Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Apr-2017

ثرثرة على هامش التاريخ ! - محمد كعوش
 
الراي - يحكى أن أول أباطرة الصين واسمه شي هوانغ - تي هو الذي بنى سور الصين العظيم، ولكن هذا الأمبراطور كان يكره التاريخ كثيرا لدرجة انه أمر بجمع كل كتب التاريخ والسجلات القديمة وحرقها، لأنه اراد ان يضع نهاية للتاريخ قبل فوكوياما، بهدف بناء الصين الجديدة خاصته وعلى يديه!
 
ولكن هذا الأمبراطور لم يكن يعلم أن كل من لم يقرأ التاريخ جيدا ولم يستفد من الدروس والعبر وتجارب السلف، يخسر في النهاية، فهناك امبراطوريات كانت عظيمة دالت وزالت لأن قادتها لم يتعلموا الدروس والعبر من التاريخ. صحيح ان العالم يتغير ويتجدد، وأن التغيير هو الأبدي الدائم، ولكن ثبت أن الحروب التي نشبت في الماضي وتشتعل في الحاضر ليس من اجل تحرير الانسان واعادة بناء الدول المعاصرة، بل من أجل المصالح الاقتصادية أولا وأخيرا.
 
وعلى سيرة التاريخ القديم، يحكى أن الفينيقيين بنوا مدينة قرطاجة كمركز تجاري مهم على الساحل الشمالي في افريقيا بمواجهة صقلية، وكانت سفنها التجارية تجوب البحار حاملة البضائع الى كل الجهات، بحيث اصبحت من أغنى المدن وأكثرها ازدهارا، وهو الواقع الذي استفز روما وأدخلها في حروب طويلة مع القرطاجيين انتهت بهزيمتهم لأنهم لم يقاتلوا بانفسهم واعتمدوا على مقاتلين من المرتزقة والجيوش المستأجرة.
 
ويروي التاريخ ايضا أن مدينة في جنوب ايطاليا طلبت النجدة والعون من قائد اغريقي اسمه بايروس لحمايتها ومساعدتها في صد غزو جيوش روما. هذا القائد الاغريقي حقق انتصار كبيرا وهزم الجيش الروماني، ولكن هذا الانتصار كلفه غاليا حيث فقد عددا كبيرا من جنوده فحزن وتألم وصرخ « نصر آخر كهذا ونكون في عداد المفقودين». أي أن النصر كان بحجم الهزيمة!! وهذا يعني أن النصر العسكري أو الحسم العسكري ليس الحل الكامل الأوحد أو الأمثل، لأن النصر في بعض الأحيان يكون الوجه الآخر للهزيمة، اذا لم نستطع انهاء مقاومة الخصم.
 
تذكرت هذه القصص التي قرأتها في كتب التاريخ في الدراسة الجامعية، واخيرا في كتاب « مختصر حضارة العالم « للكاتب البريطاني من أصل ألماني غومبرتش، عندما كنت اتابع تصريحات رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وهو يتحدث عن انتصاراته التي تشبه الى حد بعيد « انتصار بايروس الأغريقي» الذي كلفه غاليا واكثر من النصر الحقيقي.
 
في الواقع ان المشهد العراقي محزن ومثير للشفقة والقلق، فقد كتب لهذا الشعب أن يعاني اكثر من مما يجب لأنهم ضحايا مصالح الغير، وقادته تفتقر الى الحكمة والحنكة والسلام الداخلي، فهم مازالوا اسرى شهوة الانتقام، لم يفكروا مطلقا بالمصالحة والمسامحة التي تقود البلاد الى حالة من السلم والسلامة.
 
قد ينجح الجيش العراقي ومن يحالفه في الداخل والخارج من تحقيق الانتصار على داعش والحاق الهزيمة بسلالة القتل والاغتيال والفوضى من اصحاب المخيلة السوداء، وأعني التنظيمات المتطرفة الأرهابية، ولكن بدون حل سياسي قائم على العدل والمساواة والمشاركة يشمل كل مكونات الشعب العراقي لن يكون الأمن والاستقرار في العراق.
 
قادة العراق يدركون ان المسألة العراقية معقدة وصعبة لأسباب عرقية وطائفية، وهي امراض كانت كامنة الى أن فجرها واحياها الاحتلال، وزادها تعقيدا بحيث اصبح حلها يحتاج الى معجزة. نحن على ادراك تام بهذه الحقيقية، وما يؤكد مخاوفنا وقلقنا هو الجانب الآخر من المشهد العراقي، ففي الوقت الذي اقترب الجيش العراقي من تحرير الموصل التي كانت « أم الربيعين « وأصبحت في عداد المفقودين، حتى ظهرت مشكلة اخرى أمام حكومة بغداد تمثلت برفع العلم الكردي في كركوك، اضافة الى اقتراع مجلس المدينة لصالح ضمها الى اقليم كردستان « المستقل « الذي لا تملك الحكومة العراقية اية سلطة فيه أوعليه!
 
هذا يعني أن الجيش العراقي عندما ينتهي من معركته الفاصلة الحاسمة مع تنظيم داعش سيجد نفسه في مواجهة البشمركة، وقد يطول الحديث وتطول الحرب.. والله اعلم ماذا تحمل الأيام للعراق وللعرب!.