Saturday 4th of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-May-2013

أبوعودة: النسور من تلاميذي..إصلاحي ومن أهم من يصلحون لهذه المرحلة الصعبة. لكن هل سيسمح له فريقه و"السيستيم" بذلك؟ قبل عشرين سنة أنشأت حزبا اصلاحيا فعطلته المخابرات

(المقابلة التالية مع  السياسي والمفكر عدنان أبو عودة، اجراها الزميل محمد صيام حصريا لموقع أخرخبر الذي يرأس تحريره. تاليا الحلقة الاولى منها  حيث تنشر بالتزامن مع عديد المواقع الاخبارية المحلية)
آخر خبر - عمان - محمد صيام -

لن نقدمه بطريقة كلاسيكية كما جرت العادة عند نشر مثل هذه اللقاءات .. .. كل ما سنقول عنه بأنه " عدنان أبو عودة " .. نقطة أول السطر ...

فأبي السعيد قرر أن يتحدث ... لنبدأ اللقاء :
• هل أنت على خلاف مع النظام ؟

-  لا .. أنا لست على خلاف مع النظام . أنا متقاعد ولست عضوا بأي شركة أو مؤسسة رسمية أو شبه رسمية . أخذ راتبي التقاعدي وسعيد بما قدمت. قابلت الملك قبل الإنتخابات النيابية بخمسة أيام في بيت مروان القاسم . قلت الكثير ضمن إطار حماسه - أي الملك -  بإنشاء حكومة برلمانية . ولكن كان من الصعب البدء بها في هذا الوقت تحديدا . قلت لجلالته لا بد من التشديد على وجود أحزاب سياسية " غير أيدولوجية "  .  الأحزاب المؤدلجة جربناها منذ الخمسينات ومشكلتها بأن كل حزب يعتقد بأنه يحتكر الحقيقة وبأنها ملكه وحده ..وكانوا يجيشون في السابق للوصول للحكم . فيصبح الحزب الواحد المسيطر على الحكم إمتدادا  للديكتاتورية بين الناس . ما نريده هو أحزاب وطنية تتنافس على تداول السلطة ضمن برنامج . ليقوم الناس بانتخاب برامج وليس أيدولوجية وحقائق مطلقة . والشعب يكون هو الحكم في النهاية وقد يجرب غيرك - كحزب أقصد -  من خلال الإنتخابات . علينا أن نبدأ من جديد بتأسيس أحزاب سياسية وطنية تتنافس على الحكم وتداوله .  لدي الكثير حول هذا الأمر .

• هات ما عندك .. ما هي هذه الأفكار ؟

- دعونا نكلف جهة معينة بتأليف "برلمان موازي " من أصحاب الخبرة والتجربة السياسية المتميزة ..سمه ما شئت " مجلس حكماء " مثلا .. ذوات ثقة لديهم تجاربهم السياسية في الحكم والإقتصاد . تقدم لهم مشاريع البرلمان . بالتزامن مع ما يقدم لمجلس الأمة . ويعطى هذا المجلس وقتا للاستفاضة والتحليل في التلفزيون الأردني والإعلام الرسمي و بحضور مثقفين وصحفيين . قد يستفيد مما يقال عبر وسائل الإعلام لاحقا بعض النواب حديثي التجربة والخبرة وبعض الناس. العملية التثقيفية يؤتى ثمارها حين تكون تراكمية .لا بد من طرح أفكار للعودة الى الأحزاب الوطنية .

• أليس هذا دور مجلس الأعيان ؟!

- لا ... لمجلس الأعيان دور مختلف .. مجلس الحكماء دوره  تثقيفيا ويعكس تجاربه العملية وطروحاته للجميع بما فيهم النواب والسياسيين والمثقفين والعامة .

• هل أنت راض عن مجلس النواب الحالي ؟

- لا طبعا ... ولكن يتوجب علينا التعامل معه فهو خيار الناس بالمحصلة ودستوري حسب القوانين المرعية  ..بالمناسبة لا زال البعض ينصحني بتشكيل حزب سياسي

• ولكنك أسست حزبا بداية التسعينات..

- نعم صحيح ومن عطله في حينه  هو  جهاز " المخابرات " .. وقد أخبرت جلالة المغفور له الملك حسين بذلك في حينه . الملك عبدالله الثاني صادق مع نفسه ومع الأخرين و يطالب بالأحزاب .. لنتذكر أن خوف الستين عاما لا زال مزروعا في الناس . قال لي أحدهم إفترض يا أبا السعيد بأننا إنضممنا لحزب . وغيرت الحكومة رأيها . سيضعوننا في السجن ؟!!

