Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Nov-2017

بوغوتا أيضاً عاصمة مزدحمة! - د. زيد حمزة

 الراي - في اوائل الثمانينات من القرن الماضي كان الصديق الراحل عصام العجلوني أميناً للعاصمة يوم اطلق فكرةً رائدة بتخصيص شارع للمشاة في جبل اللويبدة وكان يحب هذا الحي حباً جماً فقد نشأ فيه، وكانت التجربة الجميلة حضارية حقاً لكنها وجدت من يهاجمها ويشن عليها حربا شعواء بحجة أنها تسهّل على الشابات والشبان أن (يتنزهوا) معاً في شارع يقع على جانبه مسجد! فأُجهضت المبادرة وأُصيب صاحب الفكرة الشجاعة بالاحباط بعد أن وجد نفسه في الميدان وحده وقد تخلت عنه الحكومة!.

 
وفي عام 1992 أي بعد سنوات من هذه القصة المحزنة كنت في بوغوتا عاصمة كولومبيا (8 ملايين نسمة) حين وجدت ان البلدية هناك قد خصصت واحداً من أهم وأكبر شوارعها للمشاة ومنعت السيارات من دخولها يومي السبت والاحد من كل اسبوع، وكم أعجبني واسعدني مشهد الآلاف المؤلفة من سكان تلك العاصمة من الشيوخ والشباب والاطفال يتمتعون بالسير على الاقدام وينطلقون بدراجاتهم الهوائية في مساربها الخاصة بلا ضجيج السيارات ودخانها واخطارها!
 
وقبل ايام وتمهيداً للاحتفال في العام القادم بـ (اليوم العالمي الثامن عشر للمشي في القرن الواحد والعشرين) شاهدتُ على التلفزيون عمدة بوغوتا الحالي يبشر أهلها بالتوسع في مشروع المشي على الاقدام وركوب الدراجات الهوائية وذلك بشمول مئات من الشوارع الأخرى التي جُهزت جيداً وتم إعداد ارصفتها وممراتها لهذا الغرض.. وبالمناسبة فان بوغوتا ليست مدينة ثرية مرفهة مدللة كبعض عواصم منطقتنا فهي عاصمة كولومبيا التي خرجت لتوّها من حرب داخلية أنهكتها بعد ان امتدت لاكثر من اربعين عاماً وسط مأساة أخرى رافقتها واستنزفتها هي زراعة وتجارة المخدرات!
 
قبل ذلك كله بمدة طويلة كنت أقيم في لندن للتخصص وقد استغربت ان التقي احيانا باستاذي الجراح الكبير في قطار الانفاق القادم الى قلب لندن حيث المستشفى الذي ادرس واتدرب فيه وقد عرفت انه يقطن في احدى الضواحي ويترك سيارته هناك ليستقل القطار فتلك أضمن وسيلة لتجاوز اختناقات المرور في العاصمة الكبيرة والوصول في الوقت المناسب.. في السابع والعشرين من الشهر الماضي جاء في قسم ((آخر الاسبوع)) في ((الرأي)) تحت عنوان ((احوال البلاد الاردنية في اواخر العهد العثماني ، ناحية (عمان) في العام 1910 :(( عمان هي مركز الناحية وفيها نحو 500 دار جركس ونحو 100 دكان ونفوسها مع قرى وادي السير وراس العين ورصيفة وناعور وعين صويلح والحمر وهم مهاجرو القفقاس 7000 نفس ذكوراً واناثاً.
 
وهذا يعني أن عمان التي كان يسكنها ايام الحكم العثماني سبعة آلاف اصبحت العاصمة عندما أُنشئت إمارة شرق الاردن ثم تنامى عدد سكانها حتى بلغ أربعة ملايين في عام 2015 أي انه تضاعف مئات (!) المرات خلال مائة عام وهو مالم يحدث – في حدود معرفتي – لأي مدينة في العالم، اذ أن عاصمة أخرى جميلة رائعة مثل فيينا بقي عدد سكانها خلال القرنين الماضيين ثابتاً تقريباً ويتراوح حول المليون ونصف ، لكن المدهش في عمان أنها نجحت الى حد كبير في ان تواجه مصاعب هذا التكاثر بأن يبتدع لها خبراؤها ومسؤولوها المشاريع والاساليب المناسبة في حدود امكانياتها المالية التي لم تكن يوماً في بحبوحة !
 
وأذكر انني استمعت ذات يوم من ثمانينات القرن الماضي ( وكنت عضواً في جماعة انصار المرور) الى محاضرة حول الأزدحام المروري ألقاها علينا ضابط صغير في دائرة السير حاصل على الماجستير في حقل عمله وطرح فيها خطة متكاملة تحتوي على الحلول الآنية والمتوسطة والآجلة وفي مقدمتها إنشاء شبكة نقل عام منظم وكانت الخطة كفيلة لو طبقت بان تجنبنا الكثير مما نعاني منه الآن من اختناقات مرورية بدل مراكمتها باستيراد آلاف السيارات شهريا ليس لرفاهية الموسرين فحسب بل اكثرها للاستعمال اليومي الاضطراري لمئات الآلاف من الاردنيين من موظفين وطلاب وحرفيين لاهمَّ لهم سوى الوصول ولو بصعوبة الى أعمالهم خصوصاً وهم يرون امام اعينهم مشروعاً واحداً محدوداً كالباص السريع يتعثر منذ سنوات عديدة رغم توفر التمويل ! والمفارقة التي مازلت آمل أن تكون ايجابية، ان ذلك الضابط الصغير هو نفسه وزير النقل الحالي !
 
وبعد.. لقد حافظتْ بوغوتا ولندن وفيينا ومئات من مدن العالم الكبرى على نفسها من مضاعفات التضخم السكاني والعمراني والمروري واحترمت تراثها وتاريخها فلم تغادرهما الى المجهول لا بل واجهت ذلك بالعقل والعلم والالتصاق بالارض والتمسك بالجذور واستنبطت حلولا عبقرية لمشاكلها ولم تهرب الى السراب كما يُراد عادة من قبل تجار الاراضي والعقارات ومن لف لفهم !!