Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Nov-2017

من الدوار الثالث إلى الزعتري: طريق مفروش بالورود أم بالأشواك(1-3)؟ - د. ذوقان عبيدات

 

(1) الباحثة زينة أبو عناب وأنا 
الغد- حين عثرت صدفة على دراسة الأستاذة زينة أبو عناب عن مؤسسات المجتمع المدني، جالت في نفسي خواطر عديدة، ليس أهمها مشكلة التمويل الأجنبي، واضطرار أي مؤسسة للخضوع لطلبات الممول، وبعيداً عن هذا، فأنا أقر بأن بعض التقاطعات الإيجابية قد تحدث بين فكر أجنبي - حتى لو كان معاديا- وليس كل الأجانب كذلك، وبين حاجة وطنية حقيقية، وما أكثر حاجاتنا.
هناك تقاطع او تطابق بين ما نحتاج اليه من حقوق إنسان، بين اللوائح الدولية وبين ما تحتاجه المرأة الاردنية وبين بنود "سيداو"، بين حاجات أطفالنا وما تقدمه "اليونيسيف" مثلاً. فليس كل أجنبي عاراً، ولكن ما استوقفني فعلاً في تلك الدراسة هو كيف تدار مؤسساتنا؟ ومن يتابعها؟ ومن يضمن وطنيتها؟ وماذا تقدم؟ وكيف تزعم أنها أنجزت؟
أذهلتني الدراسة فيما يأتي:- المسافة الهائلة بين ما نحتاجه وبين خطط الجمعيات ومشروعاتها. - الفرق الهائل بين كلفة الأداء وبين قيمة الناتج، فنحن نصرف الكثير دون أي عائد مهم. - تناقضات خلق مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة، وإلا ما قيمة ان نساعد فقيراً تساعده صناديق التنمية الاجتماعية. - التمييز بين مستحقي الخدمة، حيث تفرض الجهات المانحة أولوياتها دون اعتبار لحاجاتنا.
ايضا - الرشاوى التي تقدم لمتلقي الخدمة من مكافآت ودعوات وعشاءات. - خلق طبقة انكشارية متعالية من موظفين برواتب عالية، يسعون للمحافظة على رواتبهم من خلال طاعتهم وخضوعهم لشروط المانحين. - التغني بإنجازات وهمية لا ترتبط بأي واقع. - تدريبات ومشروعات هشة لا صلة لها بقيمة تربوية. - مسايرة الجهات المانحة، الى درجة ان مؤسسة طفولية استنكرت مشاركة من يقل عمره عن 18 عاماً في هبة تشرين ضد ارتفاع أسعار المحروقات.
هذه القضايا وغيرها، ستكون موضوع مقالة ثانية، حيث تركز هذه المقالة على التضاد الوجودي بين المترفين مقدمي الخدمة وبين المسحوقين من متلقيها.
(2) "الليكزيس" وشجرة الزيتون
حين كتب توماس فريدمان كتابه الشهير في الثمانينيات بعنوان "الليكزيس وشجرة الزيتون"، كان يهدف إلى إمكان جمع تناقضين: هما الأصالة والمعاصرة.
الزيتون بما يمثله من أصالة وارتباط بقيم زراعية سادت قبل العصر الصناعي ترتبط بالبساطة والسذاجة والمحبة والرعاية والأمل والانتظار. وسيارة "الليكزيس" بما تمثله من حداثة وارتباط بقيم ما بعد الصناعة، ترتبط بالسرعة والاناقة والتكنولوجيا والتعقيد والبعد عن البساطة.
كانت الزيتونة ثابتة راسخة تجبر أصحابها على الثبات والرسوخ حولها، وكانت "الليكزيس" متحركة كأن لا وطن لها، أشبه بولّادة بنت المستكفي حيث تعطي قبلتها لمن يشتهيها، أو حين تتيه تيها. لاحظوا استخدام كلمتي الأناقة والتيه كصفات لسيارة "الليكزيس" وربما لكل إنسان "ليكزسي" يشاركها صفاتها. ولنا عودة لهذا!
(3) الوجه الأبيض والشعر الأسود
قديما قال الشاعر ابن دوقلة المنبجي واصفاً السيدة الجميلة: "فالوجه مثل الصبح مبيض.. والشعر مثل الليل مسوّد"، "ضدان لما استجمعا كملا.. والضد يظهر حسنه الضد". وهنا محاولة أيضا للجمع بين الأضداد: الصبح والليل والأبيض والأسود.
