Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Mar-2020

العدميّة في مجموعة الشاعر موسى حوامدة «سأمضي إلى العدم»

 الدستور-د. محمد عبدالله القواسمة

 
لا يرهقنا الشاعر موسى حوامدة في البحث عن توجهه الفلسفي وتحزبه الفكري في مجموعته التي بين أيدينا «سأمضي إلى العدم» (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2017م) فهو يعلن في عنوانها بأنه في طريقه إلى العدم. فأي عدم هذا الذي سيمضي إليه؟ ما طبيعته؟ وما ميزاته؟ وما الذي حمله هذا المضي العدمي من أفكار؟
 
يواجهنا الشاعر في قصيدة «كذبتْ عليك» بزيف المجتمع، وغرقه في الكذب حتى إن كل كلام يقوله الناس لا يستحق أن يُهتم به؛ فهو مناف للحقيقة، وأن وجود الإنسان لا معنى له، ولا يعبر عن الواقع الحقيقي، إنه ليس الوجود الذي يرغب في أن يعايشه الشاعر، كما أن ميلاده زيف وكذب؛ لهذا فهو يواجه الحياة وما يسود المجتمع من قيم وعادات بالرفض والتمرد. وتبرز أفكار نيتشه وشطحات غيره من أساتذة الجنون من بين سطور القصيدة تنادي ببطلان كل شيء في الوجود، وتداعي المعاني للأشياء. إن الشاعر يرحب بهذه الأفكار النيتشوية، ويدعو إلى الثقة بها:
 
«كذبتْ عليك الفضيلة/ والمعاني واصلت تخريب معناها/ وأنت لا تصدق/ عد لنيتشه مرة/ وثق بشطحات المجانين». (ص17)
 
فإذا كانت الحياة بلا معنى، والأشياء لا قيمة لها، والناس سيئون لا خير فيهم، والوجود ليس كما يبدو في الظاهر فما على الشاعر إلا أن يمضي إلى العدم، فهو طريق الخلاص من هذا الوجود الذي ألقي فيه. يقول في قصيدة «سأمضي إلى العدم» التي حملت عنوان المجموعة:
 
«سأمضي إلى العدم/ فلست نادمًا على شيء/ ولست طامعًا في شيء/ سرابٌ كل الذي مر بي/ من تلال وسهول وبحار/ وأناس سيئين أكثر من عدو متربص بالهزيمة» (ص25-26)
 
ونجد الشاعر في قصيدة «تهويمات» يضيق بوجوده، وهو يحس بسوط الزمن يمر سريعًا على جسده، وسينتهي به لا محالة إلى العدم. وتتلاشى من ذهنه فكرة الخلود، الذي كان يحلم به جلجامش وصديقه انكيدو. ليس عنده أي احتمال لقبول هذا الوجود الذي هو غصة في قلبه، ويبدو الانتحار وسيلة للخلاص.
 
«فعندي طاقة من نفاد الصبر/ على قتل انكيدو بنفسي/ ورمي جثتي معه/ في نهر الأموات» (ص 108-109)
 
والشاعر يعترف بهزيمته أمام الواقع في قصائد كثيرة، مثل: «هنيئًا لمن هزموني» (ص)55 «كأني آدم الجديد»( ص61) «اسندي خيبتي يا هزيمة» (ص70). إنه يحس بالهزائم الخاصة والعامة كلها بدءًا من نكبة 1948 ونكسة 1967 وانتهاء بالهزائم التي تلتها إحساسًا عميقًا كأنه هو المهزوم وحده، كما يقول في قصيدة «اسندي خيبتي يا هزيمة»:
 
«كل هزيمة/ فيها منتصر ومهزوم/ إلا هزيمتي/ فليس فيها سواي» (ص70)
 
وفي قصيدة «هنيئًا لمن هزموني» يرتفع صوت أنا الشاعر ليدين هؤلاء الذين لا يقيمون وزنًا للأخلاق والقوانين، ولا يحترمون حقوق الإنسان، ويصادرون حرية الفرد وكرامته. هؤلاء الذين سرقوا وطن الشاعر، وقضوا على كل آماله وأحلام طفولته. إنه يسخر من كل من كان سببًا في عذابه وحرمانه من حقوقه:
 
«هنيئًا لمن سرقوا ترابي/ ودنسوا طيني/ وحولوا بلادي إلى جدار وحصار/ وصادروا طفولتي/ وغدي/ ونور عيوني» (ص56)
 
