Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Sep-2014

بوح تفاعلي: المشقر.. صيحان
الراي - كتابة وتصوير:  مفلح العدوان -  نعود بين فترة وأخرى، في بوح القرى، إلى حديث الأهل هناك، تداعيات ذاكرتهم، وردود أفعالهم على ما كنا كتبناه عن قراهم، أو ما يريدون قوله حول أمكنتهم التي لم تتح لنا فرصة زيارتها، فنكون في هذا الحال مستمعين لأقوالهم ومستمتعين بما يتحدثون به من حكايات، ونستفيد من بوحهم، وإن لم نلتقهم، ففي رسائلهم حميمية واشتياق، تذكر بكتابات العشاق في جانب منها، والأرض القرية معشوقة، ونحن شهود المحبة هذه، ندونها، ما استطعنا الى ذلك سبيلا.
هنا، في هذا البوح، رسالتان، واحدة جاءت من أهل عزيزين على قلوبنا، من قبيلة العجارمة الطيبة الأصول، وفيها توضيح، وإضاءات، حول ما كنا كتبناه عن العجارمة، أثناء زيارتنا لقرية المشقر، وكتابتنا «بوح القرى» خلال الأسبوعين الماضيين عنها. أما الرسالة الثانية، فهي حنين، وشجن، وبوح معتق، من الجنوب، جاءت لتلقي الضوء على نبع صيحان في الشوبك، وفيها مقارنة بين ماضيه الجميل، وبين واقعه الحزين، يكتبها بلغة شفيفة الأستاذ اسماعيل الطورة.
 
توضيح من مجلس العجارمة
كتب أمين عام مجلس عشائر العجارمة الشيخ يوسف سلمان السواعير العجارمة، هذا الرد على ما نشر في مادة بوح القرى التي نشرت خلال الأسبوعين الماضيين، على مدار حلقتين، حملتا عنوان «المشقر.. القدح المشجر»، ولأن فيها إضافة على ما كُتب، وتوضيح وتصحيح لبعض المعلومات التي وردت حول عشائر العجارمة، ننشر هذا الرد، مع كل التقدير للجهود الخيّرة في توثيق التاريخ وكتابته وتدقيقه: «إن ما نشر في جريدة الرأي، وفي المقالين المنشورين الأول والثاني بحاجة بعض المراجعة والتدقيق (فيما يخص عشائر العجارمة)، وعن أعداد «الخيم» «المساكن كانت عبارة عن بيوت الشعر وليس الخيم» التي تشكل المساكن في ذلك الزمن. ونلفت النظر الى أن قبيلة العجارمة من أقدم قبائل البلقاء كما ذكر المسعودي والقلقشندي والسيويدي في كتبهم التي تعنى بالأنساب، وآخره ما ذكره ابن بطوطة في ثنايا كتاب رحلته؛ قبيلة العجارمة قبيلة عدنانية ذات أصول مضرية تحدرت من جذام في اليمن وفرضت قبيلة العجارمة سيطرتها على منطقة البلقاء وبقوة فرسانها ما يقارب القرنين من الزمن ما بين عام 1300-1600م، ولم يضعفوا الا بعد أن فتكت بهم الأمراض مثل الطاعون والفتن التي كانت تؤججها الدولة العثمانية، ومن ثم آلت إمارة البلقاء الى المهداوي، وبعدها الى إبن عدوان.
ونتمنى فيما يخص عشائر العجارمة عند الكتابة أن لا يتم تناسي أو إغفال أي جزء من هذه العشائر، بإغفال الأفخاذ والعشائر المهمة، والذين هم يقطنون الأردن منذ قرون طويلة وأن يتم تحري الدقة من المصادر التي يستقى منها المعلومات، حيث أن البلقاء كانت تمتد من جبال عجلون شمالا الى مادبا جنوبا، وكانت إمارة أيام الصليبيين وأثناء معارك القائد صلاح الدين الأيوبي، وقد التحق فرسان من العجارمة بقيادة أميرهم محمد بن نافع بن نوفل العجرمي مع جيوش الناصر صلاح الدين الأيوبي في معاركه ضد الفرنجة كما وردت في محاضرة معالي الدكتور محمد نوح القضاة».
 