• ما هو الحل ؟

- أنا برأيي أن الحل يكمن بإعادة الأمور الى نصابها الصحيح ..نعود الى الديمقراطية بمقوماتها الحقيقية . النظام نفسه مع الإصلاح .. هذا ما قاله الملك  بلقائه مع " الأتلانتك "  بأن هناك قوى داخلية تعمل ضدي . بعد الضجة غير المبررة إياها شرحت لهم ماذا يقصد الملك ب  "الديناصورات" كمفهوم لغوي غربي . كان الملك في لقائه الجريء يخاطب العقلية الأمريكية .

• هل تتم إستشارتك حاليا من قبل الديوان أو الحكومات المتعاقبة ؟

- لا أبدا أنا متقاعد ولا أتصل بأحد إن لم يتصلوا بي ...

•ما هو تقييمك للحكومة الحالية ؟

- أبا زهير شاب ذكي وقمت بتدريسه لعامين متتاليين .. شاب وطني حقيقي ويريد الإصلاح . خلفيته لا تسمح له إلا أن يكون إصلاحيا . لكن هل سيسمح له فريقه و"السيستيم" بذلك . بعد الثقة أعتقد بأنه سيكون أكثر على الحركة الآن . أكثر رئيس وزراء في عهد الملك عبدالله قادر على محاكاة عقول الناس . برأيي هو أحسن من خاطب الناس حتى الآن ... المرحلة صعبة بالنسبة له . بمعرفتي له فأنه من أهم من يصلحون لهذه المرحلة الصعبة . ويظل الأهم هو كيف ستتحرك من إدراك الواقع. وماذا تريد .. وكيف ستصل لذلك . لا أشك بمقدرته على إدراك الواقع ... أما كيفية الوصول والمقدرة فأترك الأجابة له .

•ما حكاية قصيدتك التي " حرفتها " عن "الأي باد" كما سمعنا من مقربين منك ..

" مبتسما " بعد علاقتي غير العادية حاليا مع جهاز الأي باد قمت بتحريف بيت الشعر المعروف ليصبح كالتالي :
وخير مكان في الدنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان " إيباد "

• كيف تنظر لهذه الثورة التكنلوجية والمعلوماتية الحالية ؟

- هناك من قرر أن يخترع ألة الآحتراق الداخلي فقرر إحتلالنا لمدة 100 عام . يا سلام كم أحترم هذا العقل البشري .
طبعا لا يخلوا الأمر من قراءة كتاب بين الفينة والأخرى . لا أتوقف عن ذلك .

• لطالما تحدثت في مقابلات إعلامية سابقة عن "الظلم" كمفهوم  .. من الذي ظلمك - إن كنت ظلمت حقا -  وقد وصلت لكل هذه " المناصب " يا أبا السعيد ؟!!

- كان لأبي قصة مع الظلم .. ولأمي قصة أخرى . أبي كما أسلفت كان يعمل عاملا في مصنع صابون . كانت الظروف قد بدأت تصعب بعد الإحتلال حيث كان توزيع الصابون للدول العربية ولكن الحدود أغلقت . وأغلقت المدارس لاستقبال اللاجئين من الساحل . كان أبي يشكو - طوال الوقت - بأن أخاه الكبير قد حرمه من الميراث وكنت أستمع له كطفل صغير وشاب يافع في مقتبل العمر  .. ووالدتي كانت لها قصة ظلم أيضا بعد أن تزوج جدي بعد وفاة جدتي وكانت والدتي صغيرة فحولها جدي الى " جارية " .. كانت رحمها الله تحدثني عن هذه التجربة .. فكرهت الظلم .

أما قصتي أنا مع الظلم فقد تمحورت بالتالي : أخذت السادس على المملكة في " المترك " .. كانوا يقولون لوالدي بأن إبنك "شاطر" وبأن الحكومة البريطانية سترسله الى لندن . لم أكن أعرف ماذا يقولون . لم ترسلني الحكومة الأردنية في بعثه في حينه فأحسست بالظلم . حضرت الى عمان وكان وكيل الوزارة في حينه "أديب العامري" وأخبرته بأن تحصيلي هو السادس على الممكلة ولم أحصل على بعثة . قال لي أنت لا تستحق هذه البعثة. قلت له : لماذا .. هل لأنني من "نابلس" ؟!! .. غضب وصرخ في وجهي :" إسمع يا ولد .. إن لم تخرج من مكتبي سأطلب لك الشرطة ".

