من حقي أن أتذكر الكوفية السوداء, وارتعاشة الشفاه عند اللقاءات التلفزيونية الغاضبة, والسبابة اليمنى وهو يرفعها مبشرا بأن شبلا من أشبال فلسطين أو زهرة من زهراتها سيرفع العلم على أسوار القدس..

هذا الرجل لم يمل فمه من القبل.. ذاك أن الثائر يوزعها بقدر ما يوزع الرصاص, وفي بيروت حوصر وصمد وقاتل.. ثم غادر وهو يرسم ابتسامة جميلة على الوجه ويخبر الصحفي بأن طريقه فلسطين.. ووجهته فلسطين أيضا.

ياسر عرفات.. هو من بث الحياة في هذا اليوم, وهو من احتفل، وفتح هي أول من أوقد شرارة الإنتفاضة الأولى , وهو الرجل الذي عاش يقاتل وفي مماته.. ظل مقاتلا حتى الرمق الأخير, كأنه يريد أن يقول للشعب الفلسطيني أن كل شهيد يمنح هذا الوطن حياة جديدة.. وصبرا جديدا على الأيام.

يوم الأرض, هو يوم ياسر عرفات.. هو اليوم الذي يجب أن تؤم ضريحه, جموع من الشباب والصبايا.. ويتعلمون من صلابة رخام الضريح, كيف هو الفلسطيني.. حين يستفز في صبره وخبزه ونضاله.. كيف يتحول دمه لبارود , وعيونه تصبح مخازن للرصاص.. واليد تقذف حجارة من سجيل.. وإسرائيل سيأتيها صباح.. تصحو عليه وإذا بها عصف مأكول.

يوم الأرض هو اليوم الذي تقرأ فيه الفاتحة على ضريح هذا العملاق, وتؤمن من جديد بأن رحما فلسطينيا سينجب ياسراً اخر وسينجب مناضلا اخر.. منذورا لترابه ولقضيته ولكل زيتونة نبتت عجرفة على الجلادين والزمن الصعب..

يوم الأرض.. هو يوم ياسر عرفات ودلال المغربي وأحمد ياسين وأبو جهاد.. يوم كل شهيد سقط, وكل زيتونة ارتفعت.. هو اليوم الذي تقسم فيه أن صباحا سيشرق على إسرائيل وإذا بها عصف مأكول..