Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Feb-2019

يخنقون الغزيين ثم يقلقون

 الغد-هآرتس

 
عميرة هاس
 
8/2/2019
 
أجهزة الأمن قلقة من انهيار جهاز الصحة في القطاع لأن هذا الأمر يصعب على الجيش الإسرائيلي أن يشن هجوما عسكريا كبيرا، في حالة أن المستوى السياسي أمر بذلك. هكذا كتب هذا الأسبوع في خبر لينيف كوفوفيتش عن النقاش في هذا الموضوع الذي جرى في المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية، “الكابينيت”. أي أنه من بين كل الاعتبارات الاخرى هل سنهاجم مرة أخرى الجيب الفلسطيني المحاصر، على المستوى السياسي أن يأخذ في الحسبان الأداء المعطوب جدا لجهاز الصحة الفلسطيني. 
هناك أيضا موضوعان آخران يمكن فهمهما مباشرة من الخبر. أولا، معظم المصابين في المواجهة المتوقعة سيكونون مدنيين، بحيث لن يكون بالامكان انقاذهم في الوقت المناسب وعلاجهم كما يجب؛ ثانيا، المجتمع الدولي (القصد يبدو بالاساس الدول الغربية) سيجد صعوبة في اعطاء الدعم لعملية إسرائيلية اخرى بسبب عدم القدرة على انقاذ المصابين المدنيين.
ما نفهمه من بين السطور هو أن الأجهزة الأمنية والمستوى السياسي، يتنصلون من كل مسؤولية لهم عن الوضع في قطاع غزة بشكل عام وعن وضع الجهاز الصحي الفلسطيني بشكل خاص. بالعكس، مصدر من المستوى السياسي قال إن السلطة الفلسطينية معنية بانهيار جهاز الصحة في القطاع. اجل، لا يجب التقليل من خطورة التداعيات للمنافسة الفصائلية المدمرة عديمة المسؤولية بين حماس وفتح، ولكن التجاهل المطلق لمسؤولية إسرائيل عن الوضع والعلاقة بين التدهور الاقتصادي وسياسة الحصار وفصل القطاع التي تقوم بها إسرائيل منذ 1991، تعزز الشك بأنه رغم كل المعلومات الدقيقة والحديثة الموجودة لديهم فإن المستويات السياسية والامنية لا تنوي تغيير المبدأ الاساسي في سياستها وهو التعامل مع القطاع على أنه كيان منفصل وسوق جذابة.
تدهور الخدمات الصحية في القطاع يرتبط أيضا بوضع الأونروا في اعقاب وقف المساعدات الأميركية لها. كان هذا لشديد السخرية حملة سياسية ضد الاونروا ادارها إسرائيليون كبار طوال سنوات، تحدثت باللغة التي تفهمها ادارة ترامب. ضربة اقتصادية اخرى متوقعة قريبا وستضر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بجهاز الصحة الفلسطيني: إسرائيل قررت خصم ما يعادل المخصصات التي تعطى لعائلات السجناء الفلسطينيين من الضرائب التي تجبيها في الموانئ وتعيدها لوزارة المالية الفلسطينية. 
هذه الضرائب هي نصيب الاسد من مداخيل السلطة الفلسطينية. إن خفضها سيمس بخدمات حيوية. محمود عباس برر التخفيضات التي أمر بها لرواتب ومخصصات سكان القطاع بالعجز في ميزانية السلطة. إن خصم مئات آلاف الشيكلات الاخرى من مداخيل الضرائب سيكون سبب للتقليص في الخدمات الصحية في القطاع. 
نبأ كوفوفيتش يذكر بستة آلاف مصاب بالنار الإسرائيلية الذين ينتظرون اجراء عمليات مستعجلة. لقد سبق وكتب سابقا، أن جهات طبية فلسطينية ودولية مصدومة من شدة الإصابات للمتظاهرين غير المسلحين ومن عددهم الكبير. معلومات وتحذيرات عن خطورة الوضع كانت موجودة كل الوقت. والجميع كانوا يستطيعون معرفتها. “أطباء بلا حدود”، “منظمة الصحة العالمية”، “منظمة “مساعدة طبية للفلسطينيين”، “رابطة اطباء حقوق الإنسان” التي مقرها في تل ابيب، جمعية “غيشاه”، هذا فقط عدد من المنظمات التي تنشر تقارير مقلقة بشكل منتظم. والتي بالتأكيد تصل في الوقت المناسب إلى مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق ومكتب الشباك.
قرار استخدام النار الحية وليس وسائل اخرى غير قاتلة من اجل تفريق المتظاهرين غير المسلحين هو قرار يخص الجيش. التعليمات للجنود باطلاق النار من مسافة قصيرة على الارجل، وبهذا التسبب بجراح خطيرة جدا حتى اعاقة، هي لقادتهم. الطواقم الطبية لدينا انتبهت أن الجراح تشمل تدمير بدرجة كبيرة يلحق بالعظام والانسجة اللينة، وجروح مخرج الرصاصة يمكن أن تصل إلى حجم قبضة اليد. 
