على الفخر وتشحن رصيد الأمل والهمة والتفاؤل، شبل حوراني جسّد القدوة بتصرفاته وأفعاله التي نُقشت فقراتها بدستور العظماء، فزرع قيم الوطنية والانتماء، قفز عن حواجز الأنانية والاقليمية، فصعب مهمة من أتى بعده بنفس المركز لمقارنة غير منصفة؛ شخصية أو انتاجية.
 
استلم رئاسة الوزراء عدة مرات بظروف الدولة الأردنية عبر مراحل متطلباتها، ليستشهد وهو على رأس عمله بمؤامرة محكمة نفذها الحاقدون من دول الجوار، ذهب بمهمته ليدافع عن ثرى الأردن وهو يدرك حجم الخطر والتحديات التي تعصف بحياته، لكنه آثر التضحية دفاعا عن الوطن لأنه يجسد الثائر المثالي والمدرسة النموذجية في الانتماء بالعلامة الكاملة.
 
كنت صغيرا عندما تناهى لمسامعي بوجود دمعة على خد والدي رحمه الله، بسبب رصاصة غادرة جبانة كمطلقها، اخترقت القلب لوصفي التل، وصفي الأردن، فأنهت حياته لتنهي فصلا مميزا من إنجازات الدولة الأردنية الحديثة، تضمنت سيرته ومسيرته عناوين لدروس الشجاعة والتضحية منذ مقاعد الدراسة المدرسية حتى يومنا الحاضر ونحن بمرتبة الأستاذية في الجامعات، نسير على هداه وخطواته برعاية هاشمية ملهمة، لأنه القاسم المشترك بين فئات الشعب، فقد ترك ورثا يستخدم رصيده ببناء حاضرنا.
 
لم تتقاطع مواقفه الوطنية مع القومية، لم يهادن بحلول الترطيب المسكنة، واقع أغضب أصحاب الدعوات للوحدة العربية بطريقة استعمارية مفصلة، اختلطت لديهم المفاهيم، مزجوا بين المعطيات والأبجديات بخلاط الغدر القاتل بعد جفاف أخلاقهم، فقرروا كتابة فصل يغاير فصول التاريخ الحديث الذي يكتبه أصحاب المنجزات والمنتصرون، فوهموا وتوهموا بقدرتهم على قتل شعب متمثل بشخص عشق تراب الأردن وأقسم بالاخلاص له والذود عن حماه بشرف وإباء، لم يسمح بتسلل الخوف أو الأنانية لمبادئه، آمن بالوطن كهوية ومصير، حارب على جميع الجبهات متصدرا المعركة جنديا شجاعا وبعيدا عن حسابات جبانة لا يمكن القبول بمحتوياتها، لم يساوم أو يقبل بالحلول المجتزرة، لأنه رضع الأردنية والوطنية، بقناعة هيبة الدولة واحترام مؤسساتها كشعار للعمل، استطاع خلق أجيال تؤمن وتحافظ على مبادئه ومدرسته، ويقيني أننا اليوم بأمس الحاجة لمن يكمل المسيرة بنفس النهج.
 
نقش بذمة التاريخ عدالته المتناهية، تواضعه المستحق، الحزم والشدة لظروفها، قربه من جميع طبقات المجتمع بمسافة واحدة، خصائص أدخلته قلوبنا بمحبة وعفوية، نعمل بما نصح لقناعة على أرض الواقع، وهو الجندي الشجاع المحترف، يعشق رفاق السلاح، يؤمن بالمقاومة الشريفة وحرابها نحو العدو، يراهن بنجاح دولة المؤسسات والقانون، يحترم العرف العشائري الايجابي، رديفا وصمام أمان لاستقرار الوطن وصون منجزاته، لم يتكبر عن الشعب، ولم يغلق الباب، لم يطلق الشعارات التي تدغدغ العواطف وتصهر الأحلام، صاغيا للهموم ومعالجا للألم، وربما هذا من سحر محبتنا لانجازاته ومقارنتها بحاضرنا، نرثيه ونبكيه بدموع لم تجف ونستلهم من عطائه العبر والدروس بحيرة لسؤال متجدد: هل هناك أمل بولادة وصفي ثان؟ حتى الساعة لا يوجد ولكن الأمل موجود وللحديث بقية.