Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Jul-2017

السلام..حلم في منطقة تحتفل بالموت - رومان حداد
 
الراي - تبدو كلمة (السلام) حلما بعيد المنال هنا في منطقتنا، التي أصبحت فيها الحرب تدخل ضمن قاموس مفرداتنا اليومية، وصخبها صار إيقاع حياتنا المتواصل الذي يرسم صورة ضبابية للمستقبل، في الأردن حيث يحدنا الموت والدمار والحروب من ثلاث جهات يصبح للحياة مذاقها الخاص وموسيقى كلمة (السلام) حين تتردد على الألسنة يكون لها وقعها العجائبي المختلف.
 
الأطفال الذين ولدوا مع بدايات القرن الواحد والعشرين، لم يشهدوا نهاية القرن الماضي حين كانت تباشير السلام وأحلامه تحيط بالمنطقة، حيث شهدت بدايات القرن الحادي والعشرين الحرب على الإرهاب ومن ثم الحرب المدمرة على العراق، والتي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى وملايين المهجرين، وتصاعد خطاب الكراهية الطائفي والديني، وتحولت بغداد من عاصمة للثقافة والمعرفة والانفتاح إلى منطقة خضراء وأخرى ليست بخضراء، وتحول العراق إلى خبر يومي يسرد في تفاصيله أعداد الموتى والجرحى.
 
ومع هبوب رياح الأيام الأولى من هذا العقد كانت المنطقة على موعد مع تجربة مجنونة، تداخلت فيها أحلام التحرر والعيش الكريم لدى فئة الشباب مع طموحات فئات بهدم الدول والوصول إلى سلطة حكم الخراب، فكان ما سماه البعض بالربيع العربي، حيث لم تعد ليبيا بعد من عاصفتها ناجية، وسوريا لم تعد مشهورة بالكبة والطعام والكلمة الجميلة، بل صارت مستنقعاً للحرب والأسلحة الكيماوية وجنون التطرف الديني الذي أطلقوا عليه اسماء عدة بداية بداعش وليس نهاية بجبهة فتح الشام.
 
ولليمن كانت قصته الخاصة، فاليمن غادر خانة السعادة وصارت عدن عدوة لصنعاء، وما زالت القنابل والصواريخ هي الهدايا الوحيدة التي يتلقاها اليمنيون من السماء، وأطفالهم دخلوا زمن المجاعة، وعادت الأمراض القديمة من كوليرا وتيفوئيد وغيرها من الأمراض التي غادرت ذاكرتنا حين كنا نستثمر بالإنسان.
 
وعدنا في المنطقة إلى زمن هاجر ذاكرة الشعوب الأخرى، فها هي النساء تسبى وتباع، وأطفالنا يموتون في البحر قرباناً لحلم الوصول إلى ضفة أخرى آمنة.
 
حين أسرد هذه الأحداث أشعر بكهولة مفاجئة تباغتني، وأرتبك على سنوات طفولة أولادنا، فجيلهم هو الذي شهد على أطفال راحوا ضحية الحروب موتاً أو تهجيراً أو مجاعة، وهم من شهدوا في الأردن كيف حضنا مئات الآلاف من أِشقائنا العراقيين والسوريين واليمنيين والليبيين، ومن قبلهم أشقائنا الفلسطينيين، ليشكل الأردن لوحة موزاييك فريدة من نوعها، ولنشعر جميعاً بدفء وطننا واتساعه رغم صغره.
 
أين السلام في كل ما بحت به سابقاً، إنه الكلمة السحرية أو ذلك الشعور الذي نتوق إليه أكثر من أي وقت مضى. فرغم كل هذه الحروب أرى أن جيل أولادنا هو الجيل الجاهز لصناعة السلام، فهو الجيل الذي أمضى أكثر من نصف حياته وهو يعايش الموت والدمار، ولم يتنعم بوجود منطقة آمنة يستطيع التنقل فيها بإراة وحرية وسلام، لم يستطع أن يمتلك حلماً قابلاً للتحقق في الغد، ولم يكن قادراً على التفكير بالمستقبل.
 
حين أقرأ عن قصص السلام في العالم من تشيلي وكولومبيا إلى إيرلندا الشمالية إلى جنوب إفريقيا ورواندا، أدرك أن السلام ممكن مهما اشتدت الظروف وصار القتل والذل والدمار خبراً يومياً معتاداً، فالروح الإنسانية الحرة تتوق للسلام كما الجسد يتوق للطعام والماء، وأدرك كلما أقرأ أن السلام يبدأ يبحلم يراود روح الأبرياء فيصوغه من يملكون الرؤية ويصنعه الشجعان.
 
وحتى ذلك اليوم الذي يتحقق به السلام في منطقتنا، سأبقى قادراً على الحلم ولن يحرمني منه صوت الحروب ولون الدماء، بل ستزيدني صورة طفل مشرد رغبة وجرأة أكبر كي أنادي بالسلام، الذي يحترم الإنسان ولا يفرق بيننا استناداً للدين واللغة واللون والجنس، ويرفض خطاب الكراهية والحرب والقتل كأدوات لاقتسام النفوذ، سأبقى أحلم وأردد ما باحت به روح شاعر عظيم كمحمود درويش حين قال: على الأرض ما يستحق الحياة.
 
وما قاله يوماً شاعر غجري بوصفه للحرب:
 
أتعلمون ما هي الحرب
 
هي محو ذاكرتك وزرع ذاكرة الآخر فيك.