كان يمكن انقاذ ارجل عدد من المصابين وحتى حياة مصابين آخرين لو كانوا تمكنوا من الخروج لتلقي العلاج خارج القطاع، ومن الاماكن التي فيها نقص للأدوية ومواد التخدير والتطهير والكهرباء. لكن أمر سياسي بعدم تمكين الخروج ونظام تصاريح معقد جدا خربت هذا الطريق أيضا، التي كان يمكن أن تسهل على غرف العمليات في القطاع. احيانا التباطؤ والتأخير في اعطاء التصاريح يؤدي إلى تدهور الوضع الصحي للمرضى ويزيد العبء على جهاز الصحة في القطاع.
جهاز الأمن (ادارة التنسيق والارتباط التي تخضع لمنسق الأعمال في المناطق) والشاباك هم الذين خلقوا جهازا معقدا لفحص طلبات التصاريح، منها التصاريح للعلاج. حسب معطيات منظمة الصحة العالمية للعام 2018 تم تقديم 25897 طلبا للخروج من اجل العلاج في الضفة الغربية أو في إسرائيل من معبر ايرز. كل هذه الطلبات حصلت على التزامات مالية من السلطة الفلسطينية لتغطية تكلفة العلاج. منسق اعمال الحكومة في المناطق والشباك صادقوا على 61 في المائة من هذه الطلبات، 31 في المائة لم يتم الرد عليها، أو تم الرد بعد وقت طويل، والمرضى لم يتمكنوا من الوصول في الموعد المحدد لهم، و8 في المائة من الطلبات تم رفضها.
بسبب الضائقة الاقتصادية والنفسية المتزايدة في غزة هناك ارتفاع في عدد السكان الذين نجحوا في الحصول على تصاريح خروج إلى الضفة لبضعة أيام وبقوا هناك. على الأغلب هم يجدون مصدر رزق ويساعدون عائلاتهم في القطاع. أجهزة الأمن والمستوى السياسي يصفونهم بـ “مقيمين غير قانونيين” رغم أن اتفاق اوسلو قرر أن القطاع والضفة هما وحدة جغرافية واحدة. في السنتين الاخيرتين يشترط جهاز الأمن الخروج لتلقي العلاج الطبي على اقاربهم في الضفة بعودتهم إلى القطاع. أي أن جهاز الأمن القلق من انهيار جهاز الصحة الفلسطيني هو الذي يصعب عليه من خلال أن يفرض عليه علاج المرضى بوسائل ليست موجودة لديه. ويفرض على الاطباء رؤية المرضى الذين يتدهور وضعهم وهم لا يستطيعون تقديم المساعدة لهم.
“منذ زمن طويل نحن نحذر من أن الخدمات الطبية في القطاع تنهار، ومن الواضح للجميع أن غزة غير قادرة على الصمود في حرب اخرى”، قالوا في “اطباء من اجل حقوق الإنسان”. حتى الآن عندما نتوجه لطلب السماح للمرضى بالخروج تتم الاجابة في حالات كثيرة بأن الطلب مرفوض لأن العلاج قائم في مستشفيات غزة، وأخيرا الآن يعترف جهاز الأمن بالواقع.
“أكثر مما يتحدث به المرضى عن وضعهم الجسدي، هو يتحدثون عن الصعوبة النفسية والاقتصادية للعيش كأسرى في القطاع المحاصر”، قال مدير البعثة صلاح الحاج يحيى للصحيفة. “الأطباء في غزة جيدون ولكن ليس لديهم تصاريح للخروج من اجل استكمال تأهيلهم خارج القطاع وليس لديهم المعدات المطلوبة والكهرباء يتم قطعها ويحصلون على أجر جزئي فقط. هناك اطباء ليس معهم المال للوصول إلى اماكن العمل، وعليهم عبء ليس موجودا في أي مستشفى آخر في العالم. لذلك هم بحاجة إلى المساعدة، لكن هذه المساعدة الكبيرة هي قطرة في مجتمع يعاني من الفقر”.
ليس بالإمكان فصل الصعوبات المالية لجهاز الصحة في القطاع عن معطيات الفقر، وليس بالإمكان فصل معطيات الفقر عن العامل الاساسي الدائم الذي يحدثه: سحب الحق في حرية الحركة من السكان. هكذا تم تدهور النشاط الانتاجي إلى الحد الأدنى في القطاع. هذه السياسة بدأت قبل صعود حماس للسلطة، واشتدت عند الانفصال في 2005 عندما اوقف أيضا عمل آلاف العمال من القطاع في إسرائيل. إن اشفاء جهاز الصحة في القطاع لن يحدث بدون إعادة حرية الحركة للسكان هناك واعادة قدرتهم على كسب رزقهم بكرامة.