Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Aug-2018

أحيا ما أكتب وأكتب ما أحياه* رمزي الغزوي
الدستور - 
ربما أن الكتابة هي المهنة الوحيدة، التي لن تستطيع أن تنزع منها إجازة، حتى لو رميت قلمك، وأبعدت أصابعك عن لوحة المفاتيح. لن تفلح في هذا، فالكتابة قدر يلازم أهله، فتشعر أنك في عمل حتى في نومك، فأنت تكتب دائما وأبداً على صفحات الذهن.
كانت أمي، كلما دخلت غرفتي، ورأتني مندغماً بكتاب أقرأه. تهزُّ رأسها وتقول بلذعة: ظلك (مطبِّس) يامه. وهذا كلمة تعني جاءت من التطبيس، وهو وضع الرأس والحواس في شيء مع نسيان ما حولك. وكنت أقول لها: هذا شغلي يا أمي. فتزداد حيرتها .
وحين ولجت عالم الكتابة، وأصبحت أمتهنها حرفة، تطعمني خبزاً من باب الصحافة، وهذا حالة لا تتاح إلا لقلة من الكتاب أو الشعراء والقصاصين، والذين لا بد لهم من مهنة رئيسة تقيم أودهم. عندها صرت أقول لها كلما رأتني (مطبِّساً): أرأيت يا أمي إنني كنت أشتغل. ومنذ أكثر من ربع قرن، وأنا أشتغل يومياً. وسأبقى إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. فالقراءة أكتاف الكاتب، ورأسه، ونفسه، ومخيلته، وحبره، وكيبورده.
هناك من يرى، أن الإجازة لا تتحقق لك، ولا تكون خالصة الاستراحة والاستجمام، إلا إن ابتعدت وتجنبت أي شيء يخصُّ مهنتك. أي إن كنت طبيباً أن تبتعد عن المستشفيات، والمرضى، وشكواهم، وأنينهم، وعن الأدوية والوصفات. أو نجاراً ألا تقرب الخشب، وتبتعد عن صوت المناشير، ورائحة الغراء. وهكذا. ولكنك إن كنت كاتباً أو شاعرا أو قاصاً، فكيف تهرب من الحياة؟!.
لن أبالغ بأن الحرفة الوحيدة، التي تتطلب منك أن تندغم بها وتعيشها 24ساعة في اليوم هي الكتابة. فأن تكون كاتباً يومياً، فهذا يعني أن ترهن حياتك لحروفك، وظلالها، وأبعادها، وأن تدرب عينك الثالثة، بعد أن تخترعها، على إلتقاط ما لا يرى، وأن يكون لك آذان متعددة الصيوانات والإتجاهات، حتى ولو كنت في إجازة.
عليك أن تقرأ، وتقرأ، وتقرأ، وليست القراءة هنا بالضرورة كتاباً أو مجلة، أو إنترنت، بل أن تقرأ الناس، والأحداث، والحراكات، والوجوه، وأن تندمج في الأسواق، والمقاهي، وتزور الجامعات، والمدارس، وتسامر كبار السن، وترافق طفلك للمدرسة وتراقب الأطفال، وأن تحيا حياتك الطبيعية، وكل هذا، وإصبعك دائماً على زناد الحرف.
إجازة الكاتب ليست في تسافر لأسبوع خارج البلاد سياحة وإسترخاء، ولا أن يغلق بابه أو يخرس هاتفه النقال، ويقطع خط الأنترنت عن بيته. بل إجازته عندما يكف عن الحياة. ولهذا فكم أنا سعيد بعملي: أحيا ما أكتب، وأكتب ما أحياه.