Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-May-2021

زيت على النار

 الغد-هآرتس

بقلم: نير حسون 9/5/2021
 
الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في القدس افتتح ببشرى إيجابية. في الصباح، في أعقاب ضغوط من مكتب رئيس الحكومة، أعلن عضو الكنيست ايتمار بن غبير عن إخلاء المكتب الذي أقامه أمام بيوت العائلات الفلسطينية التي تقرر إخلاؤها في حي الشيخ جراح في شرقي القدس. بعد ذلك، عشرات الآلاف من المسلمين من أرجاء إسرائيل والضفة أقاموا صلاة الجمعة في الحرم وتفرقوا بهدوء.
التوتر بدأ الشعور به بعد ساعات الظهيرة في المظاهرة الثابتة لإسرائيليين وفلسطينيين في الشيخ جراح، التي تجري منذ 12 سنة بصورة متواصلة. قبل لحظة من المظاهرة اعتقلت الشرطة أحد النشطاء البارزين في الحي وهو صالح ذياب. في المظاهرة نفسها صد رجال الشرطة المتظاهرين بالقوة. ومرة أخرى قاموا بإسقاط وكسر نظارات عضو الكنيست عوفر كسيف، الذي تمت مهاجمته من قبل رجال الشرطة في الحي قبل شهر ايضا. رجال الشرطة أطلقوا قنابل الصوت وأصابوا متظاهرين إسرائيليين.
قبل دقائق على الافطار بدأت مواجهات في البلدة القديمة حول بوابات الحرم. في أحد الأفلام التي نشرت في الشبكات الاجتماعية نشرت صورة لجندي شاب من حرس الحدود وهو يقترب من فلسطينيين مهددا بقنبلة صوت، وبعد ذلك قام برميها بحركة دائرة غير مبالية بين الأرجل. القنبلة انفجرت بين كرسي متحرك لطفلة صغيرة هربت بذعر. هذا كان الإشارة الأولى إلى أن الشرطة قد تلقت تعليمات بالتصرف بشكل صارم مع الفلسطينيين ودون تسامح.
مثلما في كل مساء في الأيام العشرة الأخيرة في شهر رمضان، التي تعتبر الأيام الأكثر قداسة، تجمع يوم الجمعة آلاف الأشخاص من أجل تناول وجبة الإفطار والصلاة في الحرم. ومثلما في الأيام الأخيرة، برز جدا في الحرم حضور عرب الداخل من أم الفحم والناصرة وسخنين. بعد انتهاء الصلاة سمعت هتافات “من أجل الشيخ جراح وحماس ومحمد ضيف”. عند الإفطار بدأ الفلسطينيون يرشقون الحجارة على رجال الشرطة في منطقة الحرم. الشرطة قامت بالدخول إلى الحرم بقوة كبيرة وفي المكان تطورت معركة حجارة وقنابل صوت استمرت لساعات كثيرة. سكان من غربي المدينة، على بعد بضعة كيلومترات من هناك، احتجوا من صوت الانفجارات. رجال الشرطة ألقوا القنابل أيضا على مبنى باب الرحمة المغلق الذي كان فيه مئات الأشخاص. وفي حالة أخرى قاموا باقتحام عيادة وألقوا في داخلها قنابل صوت. معظم المصابين أصيبوا في الحرم.
كانت هناك أمور بارزة في الأفلام التي وثقت ما حدث في الحرم وفي البلدة القديمة. الامر الأول هو خوف الأطفال من قنابل الصوت. مرة تلو الأخرى ظهر رجال الشرطة وهم يطلقون قنابل الصوت والأولاد يصرخون ويهربون بذعر. الأمر الثاني هو عدم خوف الشباب الفلسطينيين واستعدادهم للتصادم مع رجال الشرطة رغم احتمالن الإصابة أو الاعتقال. في أحد الأفلام ظهر شاب وهو يتسلق السور عند درج باب العامود من أجل القفز فوق رؤوس عدد من رجال الشرطة المحميين الذين كانوا يقفون أسفل الدرج. في آخر الليل كان هناك أكثر من 220 مصابا فلسطينيا، 88 منهم احتاجوا للعلاج، واثنان وصفت حالتهم بخطيرة، أحدهم فقد عينه. في أوساط رجال الشرطة كان هناك 17 مصابا جميعهم إصاباتهم كانت طفيفة.
من الصعب وحتى من المستحيل، الإشارة إلى جهة واحدة تقف وراء الليلة الأكثر عنفا التي عرفتها القدس في السنوات الأخيرة. هناك نقاط كثيرة على محور الزمن يمكن البدء منها: قبل بضعة أسابيع في بداية شهر رمضان والقرار الزائد لوضع الحواجز في منطقة باب العامود، قبل أربعة اشهر عند إصدار أوامر الإخلاء للعائلات الفلسطينية في الشيخ جراح، قبل سنة عندما ضربت أزمة الكورونا اقتصاد شرقي القدس بقوة وأدت الى نسبة بطالة عالية في أوساط الشباب الفلسطينيين، قرار محمود عباس تأجيل الانتخابات في السلطة وقرار حماس زيادة حدة التصريحات التي تتعلق بالقدس.
هذه الصعوبة لا تعفي الشرطة ومتخذي القرارات من المسؤولية عن سلسلة قرارات خاطئة فيما يتعلق بالقدس. بدءا من عدم الحساسية الصارخ بوضع الحواجز ومرورا بالتشجيع السياسي لمنظمات تقوم بتهويد الشيخ جراح وانتهاء بإطلاق يد الشرطة في شوارع القدس، الذين عملوا أول من أمس وكأنهم جاءوا لصب الزيت على النار بدلا من إطفائها.
من غير المهم النقطة التي نختارها على محور الزمن أو أي قرار لضابط أو موظف أو قاض نعده بداية الانفجار. في نهاية المطاف يجب القول إن القدس هي مكان غير مستقر، حتى لو كانت أحيانا تمر سنوات بين موجة عنف وأخرى، حتى لو كانت هناك عمليات مشجعة من التقارب وتقليص الفجوة بين شطري المدينة. في نهاية المطاف نصف المدينة العاصمة لإسرائيل هي مكان محتل و40 % من سكانه هم غير مواطنين في الدولة ويعدون إسرائيل سلطة قمعية. يجب على الشرطة والسلطات الأخرى الاعتراف بذلك والعمل على تهدئة النفوس، من خلال الإدراك بأنه في الوضع القائم لا يمكن إطفاؤها هذا الحريق بصورة دائمة.
في هذه الأثناء، الأيام القريبة المقبلة ستكون متوترة جدا. الليلة الماضية كانت ليلة القدر التي هي إحدى الليالي الأخيرة في شهر رمضان التي فيها يتجمع في العادة حوالي 200 ألف شخص في الحرم. مساء اليوم (أمس) تبدأ أحداث يوم القدس بمسيرة لطلاب المدرسة الدينية “مركاز هراف” إلى البلدة القديمة. في صباح الغد (اليوم) سيناقش القضاة الثلاثة في المحكمة العليا طلبات العائلات الثلاثة في حي الشيخ جراح طلب إلغاء أوامر الغخلاء ضدها. وفي مساء اليوم نفسه ستقام مسيرة الأعلام الجماهيرية عبر الحي الإسلامي. كل حدث من هذه الإحداث يمكنه إشعال اعمال العنف من جديد. أكثر من أي وقت مضى القدس بحاجة إلى اتزان وعقلانية.