• يوجه لك رفاقك الشيوعيين اتهامات بانك كنت اختراقا مخابراتيا للحزب خلال عملك في الكويت ما هو تعليقكم على هذا الاتهام ؟

- لك أن تتخيل .. شخص كان في الحزب الشيوعي وبعد خمس سنوات يصبح في المخابرات ... لفقوا لي هذه التهمة بأني كنت مزروعا ... المشكلة أيضا بأن المغفور له الحسين وحين علم بأني أعمل مع المخابرات و بعد أن وصلته معلومات بأني كنت شيوعيا خشي أن أكون من المزروعين  في جهاز المخابرات .. فطلب مقابلتي .

كنت قد تركت الشيوعية في اواخر ال58 ودخلت المخابرات بعد 6 سنوات . إكتشفت بأني لا أصلح أن أكون حزبيا . لا أريد لأحد أن يفكر عني . أنا أول من دخل حزب التحرير في مدينتي نابلس قبل أن أذهب للشيوعية التي قضيت بها 4 سنوات فقط . لا أصلح أن يفكر لي أحدهم . كنت أول من دخل حزب التحرير في نابلس وأصغر المنتسبين لهذا الحزب .

• كيف إنتسبت لحزب التحرير ؟

- كنت في الثانوية بأخر عام 51 جاءنا طالب منقول من محكمة القدس وسكن حارتنا . هذا الشاب أصبح صديقي فيما بعد إسمه شريف ولاحظ بأني أتحدث كثيرا في التاريخ وأناقش المعلمين . يبدو أنه كان يتحدث لوالده عني . وكان الشيخ "تقي الدين النبهاني" قد بدأ بتأسيس الحزب في حينه . قال لي شريف بأن والده يرغب بالتعرف علي . ذهبت معه وتعرفت على والده وكان هناك شخص أخر يجلس معنا صامتا عرفت بنهاية الجلسة بأنه "داوود حمدان" وهو محامي شرعي يعمل في القدس . كانوا يتحدثون معي عن فلسطين . شاهدوا حماسي للموضوع الفلسطيني فقالوا لي بأننا نقوم بتشكيل حزب إسلامي لتحرير فلسطين , فأصبحت اذهب كل يوم خميس لبيت جارنا ويأتي المحامي لاعطائي الدرس فانتشر الحزب في نابلس وبعض المدن الفلسطينية قبل إمتداده للوطن العربي .

• وماذا بعد ذلك وكيف إنعكس هذا النضوج السياسي المبكر على شخصيتك ؟!

- حين دخلت دار المعلمين ببعثة حكومية لسنتين .  كان معظم الطلاب تحريريين . وبعضهم بعثيين ومن كافة التوجهات السياسية الأخرى . كان هذا هو السائد في حينه .. الكل منظم سياسيا . كان "التحريريين" أغلبهم وأكثرهم تنظيما. أذكر أن الشيخ عبد العزيز الخياط كان يدرسنا في دار المعلمين وكان تحريريا أيضا . تخرجت فوظفوني معلما للغة الإنجليزية رغم أن تخصصي هو الرياضيات والعلوم ... كانت مخالفة ثانية بعد أن منعوا عني بعثة بريطانيا . قلت لجلالة المغفور بناء على تلك الحادثة بأن هذا "الشاب الصغير" إن تم ظلمة سيكون أي شيء في المستقبل ... كنت أنا ضد الدولة وقمت بالإنتماء لتلك الأحزاب بسبب هذا الظلم .

بقيت تحريريا حتى عام 1955 فتم إنشاء حلف بغداد . وإذاعة "صوت العرب" كان لها سلطة غير عادية في تهييج مشاعر العرب . حزب التحرير كان في حينه ضد هذه المظاهرات لانها من وجهة نظره تنفس الثورة في صدور شبابها المنتمين للحزب . خرجت المظاهرات وقاموا بقمعها أيام كلوب باشا وتم قتل مجموعة من أصدقائي الطلبة المتظاهرين . سقط حلف بغداد ولكني لم أعد مقتنعا بتوجه حزب التحرير . فتركتهم والتحقت بالحزب الشيوعي .

