Thursday 21st of November 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Aug-2011

إشكالية عتبة الغلاف.. القراءة والتأويل * محمد صابر عبيد

الدستور - طالما أنه لا شيء محايد أو عفوي أو مهمل أو ثانوي أو قليل الأهمية في الكتاب، مهما كان جنسه ونوعه وطبيعته، فإن (الغلاف) الذي يضمّ المحتوى الكتابي للكتاب بين جناحيه، ويعرّف به بصرياً، يمثّل عتبة مهمة لا بدّ من مقاربتها وإخضاعها للقراءة والبحث والتأويل، غير أن ثمة مشكلة ينبغي الالتفات إليها والحرص على تسخيرها للرصد والتأمل، في هذه المقاربة، تتمثّل في أن كلّ العتبات التي خضعت للدراسات النقدية الحديثة (عتبة الغلاف، التصدير، الإهداء، التقديم، وغيرها) تنتمي انتماءً حاسماً إلى فضاء الكاتب ورؤيته وقصديته، وهو ما يتيح للقارئ النظر فيها، واستنطاقها، وتأويلها بحرية وشفافية وحجاج لا تشوبه شائبة، غير أن عتبة الغلاف على هذا المستوى تعاني إشكالية الانتماء والقصدية إلى فضاء الكاتب، إذ غالباً ما تتولّى دار النشر (مع استثناءات قليلة) تصميم الغلاف ووضع لوحته وديكوره وهندسته وخطوطه وإخراجه بشكله النهائي خارج إرادة الكاتب، وبعيداً عن رؤيته في ذلك.

بوسعنا القول إن القضية، هنا، تأخذ مسارات عديدة قدر تعلّق الأمر بتدخّل الكاتب بغلاف كتابه، وإسهامه في وضعه، يمكن إجمالها بالنقاط الآتية:

1 ـ الكاتب هو الذي يضع التصميم، ويسلّمه إلى الدار، كاملاً، وتلتزم به الدار التزاماً كاملاً، وبذلك تكون العتبة هنا منتمية انتماء حاسماً إليه، وتصلح ـ عندئذٍ ـ للقراءة صلاحية تامة، حالها حال العتبات الأخرى، بكل حرية وشفافية وثقة ورحابة، وهذا لا يتمّ ـ بطبيعة الحال ـ إلا حين يكون الكاتب اسماً مهماً وكبيراً، في مجاله، يتيح له التدخّل إلى هذا الحدّ، أو أن الكاتب ينشر الكتاب على نفقته الخاصة، ويكون من حقه التدخّل على هذا النحو.

2 ـ يعتمد الكاتب على مصمم يثق بقدراته على الاستجابة لرؤيته ورؤية كتابه، بعد تفاعل مستمر بينهما (من داخل دار النشر أو خارجها)، حتى يصل التصميم النهائي إلى المستوى المطلوب في منظور الكاتب، ثم يقدّم إلى دار النشر جاهزاً لتنفيذه، وبهذه الدرجة التي تساوي ـ تقريباً ـ الدرجة السابقة في الانتماء والقناعة يمكن توافر الحرية والرحابة والشفافية، أيضاً، في قراءة العتبة، بوصفها تابعة لرؤية الكاتب وفلسفة كتابه.

3 ـ الكاتب ليس هو الذي يقدّم تصميم غلافه إلى الدار لكنه يتدخّل تدخلاً كبيراً في تصميم الغلاف الذي يقوم به مصمم خاص بدار النشر، وهو غالباً ما يكون مصمماً مهنياً ومتخصصاً، وذا خبرة وتجربة تُكسِب عمله حِرَفية عالية في هذا الميدان، ولا يوافق الكاتب على إخراج كتابه إلا بعد أن يقترح ويعدّل ويضيف ويحذف من التصميم النهائي على النحو الذي يلائم رؤيته، وهنا ـ أيضاً ـ يمكن قبول التصرّف القرائي في مقاربة العتبة بمستوى من الحرية والرحابة، ما يوازي المستويين السابقين.

4 ـ الكاتب لا يتدخّل، مطلقاً، في تصميم غلافه، وتتولى دار النشر هذه المهمة عن طريق مصممها الخاص المكلّف بذلك، وهنا ينفصل الكاتب عن تصميم غلاف كتابه، ويغيب غياباً تاماً، حيث تتمظهر رؤية المصمم استناداً إلى مطالعته لمجمل الرؤية، والمقولة التي يحتويها الكتاب، وغالباً ما لا تكون مستوفية للشروط التشكيلية والسيميائية التي يطمح إليها الكاتب، مهما كان المصمم بارعاً، وذا خبرة ودراية وتجربة جمالية في التصميم، على النحو الذي ينبغي فيه التعامل بحذر شديد مع هذه العتبة على أنها عتبة تساوي العتبات الأخرى، في درجة انتمائها إلى رؤية الكاتب ومقولته، وهي تستجيب الاستجابة المطلوبة مع الفضاء التعبيري والتشكيلي والرمزي لمحتوى الكتاب، وأطروحته العلمية والفنية والجمالية والثقافية والفكرية والفلسفية، وإذا ما قرئت فإنها يجب أن تُقرأ بوصفها رؤية تشكيلية عامة، يتحرّى فيها القارئ ملامح التقارب الممكنة بين مضمون الكتابة ومحيط الغلاف، وتكون القراءة مقترحاً جماليا،ً فحسب، لا يتيح فرصاً واسعة وكبيرة وعميقة للتداخل والتعالق والتضافر والتماهي بينهما؛ لأن الكاتب ـ هنا ـ لا علاقة له بتصميم الغلاف أو وضعه أو تعديله، بأي شكل من الأشكال.

وعلى هذا الأساس يكون التعامل مع عتبة الغلاف، بوصفها عتبة تخضع لمعرفة القارئ بمدى صلة الكاتب بها، وعلاقته بتنفيذها، وإلا فإن المجازفة بقراءة تأويلية لهذه العتبة، غُفلاً من هذه المعرفة الضرورية، لا تأتي بنتائج نقدية صحيحة، بل ـ على العكس ـ قد تنتهي إلى نتائج خاطئة تفسد المفاصل الأخرى في القراءة، لأنه قد يُستعان بها في تفسير طبقة أخرى من طبقات النص، حيث تنهض على رؤية غير صحيحة.