Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Dec-2019

معادلة الانتفاضات العربية..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

بلداً بعد بلدٍ، يخرج المواطنون العرب إلى الشوارع –حتى في أقل الأماكن احتمالاً للثورة- للتنفيس أخيراً عن عقود من الضيق المتراكم. ثمة فساد النُّخب الحاكمة، وتضييق الأنظمة على الحريّات، والتحكُّم في المصائر، واللامساواة في المواطنة والحقوق، والتخلُّف عن ركب الأمم والخضوع لقدر التبعية والهزيمة. وثمة البطالة، والضرائب، وانخفاض الأجور، وارتفاع كلف المعيشة. وقائمة المظالم تطول. وإذا كان بالوسع اختصار مجموع ذلك في عاطفة واحدة جامعة، فهي: شعور ضاغط قاهر لدى الناس بالعوز إلى الكرامة.
من المؤكد أن الدول العربية تتفاوت في المعروض من عناصر الكرامة. بعضها تعوّض بالرفاه المادي نقصَ الحرية، وبعضها لا مال ولا ديمقراطية. وكلها تحبس مواطنيها في قفص التبعية وتعطيل الطاقات. وعندما بدأت الانتفاضات أولاً من تونس البوعزيزي، لم تفكر أي قيادة عربية جدياً أن الثورة ستجتاز حدودها. ويغلب أن يكون كل نظام مقتنعاً كما هو الحال دائماً –برغم كل المتناقضات- بأنه يحكم بطريقة تجاور الكمال. وبأنه الوجود الضروري لكل وجود. لكنّ الأمر لم يكن محتاجاً إلى تهريب الثورة من تحت سياجات الحدود، لأن الهواء الذي يغلف الوطن العربي ويمتلئ بما يضيّق الصدر واحد تقريباً.
ربما كان هذا الميل لدى السلطات إلى الإيمان غير المستنطق بالعصمة الإلهية والأحقية هو الذي جعل الناجين مؤقتاً لا يبحثون عن سُبل للتغيير إلى حدٍّ يفكك الأزمة ويخفف الاحتقان. أو، أن تغييراً من هذا النوع هو شيء ليس في مستطاع تكوينات تأسست وازدهرت على أسس لا تقبل فكرة التغيير من الأساس. وسوف يعني التغيير تهديم حيطان بيوت السلطة الداخلية، وإخراج الناس والأثاث منها إلى الباحات تحت الشمس، وتفقد العفن تحت المكاتب وعلى الرفوف. وبعد ذلك، تبنى الجدران بتقسيم مناسب حديث، ويُفرش المكان بأثاث وأناس جديدين. ومَن هو الذي يريد أن يُعرِّض نفسه للفحص والشمس ويغامر باحتمال البقاء في العراء؟
لم يكُن اعتراض الناس في البلدان العربية على الأشخاص بالضبط، والذين عادة ما يُسمَّون “النظام”. كان الاعتراض على شيء رُبما يسمى “المنظومة”: المنهج وطريقة العمل والأنماط التي تُدار بها الدول. ولذلك، قد يسهل تغيير الأشخاص، باستبدال الحُكام والحكومات، لكن المنظومة نفسها تستمر. ولا يمكن لهذا أن يمُر على مواطنين يعرفون تماماً تقدير الأحوال من تفاصيل معاشهم اليومي، ويقولون: لم يتغير شيء. ولذلك لم تنجح محاولات الإيهام بالتغيير، مثل عرض بعض الحريات أو إقامة انتخابات أو وعودٍ بتحسين الاقتصادات.
لم يطالب المواطنون العرب بمعالجة الأعراض فقط؛ البطالة والغلاء ورداءة الخدمات، وإنما عرَضوا وعياً بالأسباب. طالبوا بالتخلص من الطائفية والمذهبية والمحسوبية والتمييز في المواطنة والنخبوية وتقسيم الأوطان إلى حصص. أصبح الناس يقيمون الصلة بين هذه التصنيفات وبين ضعفهم الجمعي أمام النخب التي تتقاسم الامتيازات بذريعة الفئات على حسابهم وبإبراز اختلافاتهم وتخويفهم بها.
سوف تقرأ السلطات تردد مواطنيها أمام الذهاب إلى الاحتجاجات الكثيفة على أنه وعي متقدم. وتفكر: لقد تعلموا مما حدث عند الجيران الذين حاولوا ودُمرت بلدانهم ولم يخرجوا في النهاية بشيء؛ إنهم يدركون التوازنات المحلية ولن يغامروا بإقلاق التوازنات. لكن التجربة تثبت تباعاً خطأ هذه القراءات. إن المواطنين يتعلمون، وإنما يتعلمون كيف يديرون احتجاجاتهم الخاصة بطرق جديدة تحاول تجنب أخطاء غيرهم. بل إن الناس عندما يفقرون فوق الاحتمال، لا يعودون يفكّرون في الحسابات. ويقول ما يحدث الآن في العراق ولبنان الكثير عن هذا بالتحديد. لن توقف أي مخاطر محتملة يائساً عن بذل المحاولة.
معادلة الانتفاضات العربية الآن، بعد سنوات الخبرة، يلخصها زميل “تشاثام هاوس” جرجس فهمي: “الدعوة إلى التغيير في المنطقة تذهب إلى ما هو أبعد من الديمقراطية الانتخابية وتمتد إلى المطالبة بإجراء إصلاحات اجتماعية-اقتصادية عميقة. ويظهر كل من العراق ولبنان هذا بوضوح: فقد تم بالفعل إجراء انتخابات حرة ونزيهة نسبياً في كلا البلدين، لكنها عملت فقط على تعزيز الأنظمة الطائفية الفاسدة”.
العيش الكريم، إذن، يساوي إتاحة حياة مادية لائقة خالية من القلق المضني، زائد ما يليق من الحريات والمساواة والمشاركة الحقيقية في تقرير المصير. ومن الواضح أن الناس لا يتنازلون عن شقي هذه المعادلة معاً، ويعبرون علناً عن مطلبهم عند نقطة حتمية ما، عندما يتغلب اليأس على الخوف.