Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Jun-2016

حفظ العرش مسؤولية مَنْ ؟ - شحادة أبو بقر

 

الراي -  لم يُبنَ العرش الهاشمي في الاردن ابتداءً الا ليستمر ويتصاعد ويقوى، وليتمدد ان امكنْ، ولمصلحة العرب والمسلمين في هذا الجزء الحيوي من ارض العرب، فلقد كان الاردن وما زال في صدور وذهنية احرار العرب كافة، والاردنيون في الطليعة منهم، نواة صلبة للحلم العربي الكبير الذي افشله عتاة الظلم والاستعمار الذين تستبيح جيوشهم اليوم ارض العراق وسورية في حرب ضروس ضد العرب السُنّة، بذريعة محاربة تنظيم هش متخلف يأخذ على عاتقه ذبح الجميع بلا استثناء، وبالذات العرب والمسلمون السُنّة باعتبارهم كفرة دماؤهم هي سبيله الى الجنة، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

لا علينا، ذلك تاريخ طويل، وتلك ظروف مختلطة يتداخل فيها الخبيث بالطيب، في مشهد أدخل المنطقة كلها في دوامة فوضى عنوانها القتل والدم والتشرد وخدمة للمصالح الاميركية والروسية والاسرائيلية والفارسية والغربية عموماً، على حساب العرب وكرامة العرب ووجود العرب.
ما يعنينا اليوم، واليوم بالذات، هو الاردن الحصن الوحيد المتبقي سالماً حتى اللحظة في بلاد الشام كلها، بعد ان ضاعت فلسطين وأُسر لبنان وأُستبيحت ارض العراق وسورية بالكامل، وبعد ان غدا الاردن خط الدفاع الاخير الذي لن يتركوه وشأنه ابداً ابداً، وسبيلهم الى استهدافه هو بلا شك ظروفه الداخلية التي ان ساءت اكثر لا قدر الله، ستكون السبب المباشر لاستباحته وادخاله في دوامة الفوضى ذاتها، وهي فوضى وصفها بعضهم باكراً بأنها «خلاّقة» لكنها صارت بلا اخلاق تماماً!!.
ليس سراً، أن «العرش الهاشمي» هو سقف البناء الاردني، ان كان قوياً كان ذلك قوة للدولة الاردنية كلها، والعكس صحيح تماماً، واذا ما اهتز السقف اهتز البناء كله، ولا نكاد ندري ماذا ستؤول اليه الأمور لا سمح الله.
قوة وصلابة العرش يضمنها طرفان متلازمان هما، «الملك» رأس الدولة وولي الأمر، ثم الشعب الاردني كله بلا استثناء لأحد، وتلك هي مسؤوليتهما معاً، وهنا لا بد من استذكار مدى رفعة وسمو فكر الرجال الذين وضعوا الدستور الاردني ابتداء، واظنهم جميعهم في عداد الراحلين رحمهم الله، فلقد حصنوا شخص الملك من كل تبعة، وفي ذلك بُعد نظر لا يُدانى ابعاد البلد عن أية فوضى، لكنهم في الوقت ذاته، ابقوا تلك التبعة في شخوص الوزراء الذين يتولى الملك سلطاته من خلالهم، فأوامر الملك الشفوية او الخطية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم، اي لا مجال للاختباء خلف الملك!!.
وزيادة في الدلالة على عمق الفكر السياسي الذي يتوفر عليه الدستور الاردني وتميزه عن كثير من الدساتير العالمية، ففي الولايات المتحدة مثلاً وهي من تدعي حراسة الحريات والعدل والديمقراطية في هذا العالم، يملك رئيسها حق «الفيتو» على القوانين، فهو يقبل القانون، لكنه يمنع تنفيذه ان اراد، اما في الاردن، فللملك ان يعيد مشروع القانون الى البرلمان مُسبباً، واذا ما اصر البرلمان على رأيه، صار القانون نافذاً بعد مرور ستة شهور حتى لو لم يصدقه الملك! وفي هذا شهادة حق على عمق ونزاهة الدستور!.
نقول هذا الكلام ليس لمجرد التذكير فقط بأن الدستور الاردني من أرقى وأنبل دساتير العالم، وانما للتأكيد على سمو العلاقة بين الحاكم والمحكومين في الاردن وفقاً للدستور، وهي حالة سمو تسمو بنا وببلدنا اكثر اذا ما احترمناها وفهمناها وتقيدنا بها وعشناها وجسدناها في كل قراراتنا وسلوكياتنا وطرائق فهمنا لمعنى منظومة ومنظومية الحكم في بلدنا، فلقد عاش الاردن قرابة مائة عام حتى الآن وسط العاصفة وفي عينها وتحت المؤامرات والاستهدافات والتطلعات وكل الحروب والنكبات، وخرج منها جميعها سالماً، لا بل وحتى غانماً، وفي ذلك بلا ادنى شك سر عظيم .
