سهول حوران .. روما لم تعد تتذكر القمح الرمثاوي
الرمثا -الدستور - نيفين البشير - بعد أن كانت سهولا منبسطة مزروعة بالقمح الذي يصدر الى روما تلك التي كانت تصنع منه أفضل أنواع خبزها ومعكرونتها نراها الان وقد اتشحت بالسواد.. اليوم ما عاد الحقل حقلا, ولا القمح قمحا, ولا روما تتذكر.
هي سهول حوران - وسهل الرمثا جنة فيها - اليوم تغير الحال وأصبحت المزرعة بناية اسمنتية وورشا صناعية وطوبا وشيئاً من الزيتون واخرى للشوك .. سهل الرمثا اليوم بات أرضا بورا لم تعد العين ترى فيه سهولا مد العين مزروعة قمحا وخضراوات.
عرف الانسان زراعة القمح منذ آلاف السنين وكانت سهول حوران من الاراضي السباقة الى تعريف الانسان بقدرتها على احتضان السنابل.
يقول العالم الروسي فيفلوف عام 1931 إن بداية زراعة القمح الأولى كانت في منطقة حوران وتحديدا حول روافد نهر اليرموك و الزيدى والهرير والعلان حيث تطورت منذ الألف التاسعة قبل الميلاد الأدوات المستخدمة في الزراعة وهو ما تشير إليه أدوات الصوان الخاصة بالحصاد وأحجار الطاحون التي تم العثور عليها والتي تبين أن الإنسان هجر الالتقاط العشوائي لحبوب القمح وبدأ زراعة القمح معتمدا عليها كمصدر مهم في حياته الغذائية.
ويعتبر القمح الحوراني من أشهر الانواع المحلية لما يتمتع به من صفات عامة جيدة ويتبع القمح الحوراني إلى العائلة النجيلية وهو من مجموعة الانواع الملائمة للزراعة في الظروف المناخية لارض الرمثا.
وللقمح الحوراني عدة سلالات منها الحوراني الطويل و الحوراني القصير وحوراني نووي. وكان القمح الحوراني يزرع بمساحات واسعة في اغلب المناطق لكن كان يزرع بكثرة في اراضي الرمثا المنسوب اليها الملائمة ارضها لزراعته.
تربة خصبة ومناخ ملائم
وساعدت تربة الرمثا الخصبة ومناخها الملائم هذا الصنف على الاستمرار والتميز حيث أن صنف القمح الحوراني هو صنف ربيعي مبكر ذو طور خضري وإنتاجي قصير سنابله بيضاء مصفرة مكتظة عالية الخصوبة ساقه فارغة وتبنه جيد جداً للاستهلاك الحيواني نظرا لما يتميز به من طراوة ونعومة متوسطة طوله من 100 إلى 130 سم وزن الحبة من 40 -50 ملغ العمر من الإنبات حتى الحصاد حوالي 190 يوماً وهو حساس للإصابة بمرض الصدأ الأصفر وصدأ الساق الأسود والتضخم المغطى إذا صادف ظروفا ملائمة لانتشار هذه الإصابات.
وكانت مساحة واسعة من اراضي سهل حوران والرمثا كانت تزود الامبراطورية الرومانية بالقمح وبعدها زودت الامبراطورية العثمانية لكنها في الفترة الاخير اتجهت نحو زراعة الاشجار المثمرة خاصة في المناطق الجبلية حيث شجعت الحكومة المزارعين وقدمت لهم الدعم المادي لاستصلاح الاراضي الجبلية واستغلالها ويتم زراعة 59750 دونما باشجار الزيتون و 2189 باشجار الفاكهة و5498 دونما بالخضراوات و6110 دونما اشجار مثمرة اخرى و52100 بالمحاصيل الحقلية.
ومنذ الألف التاسع قبل الميلاد تطورت الأدوات المستخدمة في الزراعة, وهو ما تشير إليه الأدوات الخاصة بالحصاد وأحجار الطاحون التي تم العثور عليها في مناطق مختلفة من الأردن, التي تبين أن الإنسان بدأ بزراعة القمح معتمدا عليه كمصدر مهم في حياته الغذائية
واضاف ان عدم قدرة الجهات الحكومية على توفير ضمانات لعدم الخسارة (التأمين الزراعي) للمزارعين دور كبير في تراجع زراعة القمح بحيث أصبحت زراعة القمح تشكل مغامرة لا يقدم عليها الكثير من المزارعين الذين أصبحوا يتطلعون إلى تحقيق المردود السريع والعائد المالي الفوري, مشيرا الى اهمية تشجيع زراعة الأشجار المثمرة خاصة الزيتون.
ويشير المهندس الزراعي زياد عواقلة إلى أن القمح الحوراني كان يزرع بمساحات واسعة في اغلب مناطق اللواء خاصة المنطقة الغربية وساعدت تربة حوران الخصبة ومناخها الملائم هذا الصنف على الاستمرار والتميز.
واوضح أن صنف القمح الحوراني هو صنف ربيعي مبكر وتبنه جيد جداً للاستهلاك الحيواني مشيرا الى ان عمر القمح من الإنبات حتى الحصاد حوالي 190 يوماً لافتا الى ان هذا النوع من القمح هو اقل حساسية للتفحم ويتميز بمقاومته للصقيع وتحمله الكبير للجفاف والحرارة المفاجئة المرتفعة في طور الخزن الغذائي للحبوب.
