Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Jun-2017

في التمايز الحضاري - ابراهيم العجلوني
 
يمثلُ التمايز – مُطلقا – مظهرا من مظاهر غِنى الحياة وتعددها، إذ الاختلاف سنّة كونية.
 
بيد ان الاختلاف اختلافان فيما ذهب اليه العارفون: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد.
 
الراي - وعلى حين قد يكون اختلاف التنوع مظنّة الائتلاف ويتخايل فيه معنى وحدة الخلق، فقد يكون اختلاف التضاد مظنّة التنازع والتدافع، ولولا التدافع لهُدمت مساجد وصوامع وبِيَعٌ يذكر اسم الله فيها، اي أن من شأن «التدافع» ان يحفظ قيم الخير والايمان في الارض، لما يمنع من سطوة المتجبرين فيها، او من ان تُطلق ايدي فراعنتها في منع ذكر الله في بيوته (على تنوع عقائد الموحدين) او السعي في خرابها.
 
ثم ان من اختلاف التّضاد في الافراد والامم ما قد يقتضيه احترام المرء لنفسه او احترام جماعة او شعب لهويته وتاريخه، ويكون ذلك في ظاهر الأمور وباطنها على حد سواء.
 
ذلك ان بين الأمور الظاهرة والباطنة ارتباطاً ومناسبة، فما يقوم بالوجدان يوجب ظهوراً بالعيان، والعكس صحيح ايضاً.
 
ثم ان المشاركة في السمت الظاهر تورث – بحسب اعلام العلماء – تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقودان الى الموافقة في الاخلاق والاعمال، ومن تشبه بقوم تخلق باخلاقهم وتطبع بطباعهم، ومن باينهم في السمت الظاهر باينهم في الاخلاق والطباع، وترك مضاهأتهم وتقليدهم. وها هُنا قاعدة جليلة لو تدبرناها نحن العرب والمسلمين لامكن لنا تحقيق استقلال الوعي والشعور.
 
يدفعنا الى استذكار ما تقدم اننا نتابع عشرات الفضائيات، وعشرات الصحف والمجلات، وعشرات المؤسسات الثقافية، وعشرات المؤتمرات والندوات، فلا نرى شيئاً مما يميز أُمتنا عن قاهريها الدائبين في محو ذاتها وصفاتها، ولا نرى إلا ذهولاً ذاهلاً وتقليداً مخزياً، واكثر ما يكون ذلك في مدّعي العلم والفلسفة، إذ لو تنخّل المرء ما ينعقون به او رده الى مصادره لما وجدهم يختلفون – إلا في ظاهر ما يدعون – عن اغمار المراهقين الذين يريدون تحقيق اعتبار – اي اعتبار لهم – مهما كان في ذلك من تخبط وجهالة وسطحية تفكير.
 
وإن مما يمكن الاستشهاد به على ذلك ما يذهب اليه بعضهم من ان مفهوم «الأُمة الوسط» لا يختلف عن «المركب» بين «الدعوى» و»النقيض» في الديالكتيك الهيجلي، ومثل هذه النزعة ظاهرة السخف على ما يبديه اصحابها من تفاصح وتشادق وادّعاء.
 
ومهما يكن الأمر، فإن اول مطلوب من أُمتنا اليوم ان تستمسك بثقافتها الأصيلة وبآدابها، وأن لا تُهرَع خلف سفهائها ممّن طُمست عقولهم وصاروا صنائع ومروّجين بذرائع شتى من التنوير (!) والعلم المفترى عليه ومن الحداثة وما بعدَها، وما بَعْدَ بعدها، الى غير ذلك من الدعاوى الداحضة التي ما عادت تنطلي على أحد من العاقلين.