Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Dec-2018

القايش - عبدالهادي راجي المجالي

 الراي - في طفولتي كنت ليبراليا، كنت أصعد إلى سطح منزلنا..وأنظر للسماء للحمامات التي تجوب المدى، أتمنى لو أني امتلكت أجنحتها وحلقت مثلها.. وكانت ليبراليتي تطغى على كل شيء، وقد علمت أصدقاء السوء في الصف السادس، سرقة الدراق من سور الجيران.. الليبرالية لا تؤمن بالحواجز ولا بالأسوار، لهذا صعدت على كل أسوار الجيران..

وبعد أن كبرت قليلاً، استهواني اليسار.. وكانت ملامح اليسار تتفتق عندي حين نصحني أستاذ التربية الرياضية، بعد أن تم ضمي لفريق المدرسة بالواسطة، نصحني تسديد الكرة بالقدم اليسار.. قال لي يجب أن تعود نفسك على ذلك، ونجحت بعد فترة.. وأحرزت هدفاً باليسار.. وفيما بعد صارت كل أهدافي يسارية، وصرت أمشي على يسار الشارع، وكرهت الصفحات التي تبدأ بها الكتابة عبر اليمين... لكني بعد وصولي الصف الثاني الإعدادي قررت تغيير المنهج.
صرت راديكالياً إسلامياً، وأمضيت جل وقتي ما بعد المدرسة في المسجد فقد كنا نعقد حلقات لحفظ القرأن، وأتذكر أني تركت التدخين في تلك المرحلة كوني وصلت لقناعة بأنه حرام، وتركت أيضاً.. سور مدرسة البنات وحرقت أشرطة عبدالحليم حافظ كلها، بما فيها أغنية (مداح القمر).. وحين كانت الأخبار تبث تقارير عن الحرب في أفغانستان عرفت هدفي.. وأتذكر أني صارحت أبي بوجوب الجهاد في أفغانستان، وكان الرد حاسماً وعنيفاً فقد أحضر القايش، وصرخ علي (أبو الكمالات).. كنت وقتها مكملاً في الرياضيات، وأتذكر أنه بعد مطاردة عنيفة تم حشري في زاوية المنزل.. وتحدث القايش بما يجب ولا يجب.
في الصف الثالث الإعدادي تحرر فكري قليلاً، وقلت الحل في القومية.. فأصبحت قومياً، وقرأت (ميشيل عفلق) وطلبت من رفاق السوء أن ينادوني بلقب (أبو ميشيل) تيمنا بالرفيق المؤسس، وأوغلت في الفكر القومي.. وكنت معجباً بالعراق، لكني لم أفاتح أبي وقتها بضرورة القتال في الجبهة الجنوبية – قاطع البصرة، لأن (قايش) أبي كان جاهزاً دوماً للجم طموحاتي... وأتذكر أني شاركت في العام (89 (بهبة نيسان، وكلفت بكتابة شعارات على حائط المدرسة، من قبل بعض الرفاق.. وتم اكتشافي على الفور كون كل الشعارات التي كتبتها، كانت مؤيدة للنادي الفيصلي.. يبدو أن حماسي القومي جعلني أنحاز للفيصلي... المهم أن المدرسة والشرطة أبلغوا أبي بما فعلت، والقايش كان جاهزاً دوماً.
فيما بعد.. بعد أن كبرت، عملت في وزارة التخطيط، وأصبحت (ديجتال) وذهبت لبريطانيا، وبعد فترة طلقت المشهد كاملاً.. لم يكن أبي على قيد الحياة، فقد مات وبقي القايش، لكني شاهدته في الحلم.. يلاعب (القايش) على جسدي.. فتركت (الديجتال)..
أنا الآن على مشارف الكهولة، وبعد تجربة مريرة مع التيارات والأحزاب والأيدولوجيات، تبين لي أن الثابت الوحيد.. الذي يستحق أن تنحاز له.. والذي يحميك من عثرات الزمن، وكل الأفكار.. هو القايش..
لهذا إذا كان لهذه الحكومة عنوان وهو الليبرالية، أنا أيضاً لي عنوان وهو القايش..
Hadi.ejjbed@hotmail.com