Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    01-Feb-2019

رثاء مؤجل

 الدستور-عماد مدانات

ما الذي تغير في زمن تكاثر فيه الخوف كدود الجثث والماء المالح في الوجوه الخبيثة، واعتياد النميمة في سهر الناس!
أنا الشاهد مع عبور الريح في آخر الليل. رأيت خوف الشفاه يجمع لعثمة الحروف ويسقطها كفتات الطين تحت القدمين.
رأيت يداً تصافح ضدها وشفة تقبل جبين قاتلها في حطام، ورأيت أصابع تخدش جثتها في زقاق، وترفع أجفانها لإحصاء مجاري الدمع وصبها في جرار.
***
أنا الشاهد.. 
ولم أمكث في مكان كي لا أتبدد كالضوء في الجبال وأصاحب الشَتات، بل طرقت قدميّ على عتبات الخيام ونفضت الغبار، شهادة على البؤس ورداءة الحال. درس في متاهة العمر يا وجع الطريق. هكذا أخبرني رجل حزين كان يصطاد الجثث من الرمال، ويكدسها كالأصداف في الفراغ. 
في الدرب الطويل، همس في أُذني رجل ملتح كان يقود ناقة باتجاه الماء: 
الدروب موحلة ولا مفر من الليل، كلهم عبروا ولكن لم يصل أحد!
رسمٌ في الهباء..
***
كحجر في يد ولد مشاكس
كسنبلة معلقة في جديلة غجرية
كنت تائهاً أبحث عن فراشة تدلني على فسحة للسماء، ولم أجد ولي عينان تشبهان ظلاً في ماء قليل!
آه كم يشبهني العماء!
***
ترى ماذا يفعل أولئك الذين ينتظرون حبيباتهم عند سقوط المطر؟
ماذا يفعل أولئك الحالمون غير إعادة ضبط النبض والتنفس بصمت عصفور؟
ومصافحة الريح وهي تمر مسرعة في خلاياهم، والتخفي بخجل خلف الشجر كالقطط الجائعة في الصباح!
ماذا يتقن العشاق غير البكاء على كل واردة من الغيم غير النواح!
والتمني بيدين مفتوحتين على الفضاء
ماذا يتقن الشجر 
الغصن 
الورقة 
الظلال
 في آخر الصيف
غير العودة من جديد الى حضن الجدار!
ماذا يفعل العشاق في آخر الليل غير الندم، ولملمة الحزن من أرصفة القطارات، وجلدها في القصائد واخافة الكلمات وحشرها في المجاز الغريب، هكذا لمجرد انهم طغاة صغار في ساحة الكلام!
يريدون أن يصمت العالم 
أن يغلقوا البوابات على أسرارهم، ويخبئوا المفتاح
وها أنا وحيد كالشجرة البعيدة، كما لو أنني نبت غريب هناك!
أردد الأغنيات في روحي كي أخنق الصدى ولا يعود، كي أصوغ لحناً واحداً ينسجم مع رعشة البرد في دمي، ورقة الزهر في شفتيك وأنا أدفع برفق كتفيك للدخول بخطوة متقنة في القدم اليمين، الى مقهى يتسع للأشواق والغرباء والحالمين، ويحتمل الخسارات.
 لعل الحلم يصير نهارا!
***
ماذا أفعل يا أبي وهذي مشيئتك!
وهذي المدينة التي دفعتني اليها بيد الرجاء وأنا أطعت، لكني سقطت بين جدرانها كعشب غريب، متسكعاً وعالقاً في الفراغ بلا سبب، لا أحد يستظل بي، ولا أحد ينتظر من يدي إشارة، فالأصابع مجرد أغصان تالفة في الفراغ، لا أحد يشُد سترة الظلام من أحشائها في المساء، لا أحد يغني للرعاة والنجوم، ولا أحد يفتقد التلال بمجسات العارفين،لا أحد يعد خطواته في المساء سواي!
***
لا ظلال بين يدي غير وجهك البدوي وأحلامك، وما تتمنى لولد ضليع في اقتراف الهَبَلِ والتلويح للقمر بمنديل من ورق، والتأمل في الوان الوجود، وتأويل الصخب بما يشبه الأصباغ على حائط من تراب!
لا أملك شيئاً يا رجلاً سكنته العباءات والأمثال الناصعة والعثرات، والرضى الكثير بلا انقطاع كما التراب في حاكورة الدار، بلا أسباب أو نكد يُكَّفِر الحال!
يا أبي تمنيت بعد عشرين عاماً أن يظل قميصي فاقدا لأزراره كالمعتاد، يدي مجرَّحة والشموس تأكل من جبهتي كل ظهيرة وفي يدي رغيف، القنافذ العمياء هوايتي والسنابل الصفراء لي، الطرقات الساخنة لأقدامي العارية، ويدي لا تصافح الغرباء، لأنهم صناديق مقفلة بالرماد، وعلمتني الحَذَر! 
صدَقت يا أبي..
فأنا ولد رديء لكنّ خصالي طيبة، جوهرة معلقة في رقبة كلب سائب!
ولكن لماذا دفعتني الى المتاهات وأحوالها، ولم تترك لي إشارة واحدة كي أعود قبل أن ألبس الندم ويخنقني السؤال طيلة الأيام، وأدرت ظهرك كالغريب ومضيت!
أين معجمك اللغوي في الحكمة واقتناء الحَذَر في اللحظة المناسبة
من يملك المدائن غير أسرارها 
من يملك الأسرار غير سكانها
من يرتب التعاليل في ساحة القمر ويخيط أطراف الحكاية بمسلة السهر
يا أبي
أنا تائه وغريب في الردهات المطفأة، أسقط في الظلال وأتسكع كالنائحات في الأحزان، ولا مفر من المشي في الطريق
ولا سرفي صدري سواك!