واضاف يتميز هذا النوع من القمح بارتفاع نسبة البروتين حيث تقدر بـ 3ر12 - 3ر14 بالمئة وهو غنى بالغلوتين ومطلوب عالمياً لما يتمتع به من الصفات التكنولوجية العالمية حيث تصنع منه المعجنات والمعكرونة و يستخرج منه النشا و هو مفضل للمجدرة والبرغل والفريكة.
وقال إن للقمح الحوراني صفة وراثية مهمة تتمثل بميله للعطاء و التوافق الكبير مع الأصناف الأخرى في برامج التربية حيث يعتبره علماء التربية مورثاً ممتازاً في البرامج البحثية و يستطيع إعطاء صفاته للأصناف الأخرى المشاركة في برامج التربية بسهولة و يقدر إنتاج الهكتار الواحد منه بـ 1500 - 3000 كيلوغرام.
واشار الى أن مدينة عشترة الأثرية في حوران التي كانت مصدرا لهذه الزراعة وتكريماً لهذه المدينة عبد كنعانيو الداخل الآلهة عشتروت آلهة الخصب والخير كما عرف إلهً خاصا للحصاد سمي موت مشيرا إلى أن أرض حوران عرفت الكثير من أساطير القدماء و الاحتفالات بمناسبات المواسم وقدمت القرابين والأضاحي على سهول وتلال حوران كما نقشت السنابل على النقود والسواكف ووضعت حزم القمح في البيوت تكريماً لهذا المنتج.
واوضح أن ابتكار المحراث خلال الفترة الرومانية واكتشاف الدورة الزراعية و اهتمام الرومان والغساسنة في تطوير الأرض واستصلاحها ودعم الفلاح أدى إلى زيادة كبيرة في إنتاج القمح وكان إنتاج حوران من القمح يكفى حاجة روما العظمى ويصدر قسماً منه إلى مصر ويخصص قسم من ريع الإنتاج لخدمة المعابد و إقامة الطقوس الدينية مشيراً إلى أن أسواق حوران مثل سوق بصرى وسوق اذرعات و سوق دير أيوب أسهمت في تنشيط التبادلات التجارية وتصدير القمح الحوراني والطحين إلى الكثير من مناطق العالم مشيراً إلى انه بفضل تشجيع الفلاح الحوراني على زيادة الإنتاج ومنحه جزءاً من الضريبة في العهد الإسلامي حيث أصبح القمح الحوراني في زمن الخليفة عمر بن الخطاب دعامة من دعامات اقتصاد الدولة.
وقال تشير كثرة الخانات في حوران خلال فترة المماليك وعلى الطرق التجارية من دمشق إلى فلسطين والجزيرة العربية ومصر التي كانت مركزاً لتبادل المنتجات ومنها القمح ووجود عشرات المطاحن المائية على مصادر المياه إلى أهمية القمح الحوراني بالنسبة لتلك الشعوب.
الدولة العثمانية والقمح الحوراني
وقال أن الدولة العثمانية اعتمدت على القمح الحوراني وأقامت محطات لجمع الضريبة خاصة في المزيريب ودير أيوب وقامت مع استخدام السكك الحديد بإنشاء مراكز لجمع الحبوب من حوران لدعم الجيش.
كما نشطت زراعة القمح في حوران خلال الحرب العالمية الأولى وكانت كميات القمح تشحن عبر القطارات إلى اسطنبول وأدى نقص القمح الحوراني وتوقف الأفران عن إنتاج الخبز واحتكار ما تبقى في الخانات إلى ثورة دمشق عام .1747
بيانات مديرية زراعة لواء الرمثا
وفق بيانات مديرية زراعة لواء الرمثا فان هناك تراجعا في مساحات الاراضي المخصصة لزراعة المحاصيل الزراعية في لواء الرمثا من 70 الف دونم الى 28 الفا في حين ارتفعت الاراضي المخصصة لزراعة اشجار الزيتون الى 70 الف دونم وكان التوسع على حساب الاراضي الزراعية الصالحة لزراعة القمح رغم ان شجر الزيتون غير مجد في هذه الاراضي.
وقال مدير زراعة لواء الرمثا المهندس نصر غرايبة ان المديرية توفر تركتورات الحراثة والبذارات والحصادات باسعار رمزية كما تهتم المديرية بالجانب الارشادي والتوعوي وتقوم بعمليات الرش لمكافحة بعض الافات مؤكدا ضرورة شراء المنتج المحلي بسعر أعلى من السعر العالمي بنسبة لا تقل عن 25 بالمائة مع الالتزام بالتعويض في حالة الجفاف وبحدود تكاليف البذار والحراثة وتهيئة الأرض ويمكن تأمين هذه المبالغ من خلال استغلال الاتفاقيات الدولية المعنية بالزراعة والبيئة.
واكد الغرايبة أهمية التشدد في تطبيق نظام استعمالات الأراضي, وعدم السماح باختراقه للمحافظة على ما تبقى من الأراضي الزراعية, وإيجاد حلول قانونية لتفتت الأراضي فضلا عن التوسع في إنشاء السدود الترابية والحفائر لزيادة محتوى التربة من الرطوبة والمساهمة في تقليل الطلب على المياه.