Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Jan-2018

المشهد الديمقراطي قبل أن يغيب ! - د. زيد حمزة

الراي -  في شباط الماضي كان في بلدنا مشهد ديمقراطي سعدتُ وشرُفت بالمشاركة فيه ويحق لحكومة الدكتور هاني الملقي ان تفخر به وقد تجلىّ في اجتماع دعا اليه رئيس الوزراء بحضور وزير الصحة تلبية لطلب نقباء الاطباء والصيادلة والاسنان والممرضين ومشاركة وزراء صحة سابقين ومدير سابق للخدمات الطبية الملكية وقد تميّز الاجتماع بالحوار الموضوعي المسؤول وتم فيه بحث عدة قضايا صحية في مقدمتها اثنتان: الاولى تتعلق بقانون المساءلة الطبية الذي دأبت الحكومات المتعاقبة على طرحه منذ عام 2001 وما انفكّت النقابات المعنية ترفضه ليس اعتراضاً على محاسبة اعضائها على اخطائهم بل لانه في رأيها، الذي اوافقها عليه، يسلّم مصير المهنة الطبية والعاملين فيها لشركات التأمين التجارية، والثانية تتعلق بهيئةٍ لاعتماد المؤسسات الصحية بدأت منذ سنوات كشركة مسجلة في وزارة الصناعة والتجارة للعمل في مجال تقييم المستشفيات الخاصة ومنحها شهادات جودة مثل الايزو بموجب نظام يُلزم جميع مستشفيات ومراكز وعيادات وصيدليات وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية وكليات الطب والقطاع الخاص مقابل الثمن، ثم تحوّلت في عام 2016 الى وحدة حكومية (مؤسسة مستقلة مالياً وادارياً) سُميّت ( مجلس اعتماد المؤسسات الصحية)

بضرورة الحصول على شهادته خلال مدة زمنية معينة حسب اجور يحددها وإلا.. أُغلقت ! وفي تقديري أن هذا النظام لو عُرض في حينه على المحكمة الدستورية لقضت ببطلانه. وبعد أن استمع الرئيس باهتمام لكل ما قاله النقباء في رفضهم لقانون المساءلة ردّ بما لم تقله الحكومات السابقة معلناً بصراحة ان المقصودَ منه اساساً دعمُ السياحة العلاجية وهو الآن بين يدي مجلس النواب وعلى النقابات أن تناقشه كما تشاء مع لجنته الصحية، أما بالنسبة لنظام الاعتمادية فقد أبدى رئيس الوزراء تفهمه للرأي الذي تبنّاه الحضور جميعهم بلا استثناء ومفاده ان إلزامية المؤسسات الصحية بشهادة جودة كهذه اجراء غير صائب ويشكل اعتداءً على صلاحية دستورية من صلب سيادة الدولة ممثلة هنا بوزارة الصحة عدا عن التدخل في وظائف ومهمات تقوم بها الخدمات الطبية الملكية وكليات الطب والمجلس الطبي الاردني حسب قوانينها وانظمتها، كما تشكل جباية غير دستورية (خاوة) تفرضها شركة هي في الاصل تجارية حتى لو قالت عن نفسها أنها غير ربحية أو أوحت للتمويه بانها من منظمات الامم المتحدة..!
 
وفي الاسبوعين التاليين ومن اجل المتابعة كتبت في (الرأي) (8 شباط 2017 و7 آذار 2017 (تسجيلاً وتثبيتاً لما دار في ذلك الاجتماع العتيد من وقائع وما تبلور عنه من توصيات، ولم يعترض أحد على ما كتبت، ثم في متابعة أخرى بعد التداول مع نقيب الاطباء قمت بزيارة لوزير الصحة وكان في مكتبه بالصدفة نائبان كريمان تبين انهما على دراية بمشكلة الاعتمادية فشاركا في الحديث وأيدا ما قلته وما وافق عليه رئيس الوزراء في اجتماع شباط ، وبعد حوار لم يستغرق طويلاً تفاهمنا على ضرورة الغاء الالزامية بالاضافة الى انهاء احتكار السوق واتاحة المنافسة الحرة بالترخيص لشركات اعتماد أخرى، وفي متابعةٍ لاحقة اجتمعت برئيس مجلس اعتماد المؤسسات الصحية بناء على رغبته وتوصلت معه ايضاً الى فهم واضح مشترك بان الالزامية الواردة في نظام المجلس غير صحيحة وينبغي الغاؤها لتبقى شهادة الاعتمادية اختيارية لمن يطمح للحصول عليها ويدفع مقابلها الثمن المطلوب مادامت تشكل له اضافة معنوية تحسّن من سمعة مؤسسته فتزيد من رواجها ودخلها وارباحها، ولقد ظننت يومها انه لن تمضي إلا اسابيع حتى تنتهي البلبلة التي ازعجت واربكت مئاتٍ من مراكزنا الصحية ومستشفياتنا ومختبراتنا وآلالفا من اطبائنا وصيادلتنا بتلك الالزامية وعقوباتها ورسومها الباهظة، لكن تبيّن لي مؤخراً ان مجلس الاعتماد لم يتوقف بل مازال مستمراً في عمله بسلطة حكومية كاملة يستحوذ على صلاحيات الرقابة والتفتيش والتصنيف والترخيص من وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية وكليات الطب والمجلس الطبي الاردني، ويتصرف بأموال رصدت له من خزينة الدولة فيتقاضى موظفوه القليلون رواتب بمئات الالوف من الدنانير وينفق مثلها على ما يسمى تكاليف التحضير والتدريب.. ولا نعرف في النهاية كيف ولمن يخضع المجلس في المساءلة، ألوزارة الصناعة والتجارة أم لديوان المحاسبة ناهيك عن ديوان الموظفين ؟
 
وبعد.. فانا على يقين من ان رئيس الوزراء الذي عمّد المشهد الديمقراطي في العام الماضي قادرٌ في العام الجديد أن ينقذه من محاولة طمسه وتغييبه باستصدار قرار من مجلس الوزراء يلغي هذا النظام الشاذ ليعود مجلس اعتماد المؤسسات الصحية - كما كان - شركةً خاصة.