إنقلاب العراق في ال 58 وكان معضلة كبرى في الأردن على الحزبيين بعد ملاحقتهم وسجنهم. فهرب بعضهم الى سوريا والعراق وغيرها من الدول . كنت قد إنتقلت عام 57 الى طولكرم للتدريس في " الفاضلية "  . فقام الحزب الشيوعي بترفيع كوادره بسبب هرب وسجن واختباء القياديين الكبار . فتم ترفيعي في الحزب من عضو خلية لعضو لجنة منطقة . كان رئيسنا في نابلس شخص يدعى " جورج قواس " قلت له بعد إنقلاب العراق بأن الحزب كان يشير لثورة العراق ب " ثورتنا " وأضفت في حينه : ما دمنا قد نجحنا فلماذا لا تزال الثورة تقتل الناس  ؟!!.

 لم يعجبه نقاشي . قال لي ليس لدي جواب وسأحضره لك في المرة القادمة . اجتمعنا بعد 3 أسابيع قلت له أريد الإجابة على سؤالي السابق . قال لي : هل جبنت يا رفيق .

غضبت وقلت له " طز عليك وعلى هيك حزب " لا أصلح أن أكون تابعا .. هذا هو تكويني الشخصي ... وتركتهم الى غير رجعة  .

ذهبت الى الكويت فجاء لزيارتي في "الأحمدي" صديق قديم عام 65 وكنت متزوجا وعندي 3 أطفال . أخبرني بأن الحزب يزجيني السلام ويرغب بعودتي . فاعتذرت بأدب .

• التحرير .. الشيوعية .. المخابرات .. ما سر هذه القلبات .. حدثنا عن إلتحاقك بالمخابرات الأردنية  ؟!!.

- كنت لا زلت في الكويت .. أبلغوني بأن والدتي مريضة جدا .. وبالمناسبة أنا وحيدها وكنت أزورها في الصيف وأزور أهل زوجتي في عمان . أبلغني الطبيب بأن والدتي مريضة بمرض السرطان وهي لا تعلم . فأصبحت أقضي معها وقتا أطول . قالت لي يوما - كما الأمهات جميعا -  بأنني قد أموت وأنت لست بجانبي ..ولأنني أعرف تشخيص مرضها وظروف عملي في الكويت هزتني جملتها الأخيرة .  بعد زيارة نابلس تلك زرت أنسبائي في عمان " د. هاني شموط " بيته في شارع المهاجرين . كان يخرج لعمله في الصباح وكنت أنا أخرج لأجلس في مقهى " السنترال " .. لأترك البيت للنساء التي لا تستهويني جلساتهم . أذكر في ذلك اليوم العماني قائظ الحرارة كنت أسير أمام "البنك العربي" وسط البلد  ناداني أحدهم من سيارته بصوت مرتفع : عدنان ... عدنان

نظرت للسيارة وإذ به صديقي الذي درس معي "محمد رسول الكيلاني" . وكان قد عين في فترة سابقة مدعيا عاما للمحاكم العسكرية وكان من مؤسسي ما يسمي بدائرة المباحث في حينه أو المخابرات الآن . وهو معروف جدا في البلد .. لا أخفيكم من شدة حرجي أن يشاهدني الناس أحادث شخصية أمنية معروفة ركضت للسيارة وركبت بها  . ضحك وأخذني الى مكتبه في الدائرة . وكأي أصدقاء سألني عن أحوالي وظروفي . قال لي بأنه يقوم بتشكيل دائرة جديدة في الدائرة تختص بالتجسس على العدو الإسرائيلي وأضاف : أريدك أن تعمل معي .

رفضت في البداية .

قال مستطردا : إسمع يا عدنان أريدك أن تكون بقسم التجسس الإسرائيلي بسبب إتقانك غير العادي للغة الإنجليزية ؟

 لحظات .. فكرت بوالدتي التي تموت في نابلس ... " أم عدنان " التي كانت تقول لي حين كنت طفلا أنا لا أستطيع القراءة أريدك أن تتعلم حتى تقرأ لي الفاتحة على قبري ... وهو ما قمت به بزيارتي الأخيرة بداية الألفية الثالثة لفلسطين ذهبت لقبرها لأبكي . أخبرني بأنهم سيقومون بتدريبي  .. قلت له مستغربا أنا سأرتدي الزي العسكري
قال: نعم
قلت : لا أنفع .. أنا كنت شيوعيا ..
جن جنونه وقال لي كيف ومتى ؟!!
أجبته:  أتذكر حين كنت تزورني في نابلس حين كنت مدعيا عاما ... كنت في حينه شيوعيا .. إحترمت اختيارك أن تكون "رجل مخابرات" عليك أن تحترم خياراتي .
طلب مني أسماء الشيوعيين أصدقائي فرفضت إعطائهم له ...
قال لي أنا الآن أكثر إصرارا على تعيينك  . و سأعينك ملازما أولا بسبب خبرتك .
قبلت لسببين : أمي لاكون قريبا منها .. والتجسس لصالح الدولة على إسرائيل .