فهل وفّق الشاعر في جمع المتضادين بينما فشل الجمع بين "الليكزيس" وشجرة الزيتون؟ وهل يمكن دائماً التوفيق بين المتضادات؟
في المثال الأول: تميزت "الليكزيس" بالأناقة والتيه، ولذلك رفضت ان تعانق الأرض، بل سارت بغرور فوقها غير آبهة بما تحتها، فمن صفاتها الجديدة أيضاً التعالي اضافة الى الصفتين السابقتين.
لكي تشتري سيارة ليكزيس - كلفة موادها الأولية من حديد وأسلاك وجلود لا تعادل كلفة حراثة بستان زيتون فيه عشر شجرات؟! 
فشتان بين متعال، أنيق، توّاه وبين أصيل واقعي متواضع. وفي المثال الثاني جمع ابداعي للأضداد مع تمييز عنصري ضد الشعر الأسود.
(4) الدوار الثالث و"الزعتري"
إذا استوعبنا الفرق بين بياض الوجه وسواد الشعر، والإبداع الناتج عن تآلف الاضداد، وإذا استوعبنا الفرق بين تضاد "الليكزيس" والزيتون، فإننا مداهمون فوراً بين تضاد ثالث هو بين الدوار الثالث ومخيم الزعتري.
في الدوار الثالث، أناقة مرئية، وكان يوماً ما متعالياً بصفته الأجمل في عمان، وأن شارعه "الحسين بن علي" الممتد من هلال الدوار الى مبنى المخابرات القديم كان أشبه بشاطئ بحري حرمت منه عمان!
في الدوار الثالث نفسه تلتقي "المتضادات": تطلعات رأس العين، وأحلام الدوار الثاني، وغيرة وسط البلد. فهل استطاع الدوار الثالث ان يجمع هذه الأشتات؟ وفي جمع الأشتات إبداع!!
وفي الزعتري حيث تدفن الأحلام، ويئن الضحايا وتدفن الجميلات رؤوسهن.. في الزعتري تنعكس حروب عالمية تسلطت على سورية فكان الزعتري ملتقى غباء الثوار وأحلام الديمقراطية والايدي الانسانية الحنونة التي امتدت عبر عشرات الكيلومترات او آلافها، لتلتقط صورة لفنانة عالمية جاءت لتزيد شهرتها في الزعتري، او لرئيس جمعية أو منظمة أو تاجر اكتشف نفط الزعتري فوجّه رحلة الشتاء والصيف اليه حيث تقتات الثروة على الفقر، والأناقة على دمار الإنسانية.
نعم صار الزعتري مزاراً بل كراجاً يلتقي فيه الناشطون مع الفاسدين، والأنيقات الشكليات مع ملائكة الرحمة. والنوايا الطيبة مع المظهرية التي لم تخف سوء النوايا.
(5) الدوار والمخيم
الدوار الثالث، محروس بفندقين من ذوات النجوم. وربما بعدد من مؤسسات الدعم والعون والفزعة. ولكنه ايضاً يفخر شموخاً بأجمل فنادق عمان. في الدوار الثالث مصطلحات عديدة كلها خير خالص، كاليقظة والحظوة والتقدم دون تراجع، ونشامى الخير والجواهر والدر. والعاملون دون حدود، والمبادرون.. فالفنادق في الدوار الثالث ما وجدت الا لتنقل آلام اللاجئين. ومن لليتامى ومشردي الحروب غير فنادق النجوم الخمس؟
(6) أخيرا..
وأثير في ختام هذه المقالة، أسئلة مثل: هل يمكن للدوار الثالث أن يحل مشكلات الجيل الثالث من اللاجئين: لبنانيين هم الجيل الأول، ثم عراقيين ثم سوريين؟.. ماذا يعرف سائق "الليكزيس" الأنيقة عن مطبات داخل خيم اللاجئين السوريين؟
وختاماً: هل لدينا مؤسسات مجتمع مدني ليست مصابة بأمراض الشكلية والاستعراضية؟ هل لدينا مؤسسات مجتمع مدني تطوعية فعلا؟ ولماذا لم نسمع بها الا حين تقيم احتفالاتها في فنادق الدوار الثالث؟ 
ترى، لو أقامت هذه المؤسسات احتفالاتها في مدارس أو شوارع، هل سيحضر أحد؟ أو، لو لم تعدْ المؤسساتُ الحضورَ بغداء فاخر بعد الندوة هل سيستمر أحد في الحضور والمتابعة؟
هذا ما عهدته عن واقع المؤسسات، أما أمراضها المزمنة فستكون موضوعاً للحلقة التالية.