Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jul-2015

الصور التي تواردت من المسجد الأقصى
الراي - سامح المحاريق - ليست المرة الأولى التي تتدافع فيها قطعان المتطرفين اليهود لساحات المسجد لإقامة شعائر استفزازية، وبالطبع، لا توجد مؤشرات أن هذه المرة ستكون الأخيرة.  
مشكلة التاريخ الذي يحمله اليهود المتدينون تتمثل في المبالغة والتهويل وصناعة الأساطير، ولذلك، فإنهم يتصورون الهيكل بوصفه مركزاً للعالم القديم، والحقيقة التاريخية، أن دولتهم القديمة كانت مجرد جملة اعتراضية في تاريخ منطقة متمدنة ومتحضرة، فبينما كانت القبائل اليهودية تنتظر حول الخيام من أجل أن يحكم الكهنة في بعض الأمور والمشكلات ثم ينسبوا تقديراتهم القائمة على مصالحهم للسماء، كان البابليون والفراعنة يبنون أرقى النظم الإدارية والعلمية السائدة في العصر القديم.
 كانت دولة متواضعة استغلت انشغال بلاد النيل والرافدين في صراعات داخلية لتحصل على وجود غير طبيعي وغير مقبول في المنطقة، وكانت استفاقة نبوخذ نصر كفيلة بإنهائها في ساعات قليلة، ولتعود الشعوب الكنعانية والفلسطينية إلى أماكنها الطبيعية.
الصهيونية لم تكن على الإطلاق حركة دينية، ولكنها علمانية استعمارية انتهازية، وعلى ذلك فالفكر الصهيوني متمسك بالأساطير اليهودية القديمة لأنها تشكل الوسيلة في استغلال الوضع الحالي، والدفع بالفكر الديني تجاه التطرف، وفي هذه المرحلة فإن الفلسطينيين من البسطاء يتكفلون بمواجهة الصهيونية بكل توحشها ونفوذها، وهم يعرفون بأن نضالهم يقوم أساساً لحماية ذاكرة وهوية جمعية تشترك فيها الشعوب الإسلامية والمسيحية في العالم كله، ومع ذلك فإنهم لا يلاقون إلى الدعم المتواضع والشحيح، ويتطلع المقدسيون وأهالي فلسطين إلى الغزوات العربية في شراء الشوارع والعقارات في عواصم أوروبا بكثير من الاستغراب، لأنه لا حركة مماثلة تستطيع أن تواجه التغول الصهيوني في القدس الشريف.
الصهيونية تعمل على تبرير توسعها بنظرية الفراغ، ولذلك أتت المذابح الجماعية التي سبقت 1948 لتفريغ الأرض من سكانها، ونفس الاستراتيجية تجري حالياً بخصوص القدس، فالتضييق على الأنشطة الحياتية والتجارية، والرعب الأمني في المدينة، يستهدف ضرب الوجود الفلسطيني خاصة بعد أن تدفق الفلسطينيون في الأشهر الماضية إلى المسجد الأقصى بصورة غير مسبوقة، وكانوا يرفعون أوراقاً بيضاء عليها أسماء اللاجئين في الشتات ممن لا يمكنهم العودة إلى القدس أو حتى زيارتها، تأكيداً على أن الوجود الفلسطيني الرمزي الذي يمكن أن تمثله ورقة بيضاء مرفوعة في رحال المسجد الأقصى تمتلك شرعية أكثر من وجود مدجج بالسلاح والكراهية والرغبة في الانتفام يمثله المتطرفون اليهود.
ما يسمى بدولة اسرائيل تمول من طرفها هذه النزعات، فهذه الطوائف الأصولية غير منتجة وتقريباً فهي لا تقدم شيئاً يمكن أن يعتبر مساهمة اجتماعية، ومع ذلك فإنها مهمة بالنسبة للعقلية الصهيونية لأنها تمثل التغليف الذي يشتمل في داخله على سلالة من الصفقات المشبوهة، كما لعبت قصة الهولوكوست ذلك الدور، وما لا يدركه العقل الصهيوني بأن صور المتدينين اليهود أصبحت تستفز الضمير العالمي وتصل إلى درجة إثارة التقزز والغثيان وأنه لا مكان في التاريخ المعاصر لهذه الأوبئة العقلية.
الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء من المسجد الأقصى تدين جيش الإحتلال في القدس وممارساته، ولكن لا أحد يمكنه أن يتبنى القضية في الوقت الذي يتغيب فيه أصحابها عن المشهد، وهذه هي الحالة في قضية الأقصى، فهي تختلف عن قضية اللاجئين التي يمكن أن تعتبر سياسية إنسانية في مفهومها الواسع، بينما قضية القدس فهي إدانة لضمير مستقيل من قبل أصحابها، فالفلسطينيون الذين يتزاحمون في الأقصى على الرغم من كافة الضغوط والتحديات والمخاطر يفعلون ذلك لأنهم يدافعون عن هوية المسجد الدينية ومكانته لدى جميع المسلمين بوصفه القبلة الأولى وثالث الحرمين، ولذلك فإن الفلسطينيين الذين خاضوا معارك جدار الفصل العنصري ومصادرة الأراضي واجتثاث أشجارها يعتبرون ذلك مجرد (نزهة) أمام استعدادهم للتضحية من أجل الأقصى أقدس مقدساتهم وآخر حصون الهوية الوطنية والحضارية بالنسبة لهم، يفعلون ذلك بينما كثير من المسؤولين الذين يفترض تضامنهم يتنزهون فعلياً.