Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Jul-2015

تفاهم تركي ـ أمريكي*بكر صدقي

القدس العربي-حتى حقائب اليد النسائية تتعرض للتفتيش في محطات الترامواي في غازي عنتاب. هذا ما شهدتُه عياناً، البارحة، بعدما سمعت حدوثه من شهود آخرين. وفي الفنادق، حيث تجري ورشات عمل لنشطاء سوريين، أصبح هناك حضور ثابت للشرطة وطاولة ثابتة لهم في المطعم. هذا مشهد يعرفه السوريون جيداً. فحيث أن كل سهرة جماعية في مطعم أو حفلة عرس كان يشترط لإقامتهما «موافقة أمنية» من عدد من فروع المخابرات، كانت دوريات تلك الفروع تحتل طاولة مخصصة لها بصورة «طبيعية» في أفراح السوريين ومناسباتهم.
إذا كانت هذه الظواهر طبيعية في «سوريا الأسد» فهي شاذة في تركيا المحكومة بنظام ديموقراطي علماني تجرى فيه انتخابات دورية تنبثق منها حكومات تتمتع بشرعية شعبية. وباستثناء العهود الانقلابية التي طبعت الحياة السياسية التركية في القرن الماضي، ما كان الناس يتعرضون للاعتقال من قبل الشرطة في الشوارع كما نرى اليوم.
بلغ عدد المعتقلين في الحملة الأمنية الأخيرة التي يشنها جهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة التركية، في طول البلاد وعرضها، أكثر من ألف شخص في غضون بضعة أيام. هذا لم يحدث في تركيا منذ عقود. وإذا كان عنوان الاعتقالات، كما تقول الحكومة وإعلامها الموالي، هو «الإرهاب» بصرف النظر عن تنويعاته (PKK وداعش ومنظمة يسارية تعرف اختصاراً بـDHKP -C)، فأي مراقب محايد يدرك أن المستهدفين، بصورة رئيسية، هم مناصرو حزب العمال الكردستاني وواجهته السياسية حزب الشعوب الديموقراطي. بل إن هذا الأخير هو المستهدف الحقيقي إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المنظمة المسلحة أكثر تحوطاً أمنياً ولا يمكن الوصول إلى أعضائها بسهولة الوصول إلى نظرائهم السياسيين.
نمت التطورات في تركيا، منذ مجزرة بلدة سروج الحدودية، ككرة الثلج. وعلى رغم أن تنظيم داعش لم يتبنَّ، إلى اليوم، الاعتداء الذي قتل فيه 32 من الشبان والشابات اليساريين، فقد شهد الشريط الحدودي اشتباكاً محدوداً بين مقاتلي داعش من الجهة السورية منه، وحرس الحدود التركي من الجهة المقابلة. ثم أغارت طائرات حربية تركية على موقع لداعش قرب بلدة الراعي السورية. لكن عدداً أكثر من الطائرات من فئة F16 شنت عدداً من الغارات على معاقل حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق. هل هي حرب على داعش أم على العمال الكردستاني؟
يرى جنكيز تشاندار أن أردوغان يريد بهذه الحرب أن يثأر لهزيمته في انتخابات السابع من حزيران/يونيو الماضي التي لم يستطع أن يهضم نتائجها إلى اليوم. يمكننا التأكد من صحة هذا التشخيص بالنظر إلى آخر ما صرح به الرئيس التركي قبل رحلته إلى الصين: «ينبغي على البرلمان أن يرفع عن نواب حزب الشعوب الديمقراطي الحصانة الدستورية»! قالها الرجل بهذا الوضوح، ودون أي شعور بالحرج من تدخله في شؤون السلطة التشريعية المفترض أنها مستقلة وسيدة نفسها، وموجهاً النواب الذين انتخبهم الشعب نحو معاقبة زملائهم المنتخبين مثلهم.