• كيف كانت سنتك الأولى في المخابرات ؟!!

- عشت في عمان وكنت أزور نابلس نهاية الاسبوع . حتى معركة السموع في 14 - 11 . دخلت الدورة العسكرية التدريبية كأي مرشح جديد  وكنت أكبرهم سنا في حينه . وكتب المدرب الأمريكي لأبي رسول بأنني كنت كثير النقاش ومحلل سياسي من الطراز الرفيع . فغير مدير المخابرات رأيه وعينني في دائرة التحليلات السياسية والتقارير الصحفية ومن هذه التقارير كان لدي القدرة لقراءة الميول و التعرف على الإتجاهات . بعد التقرير الثالث قال الملك لأبي رسول : التقارير تغيرت وأصبح مضمونها مختلفا .. فظن مدير المخابرات " مديري " بأن التقارير الجديدة لا تعجب الملك . ولكن الملك أخبره بأن التقارير فيها تحليلات نفسية واجتماعية  مختلفة وبأنها أكثر موضوعية ما سابقاتها . أخبره الجنرال الكيلاني عني فطلب جلالته لقائي . فكانت أول مقابلة مع الحسين رحمه الله . ونحن بثقافتنا الفلسطينية قد نختلف بتكويننا عن الكثير من الدول العربية إذ لم يحكمنا حاكما من قبل وإنما الإنجليز بعد "سايكس بيكو"  . لذلك فإن مقابلة المسؤولين الكبار لا تخيفنا وترعبنا كما البعض .. فكنت أتحدث معه باحترام كملك وكنت أتحدث بأدب وأريحية تامة ولكن دون خوف فأحس كما أخبرني لاحقا بأني مختلف  . فأصبحنا أصدقاء .

بعد ال 67 كثرت تلك اللقاءات وكنت أكتب بتقاريري الميول والتوقعات , وكان الملك يرى بأن توقعاتي قد تحققت . فأصبح كلما زار الدائرة يجتمع مع الجميع ومن ثم يطلب من المدير أن يدعوني لوحدي فاجتمع به بمكتب المدير  . وكنا نحادثه بالإتجاهات ووجهات النظر المستقبلية وتصوري الخاص لما ستكون عليه الأوضاع .

• معلوماتنا بأنك قدمت إستقالتك من المخابرات بعد حرب الكرامة .. ولكنها رفضت ؟

حدث هذا في عام 68 كان جلالته  سعيدا بانجازات "حرب الكرامة " . وحين طلب رأيي قلت له في حينه بأني لاحظت في العشرة أيام الماضية بأن "إعلام أبو عمار" يعمل على تجيير النصر له وللفصائل الفلسطينية دون ذكر لدور الجيش الأردني . ويبدو أن الحكومة الأردنية غير واعية لما يجري . لا تصريحات ولا ردود على هذه الإدعاءات . وأضفت في حينه: " إن بقي الوضع كذلك سيهتز عرشك خلال عامين" .

غادر جلالته المكتب "شبه غاضب" ولحق به محمد رسول الكيلاني ليوصله لسيارته . ثم عاد لمكتبي وعاتبني كجنرال كبير صائحا هل يعقل أن تقول للملك بأن عرشه سيهتز ؟!! .

بعد أن أنهى نوبة الغضب التي إنتابته .. قمت وبهدوء بلملمة بعض حاجياتي الشخصية من المكتب و قدمت إستقالتي .

قال لي .. ولم تقدم إستقالتك؟!!

أخبرته بأني كنت أعتقد حتى اللحظة بأني "ضابط مخابرات" ولكنكم على ما يبدو تبحثون عن مهرجين . وأنا لست مهرجا ... ليست مهمتي على اية حال أن أضحك الناس أو اغضبهم . قمت بدوري الحقيقي أمام الملك . غضبك هذا وصراخك لا يعجبني .. وأنا رجل ذو كرامة ولن إقبل إهاناتك لذلك أقدم إستقالتي.

