Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jul-2016

من يتحمّل المسؤولية: التاريخ أم صانعو التاريخ - د. صلاح جرّار

 

الراي - السياسيّ المحنّك هو الذي يحسب حساب التاريخ والمستقبل وينظر في العواقب قبل اتخاذ قراره، والسياسي صاحب الفطنة والنباهة هو الذي ينظر في النتائج بعيدة المدى أكثر من النتائج قريبة المدى، بينما السياسيّ غير الحكيم هو الذي لا يرى أبعد من أنفه ولا يفكّر في العواقب والمستقبل والنتائج بعيدة المدى.
 
وفي رأيي إنّ ما يصيب العالم من اضطراب في هذه الأيّام هو نتيجة طبيعية لقرارات سياسية غير حكيمة كانت عبر التاريخ ولم يلتفت متخذوها إلى نتائجها السلبية المستقبلية. هل يتوقع أيّ ظالم ينحاز إلى فريق من شعبه دون فريق أو إلى طائفة دون طائفة أن تنسى الطائفة المظلومة ظلمها مهما تعاقبت الأزمنة؟! وهل يتوقع ذلك الظالم أن تبقى الطائفة المظلومة رهينة الاضطهاد وأنّه لن تتاح لها فرصة الأخذ بالثأر ولو بعد مئات السنين؟! وهل يظنّ هذا الظالم أو القاتل أنّ التاريخ يمكن أن يغفل الجرائم والمظالم ويتناساها؟!
 
هل ظنّ الفرنسيون مثلاً وهم يغزون بلاد المغرب العربي ويقتلون ملايين البشر أنّ شعب الجزائر والمغرب وتونس سوف يسامحهم بهذه السهولة على تلك الجرائم؟! أو أن كتب التاريخ سوف تمحو تلك الجرائم من بين أوراقها؟! وماذا يتوقع الفرنسيون من أيّ جزائريّ يقرأ التاريخ الفرنسي الأسود في الجزائر في أي يوم أن يكون شعوره إزاء الفرنسيّين؟! هل يتوقعون أن يقابل جرائمهم بالعشق لهم؟!
 
وماذا يتوقع الإنجليز من أيّ عربيّ وهو يقرأ خيانتهم للشريف حسين وارتكابهم الفظائع في فلسطين والأردن، وتسليم فلسطين لليهود؟! هل يتوقعون منه أن يعشقهم ويرفع راياتهم فوق رأسه؟!
 
وما الذي يتوقّعه الصهاينة المحتلون وهم يدمّرون ويسلبون وينهبون ويقتلون في فلسطين؟! هل يتوقعون مع السنين أن يتعاطف الفلسطينيون معهم عندما تحين الفرصة؟!
 
وما الذي يتوقّعه الأمريكان وهم يحتلون العراق ويمزّقونه ويقتلون رجاله ونساءه ويدمّرون تراثه؟! هل يتوقعون من الأجيال العراقية القادمة وهي تقرأ هذا التاريخ الإجرامي أن تتعلّق قلوبها بحبّ الأمريكان؟!
 
وما الذي يتوقّعه الأمريكان وقبلهم الروس من الشعب الأفغاني بعد كلّ الذي فعلوه بأفغانستان؟! ولو مضيت في إيراد نماذج من التاريخ القديم و الحديث ممّا فعله الغزاة والظلمة والمحتلّون ضدّ البشرية لطال الأمر، غير أنّ المشترك في هذه الأحداث جميعها أنّ الشعوب التي تتعرض للظلم ويقع عليها العدوان لا يمكن أن تغفر للمعتدي أو الظالم مهما طال الزمن. وأنّ ذلك يدلّ على أنّ السياسيين الذين اتخذوا قرارات العدوان والظلم واضطهاد الشعوب كانوا قصيري النظر ولا معرفة لهم بالسياسة السليمة.
 
ولو قرّر السياسيون المتأخّرون تلافي آثار ذلك وإلغاء دروس التاريخ في المدارس والجامعات، فإنّ التاريخ نفسه لا ينسى وضمائر المجتمعات ووجداناتها لا تنسى.
 
وما دامت المجتمعات لا تستطيع أن تلغي التاريخ ولا أن تنسى ما وقع عليها من ظلم وعدوان، وما دامت هذه المجتمعات تدرك أنّ ما يعانيه العالم من اضطرابات وحروب يعود في الغالب إلى أسباب وعوامل تاريخية، فإنّ ما نستطيع فعله لتلافي آثار تلك المخلّفات التاريخية هو أن تتوقف القوى الكبرى عن الاعتداء على الآخرين حماية لمستقبل مجتمعاتها، كما أنّ عليها أن تعترف بجرائمها السابقة وتعتذر للشعوب المتضررة وتقوم بتعويضها عمّا لحقها خلال مراحل الغزو والعدوان.
 
وما عدا ذلك فإنها ستستمر في وضع شعوبها في حالة من القلق والحذر وعدم الشعور بالأمن والاستقرار.
 
salahjarrar@hotmail.com