جاء هذا «التوجيه الرئاسي» بعد يوم واحد من مطالبة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي النيابة العامة التمييزية بحل حزب الشعوب الديموقراطي، فيما يذكرنا بأسوأ فترات الحياة السياسية في تركيا حين كانت الأحزاب الكردية والإسلامية تتعرض للحل قانوناً كل بضع سنوات. قال كل من رئيس الوزراء داوود أوغلو ورئيس الجمهورية أردوغان إنهما لا يؤيدان حل الأحزاب «بصورة مبدئية»، وما كان لهما إلا أن يقولا ذلك بالنظر إلى أن التيار الإسلامي تعرضت أحزابه للحل أكثر من مرة. لكن أردوغان استنبط طريقة أخرى، أشد قسوة، للقضاء على الحزب الكردي الذي كان نجاحه في تجاوز حاجز العشرة في المئة في الانتخابات النيابية الأخيرة، سبب خسارة حزبه الغالبية المطلقة وتلاشي أحلامه في نظام رئاسي يضع بين يديه صلاحيات تنفيذية مطلقة. نقول أشد قسوة لأن رفع الحصانة سيعني انتقال النواب الكرد من البرلمان إلى السجن كما سبق وحدث لأربعة نواب كرد في التسعينات.
هذه هي خلفية ما قيل عن تفاهم تركي ـ أمريكي تم إنجازه أخيراً بشأن الحرب الدولية على داعش. فبموجب هذا التفاهم فتحت تركيا قاعدة إنجرلك أمام استخدام طيران التحالف الدولي لضرب مواقع داعش داخل الأراضي السورية. ترى ما الذي قدمته واشنطن لأنقرة مقابل ذلك؟ الشائع هو أنها استجابت لأحد مطالب الحكومة التركية ألا وهو السماح بإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، تمتد من جرابلس إلى إعزاز، وتصل بالعمق إلى بلدة مارع شمال حلب.
لكن التدقيق في أمر هذه المنطقة يظهر أنها ليست «آمنة» ولا «حظر طيران» بل اسمها «منطقة مطهرة من وجود داعش». ما الجديد في تطهير المناطق من داعش وفقاً للأهداف المعروفة للتحالف الدولي؟ الجديد هو فقط انطلاق طيران التحالف من نقاط قريبة بدلاً من اضطراره لقطع آلاف الكيلومترات من الخليج العربي إلى شمال سوريا. لكن موقع هذه المنطقة يشير، من جهة أخرى، إلى استجابة أمريكية لهواجس الحكومة التركية بشأن تمدد قوات حماية الشعب الكردية لوصل الكانتونات الثلاثة للإدارة الذاتية في كيان واحد على طول الحدود السورية ـ التركية. فإذا أخذنا بنظر الاعتبار، أخيراً، تصريحات الناطق باسم الخارجية الأمريكية بشأن «حق تركيا في الدفاع عن نفسها في مواجهة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق» اتضحت المقايضة الأمريكية ـ التركية: فتح قاعدة إنجرلك لضرب داعش مقابل ضوء أمريكي أخضر لضرب حزب العمال الكردستاني، وهو ما لاقى، إضافة إلى التأييد الأمريكي، تأييداً مماثلاً من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي معاً. ولكن ماذا بشأن «الحل السلمي» الذي كانت تعمل عليه أنقرة بالشراكة مع حزب العمال الكردستاني وقائده الأسير عبد الله أوجالان؟ أوجالان معزول عن العالم الخارجي منذ أربعة أشهر، والمفاوضات متوقفة معه، منذ أعلن أردوغان أنه «ليست هناك مشكلة كردية في تركيا»!
الحل السلمي انتهى، ويتعرض النشطاء الكرد من حزب الشعوب الديمقراطي لصيد ساحرات، والنيابة العامة بدأت دراسة ملف حل الحزب الكردي ذي الثمانين نائباً في البرلمان، وأردوغان يطالب برفع الحصانة عنهم تمهيداً لاعتقالهم ومحاكمتهم بتهمة دعم الإرهاب. كل ذلك تمهيداً لانتخابات مبكرة يخرج فيه الكرد من المشهد السياسي ويستعيد الحزب الحاكم غالبيته المطلقة ليعيد صياغة النظام السياسي على قياس الزعيم الأوحد.

٭ كاتب سوري