ظروف البلد ذهبت بالطريق الذي حددته .. وكعادته الملك كان يراقب كل ما يجري . فعاد الى الدائرة وطلبني بعد أسبوعين . وقال لي بأن الأمور تسير بالطريقة التي تحدثت عنها يا عدنان .

في تلك الفترة تقاعد أبو رسول .. وجاء مضر بدران مديرا جديدا للدائرة الذي أخبرني بأن جلالته يرغب بإرسالي في دورة حرب نفسية متخصصة الى بريطانيا .
تم إستقبالي في الكلية الحربية وإستضافتي في قاعة محاضرات وكنت لوحدي في الدورة وقاموا بعرض فيلمين على " البروجيكتر " سألني المحاضر عن محتواهما. قلت له عن حرب السويس أحدهم لبريطانيا والأخر من إنتاج مصر . قال لي ما رأيك في الفيلمين . أجبت الإنتاج المصري كان أفضل من البريطاني . قال : لماذا هل لك أن تكتب لنا الأسباب . حين قرأ ما كتبت قال لي هل تعلم لم أنت هنا . أنت هنا لتعلم هذه الأسباب .
أنت لست بحاجة لتلك الدورة . ستتناول معنا وجبة الغذاء وستعود للأردن .

• يقال بأنك أكثر من قضى مع جلالة المغفور له ساعات عمل بين أقرانك .

- مجموع ما قضيت مع جلالته 8 سنوات و3 اشهر دون إنقطاع , وهي أطول مدة لشخص يخدم في معيته دون إنقطاع . وهو ما جعل البعض يشعر بالغيرة والخوف من هذه العلاقة .
إسمع يا محمد أنا عمري الآن 80 عاما وأدعي بأن لدي الكثير من الحكمة . كان البعض يخشى جلالته ولكنه كان يحترمني وقريب مني لاني لم أطلب منه شيئا . وكنت ولا زلت أعتقد بأنه كان - رحمه الله - لا يخيف مستشاريه . لا يضطرك بأن تنافق وإسماعه ما يحب سماعه . كان يطلب من الجميع أن يقولوا كل ما في بالهم . ولكن بعضهم كان يخشى الحقيقة . كنت أقول له بأنك صاحب القرار أنا فقط أقول ما لدي بلا خوف ولا رغبة بإرضائه وكنت أقول ما أعتقد بأنه مصلحة للوطن .

• بدايتك كانت في حكومة عسكرية اول مرة. وفي ظروف ايلول الشهير. واحداث الشعب الداخلي حينها. وكنت جزءا من غرفة عمليات الدولة ضد التنظيمات. اليوم.، أين يقف ابو السعيد من الدولة وغرفة عملياتها في التعاطي مع ذوي الاصول الفلسطينية؟

- أنا دافعت عن الدولة عام 1970 ... ونجحنا بحمد الله ... التطورات التي حصلت في المنطقة تبرر موقفنا في حرب أيلول . إنقاذ الدولة كان شيئا مهما . معظم الفصائل تشكلت من الأحزاب الأيدولوجية وليست من فتح وهو الحزب الوطني . القانون وحفظ النظام أمر أساسي في أي دولة . من يعتقد بأنه يملك الحقيقة وحده فهو لن يسكت حتى يتم القضاء على النظام . ولو عاد التاريخ سافعل نفس الشيء.

• الانطباع السائد انك كنت الاكثر تشددا تجاه العلاقة مع منظمة التحرير خلال توليك وزارة الاعلام !!

- هذا كلام غير دقيق . كنت وزيرا للإعلام ..وكان هذا عملي ولم يكن متشددا . كانوا هم  - أقصد التنظيمات المسلحة - وسوريا والجزائر ومصر وحتى الكويت ضدنا . وكانت المعركة السائدة في المنطقة العربية هي المعركة الإعلامية بين الأردن المتهم بما سمي بالمجازر والجرائم التي أخرجت الفدائيين ... عليك أن تخبرني من سيقود المعركة الإعلامية .. وزارة الإعلام التي كنت أرأسها . قمت بتأدية واجبي الوظيفي .. فطلب مني الملك بعدها أن أكون وزيرا مدنيا .

