Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Aug-2014

غزة وقواعد التفاوض*د.احمد جميل عزم

الغد-يبدو أنّ المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية بشأن قطاع غزة قد بدأت بالتقدم باتجاه اتفاق، وإن كان هذا لا يعني أن الاتفاق سيجري الوصول له فعلا. لكن في السياق، فإنّ جزءا أساسيا مما يحدث يتعلق بالتفاوض حول أسس عملية التفاوض ذاتها، وهي قضية بالغة الأهمية. والتقدّم نحو اتفاق سيكون بحد ذاته اتفاقاً حول قواعد التفاوض، بقدر ما هو اتفاق حول الشؤون السياسية والميدانية على الأرض. وفي السياق ذاته، كان لافتا ما قاله رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل، في لقائه مع وكالة الأنباء الفرنسية بشأن المفاوضات مع الإسرائيليين وليس بشأن غزة ووقف إطلاق النار وحسب؛ إذ قال: "المفاوضات بين الأعداء ليست محرمة شرعا. (...) يصبح التفاوض مع الأعداء واقعيا ومنطقيا ومجديا عندما يلجأ الطرف الآخر للسلام (...) نعرف متى يمكن أن تكون هناك مفاوضات ذات جدوى مع المحتلين، لكن لم يأت أوانها بعد".
في الشق الخاص بمفاوضات غزة، فإنّ تكتيك "تأجيل التفاوض" فشل بفضل المقاومة. ولكن يبدو التركيز الآن على تكتيك "مرحليّة التفاوض"، وأنّ المقاومة قد تقبل بهذا بشروط معينة.
كانت "عقدة المنشار" في غزة أنّ المقاومة، ممثلة بحماس والجهاد الإسلامي، لا تريد أن تصل إلى وقف إطلاق نار من دون اتفاق مع الإسرائيليين بضمانات مقنعة، لأنّ الفلسفة الإسرائيلية التفاوضية كانت دائماً دفع الطرف الفلسطيني إلى التخلي عن أوراقه التفاوضية متمثلة في وقف أعمال المقاومة (كما حدث مثلا في اتفاقية أوسلو، عندما وقّع اتفاق يوقف الانتفاضة والمقاومة ويجعل المفاوضات بعد ذلك). وما يريده الإسرائيليون أن يفاوضوا من دون أي ضغط ميداني عليهم.
بكلمات أخرى، ما كان يسعى إليه الإسرائيليون هو تأجيل المفاوضات، وهو ما كانت تعنيه المبادرة المصرية منذ البداية.
ولكن هذا لم ينجح، فانتقل الإسرائيليون لعرض "مرحليّة التفاوض"؛ بمعنى أنّه يجري الترويج أو على الأقل التسريب إعلاميّا الآن أنّ الإسرائيليين سيقبلون ببعض المطالب الفلسطينية، وأنّه تم الاتفاق على القبول بها، على أن يؤجل التفاوض على بعضها لشهر أو اثنين، مع بعض الوعود الفضفاضة. أي ستكون المفاوضات على مراحل، تبدأ ببعض إجراءات فك الحصار عن غزة الآن، بما في ذلك إنهاء الحصار المالي الذي ربما أعاق صرف الرواتب في القطاع، ويعيق عمليات إعادة البناء وما شابه، ويسهّل قضايا الكهرباء والدخول والخروج، فيما تؤجل قضايا المطار والميناء والأسرى. ورغم أن تكتيك مرحليّة التفاوض خطِر مع الإسرائيليين، وهو ما فعلوه في "أوسلو"، إلا أنّه في بعض الملفات، مثل الأسرى، توجد لدى المقاومة أوراق للتفاوض بشأنها بوجود أسرى لديها، كما أنّ ثمن استمرار المواجهة هائل، وإن كان يمكن تجديد المقاومة ووسائل الضغط بطرق مختلفة.
على أنّ أهم ما في مرحليّة المفاوضات، بتأجيل قضايا تتعلق فعليّا بتحقيق الاستقلال والسيادة للفلسطينيين في غزة، من مثل المطار والميناء، أنّها ستطرح على بساط البحث مسألة التفاوض مع الإسرائيليين عموماً. وما قاله مشعل هو أمر صحيح تماماً، من حيث إنّ التفاوض بحد ذاته قضية اعتيادية وجزء من الصراع وإدارته (بقدر ما هو جزء من التسوية). ولكن إذا صار التفاوض على مطار وميناء خارج سياق المواجهة العسكرية المباشرة في غزة، فسيصبح السؤال: لماذا لا يشمل التفاوض الحدود والمطار في الضفة الغربية؟ وإذا سقط التحريم الشرعي والسياسي على ذلك، فسيصبح السؤال: ما الذي يمنع التفاوض على قضايا شبيهة في الضفة الغربية؟ وسيصبح الأمر تجزئة التفاوض مع الإسرائيليين ودخول المقاومة فيه!
سيكون جزء من الرد متضمناً في حديث مشعل ذاته "نعرف متى يمكن أن تكون هناك مفاوضات ذات جدوى مع المحتلين لكن لم يأتِ أوانها بعد". بمعنى أنّه سيصبح الأمر متى وكيف تجري المفاوضات، وكيف تصبح مثمرة وليست عبثية، وما هي أوراق القوة الفلسطينية، بدل أن يصبح مبدأ التفاوض "محرّماً".
مرحلية التفاوض خطر كبير جداً. ولكن إذا أحسن التعامل معها، فيمكن أن تكون خياراً أقل سوءاً من سواه. وتبقى مسألة استراتيجية التفاوض الوطنية التي تكون جزءا من عملية الصراع ومن المقاومة، أمرا يحتاج لاستراتيجية عمل فلسطيني متكاملة.