والشاعر لا يرضى بهذا الواقع الذي تتغير فيه الأشياء بسرعة، ولا يستطيع أن يتقبله، يريده أن يتردى في الجحيم، ويحل مكانه واقع آخر. إنه يعاني من الحزن وموات القلب، في حين أن الخريف رمز الذبول والضعف يتباهى بجماله، كما ورد في قصيدته القصيرة « يساقط حزننا»:
 
«يساقط حزننا/ كما تساقط أوراق الخريف/ يزهو الخريف بصفرته/ وتموت قلوبنا/ بعيدًا عن فصولها» (ص90)
 
يلاحظ أن الشاعر في هذه السطور يريد أن يعبر عن شدة الحزن الذي يتكاثف عليه، ولكنه لا يوفق حين يصور تساقط الحزن بسقوط أوراق الخريف؛ هذا لا يتفق مع التعبير بموت القلب؛ فزوال الحزن وتساقطه كأوراق الخريف لا يؤدي إلى هذه النتيجة.
 
نلاحظ هذا التناقض الوجداني الذي يتميز به عادة الفكر العدمي؛ فالشاعر لا يجد معنى لأي شيء في الحياة، ولكنه يعلي من شأنه إعلاء كبيرًا حتى يصل بنفسه إلى مرتبة الأنبياء والقديسين، ومثل هذا نجده في موقفه من وطنه؛ فهو يفقد الأمل في كل شيء عدا أمله في تحرير فلسطين؛ فهي بمنزلة الأم والأب والروح، وحبها في ثنايا الصدر. سيبزغ النصر على أعدائها من باب الشمس، وهو اسم القرية التي أقامها عام 2013م الشباب الفلسطينيون والمناصرون للقضية الفلسطينية بالقرب من القدس لمواجهة زحف الاستيطان على أراضي المدينة المقدسة. أجل، سيأتي نهار النصر، ويزول الشر عن أرض فلسطين، وينتشر الفرح في قلوب الفلاحين والبسطاء:
 
«فلسطين يا أمنا وأبانا/ يا عظم الروح ويا سر الضلوع/ يا نهارنا القادم من «باب الشمس»/ ومن ضحكات الحقول/ ستنتصرين/ تنتصرين/ وتطردين الشر عن وجه القرى/ وتطلقين زغرودة النصر المديدة» (ص96)
 
وهو في موقف آخر يظهر بخلاف ذلك، وفي حالة من الضياع والتلاشي لما جرى لفلسطين، التي احتلها الغاصبون، فتركوه يغوص بالحنين والحزن، ويغرق في الانتظار الموجع للعودة حتى إنه يئس من الانتظار:
 
«يئست من الانتظار/ أتعبني الحزن والحنين/ والركض على شوارع النسيان/ وأوجعني البعد عنك أكثر من دم الشهيد/ وأكثر من رصاصة غادرة» (ص100)
 
وإذا كان الشاعر لا يجد للأشياء في هذا العدم الذي يسير فيه معنى فإنه مع ذلك لا يتوقف عن التمرد والرفض، ويجد في الشعر معنى لعالم آخر عالمٍ خالٍ من الظلم والقتل والاغتصاب، عالم ينعم فيه الإنسان بالحرية والخلاص، إنه لن يتوقف عن الرفض فدون ذلك هو الموت، موت القصيدة وموته أيضًا:
 
«حين يتوقف الشاعر عن التمرد/ تموت القصيدة قبل أن تولد» (ص71)
 
هكذا رأينا أن العدمية في مجموعة «سأمضي إلى العدم» لموسى حوامدة تحققت في قصائد نثرية هادئة الإيقاع، خصبة المعنى، لتعبر عن اللامعنى للوجود والأشياء إلا ما يتصل بالكتابة والوطن. إنها قصائد تقوم على رفض الوجود الإنساني، والتمرد على ما في المجتمع من قيم وعادات، والسخرية من أفعال الإنسان التي لا تنتصر للحق والحرية. إن العدمية ـ ـكما تبدو عند شاعرنا ــ واقعٌ غير هذا الواقع الذي نحن فيه بل إنه واقع مناقض له تمامًا، وهذا ما حلم به كثير من الشعراء والكتاب والفلاسفة، ولكنهم اختلفوا في الطرق والمناهج التي تؤدي إليه.