• هل من ذكريات عن تلك الحقبة ؟

- عند إلقاء القبض على أبي جهاد وأبي إياد وإبراهيم بكر وشخص أخر لا أذكر إسمه ... أخذني مدير المخابرات في حينه لزيارتهم في مكتب وضعوا لهم فيه بعض الأسرة ولم يتم سجنهم .. قال لهم المدير هذا هو خبيرنا الأمريكي الذين تتحدثون عنه - كان إعلامهم يتهم الأردن في حينه بجلب خبراء أمريكيين لادارة الأزمة - كان موقف أبو جهاد وإبراهيم بكر عاديا لكن أبو إياد ويبدو بحكم - غزاويته -  على ما يبدو قال لي أعرف عنك منذ أيام الكويت وأنت وطني ومحترم ..وهذا حسب إعتقادي قد جاء بحكم علاقة أهل غزة مع مصر في حينه .. علاقة الحاكم والمحكوم !! .

• قلت في تبرير موافقتك على المشاركة في الحكومة انه " إذا تغير النظام بالأردن فستنتهى فلسطين لأنه حينئذ ستقول إسرائيل أن الأردن أصبحت فلسطين " هل توقف اليمين الاسرائيلي عن هذا الطرح ؟؟..وهل تعتقد بان هذا الخطر بات بعيدا عن الاردن بعد 40 عاما من قبولك بالمشاركة ؟؟

- لو خسرنا المعركة في عام 70 لكانت الحجة أمام إسرائيل هائلة بأن الخطورة ستصبح بتجمع العراق والدول العربية في الأردن لمحاربتها وأعتقد بأنها كانت ستخرج الفلسطيين من الضفة للأردن  . نحن ندرك بأن تصرف إسرائيل في الضفة لم يكن تصرف "دولة محتلة" وإنما دولة قامت بتحرير أراضيها من الأردن . وكان لديها خطة جاهزة لحكم ذاتي مؤقت بعيدا عن الأردنيين . فالتقت بأعيان فلسطين بعد 3 أيام على إحتلال 67 ضمن عقلية بأن ما يفعلونه هو " تنازل " من قبلها بترك الفلسطينيين ليعيشوا على أراضيها . الكلمات مهمة جدا في صياغة العقود .. خصيصا تلك السياسية منها.

• ذهبت الى ياسر عرفات وابو جهاد لتوقيع اتفاق ثنائي خلال الثمانينيات ولكن ولكن الزعيمين الفلسطينيين رفضا الاتفاق وكان ابو جهاد الاكثر تشددا في رفضه باعتقادك لماذا وضعت منظمة التحرير حدا للتنسيق مع الاردن في ذلك الوقت ؟

- لم يكن لي علاقة شخصية مع المنظمة وإنما علاقتي الرسمية . كنت في حينه أعمل في الديوان الملكي . وحين فشل أبو عمار في بيروت وبعيد ذهابه لتونس أحس بالغربة لبعده عن فلسطين . فساعدناه أن يقيم المؤتمر الوطني الفلسطيني في 84 في عمان . وأذكر بأني من كتب خطاب الملك في هذا المؤتمر . كان أبو عمار يعلم باتصالات الملك السرية مع الإسرائيليين واكتشاف المغفور له بأنهم لن يتنازلوا عن الأرض . وحججهم الكبرى كانت الأمن وبأنهم لا يثقوا بعرفات . كان الحل أن نؤجل هذه الحجة لديهم خصيصا بعد إزدياد الحركة الإستيطانية وكنا نحس بخطورة مرور الوقت وازدياد المستوطنات . والملك كان أيضا يخاف من عامل الوقت . إعتقدنا في حينه إن تمكنا أن نصبح شركاء في إسترداد فلسطين منهم عبر مفاوضات سلمية وتقديمها للمنظمة ضمن كونفدرالية لسحب حجة الأمن من إسرائيل .. وكلفت أنا من الملك وخالد الحسن من قبل أبو عمار فأنجزنا ما سمي باتفاق شباط عام 85 وقلنا لاعطاء هذه الإتفاقية البعد الواقعي  قمنا بتشكيل وفود مشتركة تذهب للدول الخمس في مجلس الأمن . قبل وصول هذه المرحلة كان أبو عمار يطالب بتغيير بنود الإتفاقية بشكل مستمر  .. حيث قمنا بتعديلها أكثر من مرة... وقمنا بطباعتها حسب التعديلات الأخيرة وكلفني الملك أن أزوره - أي عرفات - في بيت الضيافة لتوقيعها بعد توقيع الملك عليها .. طلبت منه أن يوقع .. دخل ابو جهاد للغرفة وأومأ لأبي عمار وكان بينهما إيحاءات خاصة .. قال ياسر عرفات لا أستطيع أن أوقع الأن ولا بد من أخذ رأي زملائنا في الكويت ويرجى إعلام الملك بذلك .. قلت له " إسمع يا أبا عمار ... أنا لن أنقل الرسالة عليك أن تتصل أنت مع الملك " ففعل ذلك على إستحياء .. وخرج من الأردن ولم يعد.

