الدستور-باسل احد الأصدقاء القدامى، وقد تعلم معنا في جامعة آل البيت ثم درس في المعهد القضائي وغادر لبلده ليعمل قاضياً، ثم عاد مؤخراً ليدرس الدكتوراه في القانون. وحبه للأردن يلح عليه بالقلق من نمو ظاهرة التشدد، وقد ذكرني بالقول: كان التشدد والتعصب الديني مصدره في الأردن بؤرا محددة مطلع التسعينيات، وتحدث هنا عن معان والزرقاء وان التشدد لم يعد حكرا على بعض مناطقها.
فهو يلاحظ اليوم أن التشدد اصبح منتشرا في أوساط البيروقراط الأردنية وفي الجامعات وهو سائد و ممكن على المنابر وفي المدارس، ويستدل الرجل بجملة إشارات من تدمير تماثيل فنية في الجامعة الأردنية، إلى ضرب أمام مسجد في الوحدات إلى عدم قبول شهادة المرأة السافرة، والاخذ بحكم الشيخ القرضاوي في هذا المجال.
ذات الصديق يقول إن النظام في سوريا افضل من مستقبل سوريا مع المتشددين الذين سيغلبون على مصائر سوريا، ويُذكّر بأن مساوئ بشار الأسد ونظامه كثيرة، لكنها لن تبلغ مساوئ قاطعي الرؤوس ومستحلي الدماء.
والحقيقة أن مظاهر التشدد حاضرة وملاحظة ويمكن أن نراها بالشارع، وهناك بيئة إعلامية رقمية تساعد على انتشارها، فدفق الانترنت كبير والتغذية التي تحدث للعقول وتنسخ الضمائر لا يمكن أن تقاوم بالتجاهل، ومن الضرورة احداث توعية حقيقة في هذا المجال، ولا بدّ للدولة أن تتنبه إلى أن الأردن بلد يحمي التعددية ويعتبرها قيمة مضافة، ولا مكان للتشدد والمتشددين فيه كي يغلبوا على مصائر الناس، اما القول بان الوضع تحت السيطرة دائما، فذلك نوع من تجاهل الأزمة.
يسأل صديقنا المشار إليه أعلاه، عما إذا كانت إزالة النصب الموجود على الدوار السابع، نابعة من مخاوف أو مطالب متشددة، ويعرف الجميع أن بلدنا لا يعترف بالانصاب ولا التماثيل ولا يضعها في ساحاته وشوارعه، وللراحل الحسين موقف مشهود في هذا المجال، لكني لا اظن أن إزالة الدوار السابع ونصبه الشهير تقع ضمن هذه المخاوف.
لكن الثابت أن التشدد لا يعرف زمنا، ولا يمكن ربطه أو تقييده، بل إنه يملك القابلية للنمو والانتشار، وتهديد الناس به فيما بعد. وللأسف ثمة من يملكون المنابر، وهناك دفق إعلامي كبير وفضائيات متخصصة ومساجد معروفة تغذي هذا الفكر وتكفر الناس، وثمة شيوخ متطوعون لاصدار الفتاوى. وهذه الجماعات تحمل السيف في وجه مخالفيها وتنسى أن الإسلام بريئ من هذا كله، وان الدين جوهره الخلق الحسن، وأنه بسط ذراعيه على ارجاء المعمورة بالكلمة الحسنة والقدوة.
واليوم هناك من يصادر الإسلام، وهناك من يهدد السلم المجتمعي، وهناك من يخرق القانون باسم الدين، وللأسف نجد التشدد يغزو قاعات الجامعات والمدارس وثمة لغة تكفيرية تنمو بازدياد، والحل الأفضل لمواجهة هذه الموجة، بأن تكون هناك استراتيجية للدولة واضحة لاجل مقاومته.
لقد انفقنا الكثير على جلسات الحوار بين الاديان والتسامح وقبول الآخر، لكن التجارب تؤكد أن التشدد موجود في بعض النفوس، وأن بعض المسلمين فيما بينهم غير قادرين على قبول اختلاف الآخر عنهم، كما انهم يبادلونه مشاعر بعيدة كل البعد عن روح الإسلام السمحة والرحبة.