السر العظيم كما أراه، هو حالة التلاقي والانسجام التامين بين الشعب والعرش، وهي حالة شكلت على الدوام ليس صخرة كما يقولون، وانما قلعة تحطمت عند ابوابها كل المؤامرات على جسامتها، فقد ظل الشعب الاردني كله، الحارس الأمين الصلب للعرش، بالتماهي مع الملك رأس العرش،  وظل العرش قوياً يرى كل اردني ان من واجبه الدفاع عنه بكل ما أوتي من قوة، لا بل ودونه الارواح حقاً، لا كذباً او تزلفاً او نفاقاً وادعاء .
وفي ذلك ايضاً، قوة للجيش والامن معاً، واللذين شكلا تاريخياً، رديفاً قوياً لتلك الحالة الاردنية الهاشمية الشعبية الفطرية التي افشلت كل رهانات الاعداء والأصدقاء على حد سواء، وهي رهانات جعلت من الاردن الفقير الصغير المحاط بالكوارث منذ نشأ، اسطورة العصر حقاً! بهمة الملك والرجال الرجال حول الملك، وبتناغم مشاعر الشعب كله.
الاردن اليوم في عين العاصفة الأشدّ ذاتها، وهنا لا بد من العودة الى التذكير بالسر العظيم الذي صان البلد والعرش من كل الشرور، وهي شرور حطمت دولاً كبرى واسقطت عروشاً استبدت طويلاً ثم مضت، ومنها من كانت نظرته الى الاردن سلبية يملؤها الحسد والغرور، ومنها من لم يتردد في تجييش جيشه ضد الاردن، ومنها من كان يرى في الاردن دولة مصطنعة رجعية وعميلة، لتثبت الايام والاحداث زيف ما قالوا وما فعلوا، وليصمد الاردن مقابل تهاوي عروشهم.
نعم, السر العظيم هو في التفاف الناس, كل الناس, حول العرش, الراضين والغاضبين على حد سواء, الاغنياء والفقراء معاً’ الموالين والمعارضين, وهو التفاف مبرره الاقوى بيد الشق الرسمي للدولة, عندما تقوى برجالها الاقوياء, الاقوياء ليس بالصرعة والصدام, وانما بالحكمة وامتلاك خصوصيات رجال الدولة الحقيقيين فالكبير هو من يكبر به المنصب لا العكس, والكبار هم من يشيعون روح الكبرياء والتسامح والترفع عن الصغائر, تماماً كشأن الاردن والاردنيين جميعاً عبر التاريخ.
لا رهان ابداً على محبة الاردنيين لا بل عشقهم لوطنهم ونظامه السياسي وعلى رأسه الملك, فذلك امر لا يجادل فيه غير جاهل أو حاقد ذي غرض, لكن الناس تعاني جراء الفقر , بعضهم يتحمل وبعضهم الاخر يطفح به الكيل, خاصة عندما يمتليء الافق والفضاء بالاشاعات عن الفساد .
الاردن «العرش والشعب والدولة عموماً» يقوى برجاله الاقوياء الحكماء المسكونة قلوبهم بالخوف على الاردن, لا بالطامعين  الساعين الى المواقع  سعيهم الى المال والشهرة وحب الظهور , و
الاردن قوي برجاله الذين يؤثرون على انفسهم ويسهرون على مصالح بلدهم لا على مصالحهم  .
باختصار, لا الجيش الباسل يقصر في واجباته, ولا الامن الباسل يقصر في واجباته, التقصير الذي يدمي القلوب هو عند ادعياء السياسة الذين يخدعون الوطن, اما السياسيون الحقيقيون الذين يمتلكون فطرياً سجايا رجال دولة, فقابعون في بيوتهم خارج المشهد الا ما ندر كي لا نظلم. 
اخيراً, وليس اخراً, الاردن اليوم واكثر من اي وقت مضى, بأمس الحاجة الى رجال يملكون ناصية الحل والعقد, رجال يقولون «لا» ليس من اجل الوجاهة والمعارضة العدمية وحب الظهور وانما من اجل ما يرون أنه المصلحة العامة, رجال يقولون «نعم» ويدافعون عنها برجولة اذا فيها مصلحة البلاد والعباد, وقوى العرش وصلابة اركانه, رجال لا يتغيرون بتغير المواقع في السلطة او خارجها, وانما هم هم, سواء اعطوا منها أم لم يعطوا, رجال يعرفهم العامة ويحترمونهم ويشهدون لهم وبهم ويفسحون لهم الصفوف كي يمروا اولاً, رجال ان اقبلوا وقف الجمع لهم احتراماً, ليس لمالهم ومناصبهم وانما تقديراً واحتراماً لشخوصهم.
بمثل هؤلاء الرجال والاردن غني جداً بهم, يقوى الاردن ويصمد ويعاند ويتحدى بعرشه الهاشمي الكريم, وشعبه العربي الاردني الكريم, وجيشه البطل ومؤسساته الامنية البطلة, والقرار ليس صعباً ابداً, فالكبير يكبر برجاله الكبار, اما الصغار فعبء على الحياة كلها, قبل ان يكونوا عبئاً على اوطانهم.