كان يهمنا في حينه أن يلتقي الجانب الأمريكي مع قيادة المنظمة .. نسقنا اللقاءات مع ريتشارد ميرفي ... ولم يتوصلوا لنتيجة . عندها أعلن المغفور له في خطاب عام 1985 بأنه لا فائدة من كل هذه المحاولات واللقاءات .

ولاستيعاب الوضع الفلسطيني تاريخيا . يتوجب علينا التحدث عن حقبة ما بين 67 الى 93 .

الأمم المتحدة في حينه عينت الوسيط الدولي ولكن إسرائيل كعادتها حاولت " شراء الوقت " ..في 72 وبعد أن خرجت المنظمة من الأردن وأصبح لدينا إستقرار أمني في الداخل . كان الملك يعلم بأن اسرائيل ستبدأ بإخراج الفلسطينيين الى الأردن . فقدم الملك الإقتراح التالي . قام بتشكيل لجنة لدراسة مقترح ما سمي في حينه " المملكة العربية المتحدة " لتشكيل "فيدرالية" بين الأردن وفلسطين . كنا نفكر هنا في الأردن بضرورة إيجاد "حل وسط "لأن أبو عمار كان يريد الضفة بالكامل . تم رفض الاقتراح من 3 أشخاص هم أبو عمار وجولدا مائير والسادات . رفضه السادات تقربا للمنظمة ..رفضته إسرائيل لقناعتهم بأن الأردن تريد الأرض لاعطائها للفلسطينيين . أما أبو عمار رفضها لقناعته بأنه يستطيع تحريرها .. وأعتقد هنا شخصيا بأن سبب هذا الموقف هو أن ثقافته عن الصهيونية " ثقافة ضئيلة " ...

وهنا بدأ الأردن يفكر بطريقة مختلفة .. حل المعضلة عن طريق فلسطينيين من الداخل " البلديات " تحديدا .. وإحضار احد خصوم أبو عمار لادخاله كإسم فتم إختيار " أبو الزعيم " الذي سكن في حينه داخل عمان .. وبدأ بزيارة المخيمات . مدخلنا للتعامل معهم عبر "خطة تنمية إقتصادية" لمساعدتهم . كل هذا حصل بعد عناد وتصلب ومراوغة مواقف المنظمة في حينه .. أثناء هذه الفترة وفي غمرة العمل الجاد لايجاد بديل عن المنظمة .. حصل ما لم نتوقعه .. "الإنتفاضة الأولى" وهي ما أوصلتنا لفكرة " فك الإرتباط القانوني والإداري " عام 1988 .

* سيتم نشر "الجزء الثاني" من لقاء معالي السيد "عدنان أبو عودة " خلال أيام

تعليقات القراء

 

    #1 عبدالناصر الزعبي
   
    هذه المصارحة والمكاشفة الصادقة والبريئة والتي تنم عن الرغبة للوصول الى قلب وعقل القارئ المتعطش للحقيقة ولمعرفة طبيعة مجريات الامور بعيدا عن المغالاة في وصف تلك المرحلة بما لا تحتمله
    اتمنى على ابو عودة ان يستمر بصراحته هذه وان لا يترك اي جانب بخصوص القضية الفلسطينية الا ويذكره
    واشكره على مكاشفاته هذه التي قد تساعد في فهم الكثير من الامور ولتنقية الاجواء لتمكننا من الالتقاء على قاعدة الفكر الوحدوي الذي يمكننا من مواجهة الفكر المعادي والاحتلال التوسعي
    #2 مخلد الحنيطي
   
    هذا الرجل رسم للأردن في مرحلة بناؤه خطا تصاعديا بدأ بالإنحدار عندما تهمش الكبار ..و هنا لا بد من الأشارة الى ان من بحبطون بالملك الآن لا يحسنون صنعا اي ان البطانه ليست صالحه .. شكرا آخر خبر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
    #3 ugdhk hgygfhk
   
    هذا الرجل اقراءوا كتابه تعرفوا كيف تبراء من الاردن