قوافل الشهداء
«كما أن عشائر العجارمة قدمت عددا كبيرا من الشهداء من أبنائها في مقاومة الحكم التركي مع باقي شرفاء العرب، ومن بعد ذلك قاموا بمقاومة الانتداب البريطاني مع باقي أبناء الأردن وقدموا الشهداء والجرحى والاسماء المعروفة. وفي فلسطين السليبة كانوا مع باقي أبناء البلاد العربية وكان لنا التواجد الكبير مع المناضلين العرب، وقدمت العشيرة قوافل الشهداء دفاعا عن أهل فلسطين وأرضها عام 1948م، وأثناء المعارك ما بين 1948-1967م، حيث كنا جنودا وضباطا وشعبا وقوفا مع جيشنا العربي دفاعا عن المقدسات في القدس وفلسطين وقدمنا قوافل الشهداء في تلك المرحلة. ودليل امتداد العجارمة وقوتهم في القرن السادس عشر هو وجود بيادر العجارمة في جرش وآبار مياههم في منطقة الطافح شرقي الزرقاء، وأثناء معارك صلاح الدين الأيوبي تابع عدد كبير من فرسان العجارمة وعائلاتهم الى مناطق فلسطين وغزة والخليل حتى السلوم على حدود ليبيا ومرسى مطروح في مصر، وبعد انتهاء المعارك عاد قسم كبير منهم من منطقة السلوم الى سهول حوران وهضبة الجولان السورية واستقروا فيها».
 
العشائر الرئيسية
«وخلاصة القول فإن قبيلة العجارمة هي قبيلة عدنانية امتدادها بامتداد الوطن العربي. أما تواجدهم الحالي في المملكة الأردنية الهاشمية، وحدودهم من رأس عمان حتى العريش جنوبا، ومن سطح البحر غربا حتى الخط السلطاني شرقا، وهي مكونة من العشائر الرئيسية التالية:
السواعير: وعشائرهم النوافعة، والناعور، والرحيل، والقديسات، والحسابين، والربايعة، والحمود، والياسين، والمخنى، وسكناهم ناعور، والبصة، والعامرية، وام القطين، وأبو نقلة، ودبيان. الحرافيش: وعشائرهم المساعفة، والغانم، والمناعسة، والزوغة، والعيادة، والبكار، والدويسات، والبياضية، والجدوع، ومناطق سكناهم الروضة، والعال، والمنصورة، وسيل حسبان. السفا: وعشائرهم الشهوان، والفليح، والدروبي، والفالح، والفقرا، والعويدي، والحلاحلة، والخبايبة، والعرمان، والعريمي، والمصاروة، والعودات، وسكناهم أم البساتين، والسامك، وأم العساكر. الشريقيين: وعشائرهم العواودة، والبراري، والمشاعلة، والشيحان، والعمار، والعمران، وسكناهم حسبان وما حولها. المطيريين: وعشائرهم المطر، والعقيل، والشوفيين، والهلالات، والمكانين، والماضي، والحمد، والقصاص، وسكناهم المشقر وما حولها. العفيشات: وعشائرهم العبيد الله، والمحمد، والسمور، والبحر، والدبيس، والمصلح، والعشران، وسكناهم ناعور، ومرج الحمام. المرعي: وعشائرهم الفالح، والفلاح، والمفلح، والرشاوين، والردون، والسمارنة، وسكناهم البنيات، وناعور، وحسبان.
وأخيرا وليس آخرا، نحن مثلنا مثل باقي عشائر الأردن التي نفتخر ونعتز بها، ونحن وإياهم جنود لهذا الوطن، تحت الراية الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، أدام الله ملكه. وهذا التوضيح والتصويب للمعلومات، صادر عن مجلس عشائر العجارمة الممثل لأبناء قبيلة العجارمة».
 
