Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Apr-2017

حقوق.. - د. لانا مامكغ
 
الراي- حرصت على اصطحابي إلى النّدوات جميعِها التي كانت تحضرُها أو تحاضرُ فيها، فتشرّبتُ، منذ بداية وعيي، ثقافةً موسّعة فيما يتعلّق بحقوق المرأة... وامتلكتُ قاعدة معلوماتٍ متكاملة عن تاريخها في الحضارات القديمة زعيمة وقائدةً وصانعة قرار... ثمّ ضحية لتعسّف الرّجل وقمعِه في عصرنا هذا !
 
لم أكن لأدرك في ذلك العمر الغضّ دوافعَ أمّي وسرَّ شغفها بذلك الموضوع تحديداً، أهو انفصالها عن أبي؟ لكن لم يحدث أن أطلعني أيّ منهما عن سبب الفراق، ولم ألحّ في طرح الأسئلة بدوري، كانت حياتي مستقرّة نسبيّاً، وشغلتُ نفسي بهمّ المرأة وحقوقها لأجدني، بعد حين، طالبة جامعية تدرسُ الحقوق، وتتزعّمُ اتّحادات الطّلبة، وتدعى إلى المناظراتِ والجلساتِ النّقاشية حاميةِ الوطيس لتخرجَ منها شامخةً منتصرةً بعد دفاعاتٍ مؤثّرة قويّة عن المرأة !
 
في خضمّ نشوتي العارمة آنذاك بحضوري وتأثيري؛ أذكرُ أنّ طالباً زميلاً اقتربَ منّي ذات مرّة ليعبّرَ عن إعجابه بشخصيتي، وقالَ أشياء أخرى لا أذكرُها، لكن أذكرُ أنّي حدجته بنظرةِ استهجان دفعته لأن يتقهقرَ مدحوراً... فمضى بعيداً بلا رجعة !
 
تخرّجت لأتفرّغَ للعمل القانوني، ولمعَ اسمي كشخصية حقوقية فذّة؛ فصرتُ أُدعى إلى المؤتمرات النّسائية المحلّية والعربية، وعشتُ سنواتٍ من العمل المتواصل دون أن أسأمَ لحظة من الدّفاع عن المرأة وحقوقِها، ودون أن يفارقني الإحساسُ بالاعتدادِ والتّميّز والزّهو !
 
أفقتُ مؤخّراً بعد أن غادرت أمّي الدّنيا... أفقتُ على حقيقةٍ صارخة مفادها أنّي تقدّمتُ في العمر دون أن أشعر، أفقتُ على أنوثةٍ قمعتها طويلاً وبدأت تؤذنُ بالغياب... صحوتُ على حقيقة مفادها أنّي لن أرى امتدادي على هذه الأرض، لن يتسنّى لي أن أرى أطفالي... لن أرتبط... وأيّ مغامرٍ جسور ذاك الذي كان بوسعه الاقتراب ممّن هي في مثل تكويني؟ ثمّ كيف كنتُ سألتفتُ لأيّ رجل وأنا أجزمُ أنّه سببُ مصائب الأنثى منذ بدء الخليقة !
 
بات يعذّبني العتبُ عليكِ يا أمّي... لماذا حرقتِ تلك المراحلَ من حياتي؟ لماذا لم تتركيني أعيشُ تجربتي الإنسانية مثل الأخريات؟ كان من حقّي أن أجرّبَ فأخطىء حيناً وأصيبَ حيناً آخر، فتُتاح لي فرصة التّعرّف على الإيقاع الحقيقي للحياة، لكنّكِ شئتِ أن تورثيني عقدكِ وأزمتكِ مع الرّجل !
 
أنا على يقين يا أمّي الآن أنّ خبراتي في الحياة ناقصة ومبتورة... ويحزنني الاعتراف لذاتي أنّ نجاحي مجرّدُ فقاعةٍ لامعة ستتلاشى حين أصحو على نفسي وحيدة... وهاأنا أقتربُ من هذا المصير الذي لم أحسب له حساباً...
 
أمّي، سامحكِ الله، جعلتني أنشغل طوالَ عمري بحقوق النّساء، إلى أن وجدتُني قد نسيتُ حقوقي أنا !