Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Jul-2017

تيران وصنافير: من لعبة صفرية إلى مكسب قومي - د. سعد الدين إبراهيم

 

 
الغد- انطوى حُكم محكمة الإداري في حزيران (يونيو) 2016، ببُطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية الذي ينطوي بدوره على بُطلان تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، على مأزق للحكومة المصرية التي كانت قد وقّعت اتفاقية بهذا الشأن. وضاعف من المأزق قرار مجلس النواب بالموافقة على الاتفاقية، رغم تأكيد المحكمة الإدارية العُليا لنفس الحُكم بتاريخ 16 كانون الثاني (يناير) 2017.
 وهكذا أصبحنا في مأزق مُضاعف لنزاع بين السُلطات الثلاث: التنفيذية، التي وقّعت الاتفاقية، والقضائية التي حكمت ببُطلان الاتفاقية، ثم التشريعية (مجلس النواب) التي أصدرت قانوناً بالموافقة على الاتفاقية في 14/6/2017.
 وما كان لكل تلك المآزق أن تحدث لو أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد عرض الأمر برُمّته منذ البداية على الرأي العام المصري للحوار قبل اتخاذ القرار بالتوقيع على تلك الاتفاقية الحدودية. طبعاً، ما يزال هناك المحكمة الدستورية العُليا، التي يمكن أن تُخرج الحكومة ونظام السيسي من المآزق التي أوقعوا أنفسهم فيها. ولكن تأييد أو رفض المحكمة الدستورية العُليا لن يوقف العِراك السياسي المحموم حول قضية تيران وصنافير.
 من الواضح أن القضية قد تجاوزت موضوع "الأرض" إلى اعتبارات أخرى، منها تسوية حسابات أخرى مع نظام عبد الفتاح السيسي، من كل مُعارضيه، وفي مُقدمتهم الإخوان المسلمون والمُتعاطفون معهم من السلفيين، ممن عُرف عنهم تاريخياً أنهم لا يهتمون بأرض أو بوطن. فأرضهم ووطنهم هي عقيدتهم وشريعتهم، بينما مفهوم "الوطن" كأرض وحدود، فهو عندهم بمثابة "وثن". ولكن بانتهازيتهم السياسية المعروفة وجدوا في مسألة تيران وصنافير فُرصة لركوب المُعارضة لمن يعتبرونه الآن عدوهم الأول، وهو الرئيس السيسي. بل وربما يتذكر المهتمون أن هؤلاء الإخوان أنفسهم هم الذين كانوا مُستعدين للتنازل عن شبه جزيرة سيناء كلها لفرعهم الفلسطيني، وهو حركة حماس في غزة، لإنشاء دولة فلسطينية فيها، بمُباركة إسرائيلية، لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي قلبه القضية الفلسطينية والثلاثة ملايين لاجئ، الذين ما يزالون مُشرّدين بلا وطن!
 المُهم لموضوعنا أن مسألة جزيرتي تيران وصنافير قد أصبحت مثل قميص عُثمان الذي نجح بنو أميّة في استخدامه ضد مُنافسيهم على السُلطة من أنصار علي بن أبي طالب، والمُتشيّعين له، قبل أربعة عشر قرناً.
          كما دخل الناصريون على نفس خط المُعارضة للسيسي في مسألة تيران وصنافير. ليس فقط لذكرى مواقف الرئيس عبد الناصر في مواجهاته مع إسرائيل في عامي 1956و1967، ولكن أيضاً لإحياء العداوة التاريخية بين جمال عبد الناصر والأسرة السعودية الحاكمة في الجزيرة العربية.
 ودون مزيد من الاستغراق في الجُغرافيا والتاريخ والقانون الدولي، بشأن جزيرتي تيران وصنافير، نقترح لكل من يُهمه الأمر التفكير إيجابياً في تحويل ما يبدو أنه "أزمة" إلى فُرصة لمزيد من التقارب والتعاون بين الشعبين المصري والسعودي، بل وكخدمة لقضية منسية، ولكنها راسخة في أعماق الوجدان لشعوب الأمة العربية جمعاء، وهي قضية الوحدة العربية.
          فكثير من المُراقبين تحدّثوا عن مشروعي جسر يربط بين عرب أفريقيا من مصر، وعرب أسيا من السعودية، وهو الرباط الذي كان موجوداً طيلة ما يقرب من عشرة قرون، إلى أن قطع تأسيس إسرائيل تلك العروة الوثقى بين عرب المشرق وعرب المغرب. فالسعودية لها حدود مُشتركة مع كل بُلدان الخليج، وكذلك مع العِراق وسورية. ومن خلال الجسر الموعود، ستواصل معهم برياً، من خلال مصر، عرب المغرب الكبير ـ في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وعرب الجنوب  في السودان والصومال والقرن الإفريقي.
ونكون بهذا على أعتاب منطقة جُغرافية ـ اقتصادية واعدة، لا تقل في إمكانياتها ومزاياها عن المنطقة التي تطوّرت في شمال البحر المتوسط، من اتحاد الفحم والحديد (1947)، بين ألمانيا وفرنسا، إلى السوق الأوروبية المُشتركة (1957)، إلى الاتحاد الأوروبي (1977)، الذي هو اليوم (2017) أكبر وأقوى تكتل اقتصادي - سياسي في العالم.
 إن ما نقترحه أعلاه هو دعوة للمُعارضين وللمؤيدين لاتفاقية ترسيم الحدود وتيران وصنافير، لكي يتجاوزوا الجُزئيات إلى ما هو أبعد وأعمق من الكُليات الجامعة لأبناء وشعوب الأمة العربية والوطن العربي الأكبر. 
وعلى الله قصد السبيل