صَيْحَان.. حالُ المكانِ وتقلبُ الزمانِ
الرسالة الثانية وردت من السيد اسماعيل الطورة (أبو أيمن)، من الشوبك، وهو يتحدث فيها عن عين ماء صيحان، وفيها يقول:
«كثيرة تلك الأمكنة التي تمر في حياة المرء دون أن يعبأ بها، على اعتبار أنها من مسلمات حياته اليومية، إلا أنها تبقى في مخزون الذاكرة، بحيث يمكنه استرجاعها في لحظة استغراق وسفر إلى الماضي، بينه وبين نفسه، حيث أن الواحد منا يرغب في بعض المرات نبش ذلك المخزون، واسترجاع بعض الصور الجميلة التي عاشها يوماً ما، أو لربما يكون في داخل الواحد منا رغبة في العودة إلى أيام الصبا وألعاب الطفولة، ولذلك تراه يتنقل من حاضره المثقل بمتطلبات الحياة، إلى ذلك الماضي الذي كان فيه في حِلٍّ من هذه المتطلبات.
ومن هذه الأمكنة التي مرت في خاطري: «عين ماء صيحان»، هذا النبع الذي يخرج من بطن إحدى جبال الشوبك المرتفعة، وكنا نستغرب سيلان هذا الماء من هذا المكان المرتفع؛ حيث أنه من المعتاد أن تنبع المياه من الأودية والشعاب لا من رؤوس الجبال، كحال هذا النبع، ولموقعه هذا وتوسطه الأراضي الزراعية، فقد كان يرتاده الحصادون والرعاة وعابرو السبيل لينهلوا من مائه العذب، الذي يخرج من صخور صوانية، ولذلك تجده بارداً في الصيف علاوة على لذة مشربه ونقائه.
لا يوجد سكان دائمون حول هذا النبع، وهناك بقايا لخربة قديمة لم يبق منها سوى بعض البيوت الآيلة للسقوط، وإن كان يُستعمل البعض منها كمتاجر متنقلة لقضاء بعض حاجات الفلاحين في الصيف، حينما يأتي موسم الحصاد وهو الموسم الذي تدب فيه الحياة من جديد.
تتجمع مياه هذا النبع ليلاً في بركة صغيرة ليُروى بها بعض شجيرات التين والكرمة والزيتون وقليل من الخضروات، وهي بالكاد تكفي للشرب وري هذه الشجيرات، وإذا مررت بها في أحد أيام الصيف وخاصة وقت الظهيرة تجد عليها جمعاً من الناس رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً لا تدري من الصادر منهم ومن الوارد، الكل يطلب الماء، الواحد منهم يزاحم الآخر، ومع زيادة الأعداد يزداد الصراخ وتعلو الأصوات وتكثر الجَلَبة، فتحسب القوم وكأنهم في شجار، ومع أن الماء شحيح إلا أن الكل يرتوي وكأن في كل قطرة ماء بركة.
الأرض المحيطة بالنبع تربتها خصبة وهي غنية بتنوع الغطاء النباتي، أعشاب متعددة الأشكال والألوان وأزاهير رائحتها زكية، الروابي مخضرة والسهول تتماوج فيها سنابل القمح مع هبات النسيم فيسرك المنظر وتذوب فيه لحسنه وجماله، وحيثما تتجه تتطاير الفراشات من حولك، وتتسابق شغّالات النحل على الزهور لامتصاص الرحيق، وصغار الخراف تقفز فوق الصخور بكل براءة، النسيم يداعب وريقات الشجر، والبلابل تشدو على الأغصان الخضر، وراجلٌ يمشي هنا وراكب يسير هناك، في هذا المناخ الجميل والجو اللطيف، تشعر بطعم الحياة ولذة العيش فتحس بالبهجة ويغمرك السرور الكل يسبح بحمد الله فسبحان الذي أبدع.
ومع حلول موسم الحصاد تكثر حول هذا النبع البيادر الممتلئة بأكوام القمح والشعير والعدس والحمص، ولا تسمع إلا أغاني الحصادين وأهازيج الرعاة. الكل يتخذ من هذا النبع مكاناً للقاء وتبادل أطراف الحديث وإعطاء المواعيد، ومع كل إشراقة صباح ترى الصبايا الحسان يردن الماء وما أن يجلسن حتى يبدأن سرد أحلام الليل وأمنيات النهار، ثم تبدأ الوشوشات والضحكات، فترى الصوت يرتفع تارة وينخفض تارة أخرى، غمزات وهمسات، أسرار وحكايات، أما الصغار فلهم عالم خاصٌ بهم، يلعبون ويمرحون، منهم من يلاحق السحالي ومنهم من يطارد الفراشات ومنهم من يبني من الحصى بيتاً، حتى إذا ما اكتمل البيت عاد فهدم ما بناه، ويبدأ من جديد كما قال الشاعر:
كم بنينا من حصاها أربُعا    
وانثنينا فمحونا الأربُعا
هكذا كان حال المكان؛ لقد كان عامراً بالحياة والنشاط، ولهذا شدني الشوق إليه بعد غياب زاد عن الخمسين سنة، وها أنا ذا أقف على جدار النبع، وفي النفس حنين إلى ماضٍ ذهب وأنقضى، علَّني أجد بعضاً من تلك الصور التي عشتها يوماً، إلا أنني وجدت الحال غير الحال؛ فالماء قد نضب، وجفت السواقي، ولم أرَ زرعاً ولا مزارعين، البيادر خالية وأسراب الحمام اختفت، والبلابل رحلت، ولم أسمع غناءً ولا صوت مزمار، حتى المنازل لم يعد من ساكن فيها، ولم أعد أشم رائحة البن، ولا أسمع صوت مهباش، حتى العصافير هجرت أعشاشها، والدروب لم تعد تلك الدروب، يا إلهي ماذا حلَّ بهذا المكان، أين الناس؟ أين المزارعون؟ أين الرعاة؟ هنا كانوا وهنا نزلوا، أين الورادات الحسان؟ التي تغنّى بهن الشاعر يوماً:
إسلــم وسلــم علـى صيحــان
كــل الــمـزايــيــن ورْدنُــه
ما الذي أصاب القوم فلم يعد لهم وجود، المكان مهجور يلفه الصمت وتسكنه الوحشة، أتلفت يميناً وشمالاً فلا أرى أثراً للحياة، أهكذا يا صيحان عمِلَت بك صروف الدهر وعاديات الزمن! أهكذا يا صيحان تبدو لوحة حزينة في فضائيات الوجود!».
صورة
 
صورة