Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2019

مهام اللحظة وضرورات الوحدة التعددية الفلسطينية*ماجد الشّيخ

 الحياة-في غياب قيادة فلسطينية تعددية موحدة، كما تمثلت في إطار "منظمة التحرير" كإطار تمثيلي شبه ديموقراطي، وفي غياب أي عمل سياسي أو شعبي أو انتفاضي منسق بين كامل أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، مثل ما عهدناه منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، وصولا حتى محطة "أوسلو" الكارثية، وما تداعت إليه أمور الحال الفلسطينية والوضع الوطني العام، بات من الصعب، إن لم نقل من الاستحالة، إعادة التئام جروح الجسد الفلسطيني، ليس بسبب أو بفعل اختلال موازين القوى، ونجاح القوى المعادية في حروبها التي لم تشهد انقطاعاً، لا بل المتواصلة، في وقت تراجعت قوى الحركة الوطنية الفلسطينية بقياداتها الفصائلية والفئوية، وجلست على كراسي الانتظار بآمالها الواهمة والعدمية، التي ضيّعت العديد من الفرص الجدية في مجابهة مخططات القوى المعادية، وتماديها في شل قدرة قوى الحركة الوطنية وإمكاناتها، تلك القوى التي تحوّلت بفعل عوامل ذاتية إلى جزر معزولة، واجهت بعضها بعضاً، وانقسمت وأصابها داء متلازمة التفتت، وصار لكل جزيرة آمالها وطموحاتها الفئوية والزبائنية، بعيداً من تطلعات شعب وحّدته النكبات، وفرّقته الآمال السلطوية، وعملت على تبديد أهدافه الوطنية لصالح أهداف فئوية، لا قدرة لها على مجابهة مهام اللحظة السياسية أو مواجهتها، كما مهام العملية التحررية والوطنية الشاملة في المدى البعيد.

 
 
هكذا، بات الشعب الفلسطيني وحيداً في عراء المواجهة، بلا برنامج وطني شامل، وبلا قيادة تعددية، وحيداً بلا سند وظهير قوي، وحيداً غير موحد؛ لا جسد صلباً له ولا روح كفاحية، شعب بلا مهمة ومن دون أي وظيفة، هيمنت عليه وحرفته عن وجهته الحقيقية، قيادات فردية وأحادية فقدت مناعاتها الوطنية، ولم تعمل جدياً من أجل رأب الصدع القاتل الذي مثله الانقسام الوطني والسياسي والجغرافي، الذي عمل على إضعاف ديموغرافيا مواجهة مخططات التهويد والاستيطان وعنصرية الاحتلال والـ "أبارتهايد"، وخطط التنسيق الأمني والاقتصادي وخلق شراكات سلطوية على حساب الشراكات الوطنية التي جرى أقصاؤها واستبعادها بفعل مهام اللحظة "الأوسلوية"، المستمرة في اجتلاب المزيد من الاحباطات، واجتناب الإقدام على خطى الضرورات الوطنية، والتي باعدت بين قوى الكل الوطني؛ فرادى وجماعات، في ظل قيادة فردية، وأحاديات سلطوية، ليست تبالي بغير رضا القائد الفرد، ولو على حساب المواقف الوطنية المبدئية والمنطقية التي تقتضيها المصالح والتطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني.
 
واليوم، وفي مواجهة أخطر حلقات التآمر على قضية وهوية الوطن التاريخي لهذا الشعب، ما برحت "المواقف القيادية" التي جرّت خلفها تلك القاعدية والتنظيمية والجماهيرية تتباعد، ولا تقارب في اشتباكها اليومي سوى لغة الاقصاء والاستبعاد، فيما هي تقترب، من حيث أرادت أم لم ترد، من لغة الصفقات الوهمية اللصيقة بها تلك المواقف السياسية لعديد القوى الفلسطينية والعربية، بينما تكمن في لغة الصفقات التي يحاول أطراف جبهة التحالف الأميركي – الإسرائيلي فرضها لتصبح "واقعية"، الكثير من الأوهام والعدمية السياسية، الساعية لفرض تسوية غير واقعية بالمطلق، وهي لا تلبي أي شرط أو مطمح فلسطيني أو عربي، طالما لا تجد من يواجهها بجدية مطلقة، ويسعى إلى إفشالها، بدلاً من انتظار المجهول القادم من المنامة، وربما في ما بعد من أي مكان آخر.
 
من سمات المشروع الوطني الفلسطيني، أنه وحدوي على قاعدة التعددية، ولم يكن يوما سوى كذلك، منذ البدايات الأولى لنشوء القضية، مروراً بانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، إلى أن تسربت إلى الواقع الفلسطيني أوهام تسوية سياسية غير عادلة وغير متكافئة، في ظل موازين قوى وواقع عربي ودولي غير منصف، وبعضه متواطئ مع العدو. لكن، ومع نشوء السلطة "سلطة أوسلو" وبروز نزعات سلطوية وتضخم أحاديات فردية ذهبت باستبدادها وتسلطها الديكتاتوري إلى الأقاصي، بدأ المشروع الوطني يشهد تراجعاته المدمرة، متحولاً إلى مشروع سلطوي، بلا إجماع تعددي، ومن دون التفاف جماهيري حوله.
 
وما كان ممكنا الوصول إلى تلك النتائج التي نشهدها اليوم، بعيداً من الأسباب التي جسدتها السياسات الخاطئة للوضع القيادي فلسطيني، الذي لم يستطع بفعل العوامل التي نعرفها جميعا، المحافظة على وحدة قواه وتوافقاته الوطنية السياسية والبرنامجية. فبأي وجه من وجوه الكفاح التحرري يمكن مجابهة مهام اللحظة السياسية في انفلاتاتها غير المنظمة؟ وفي وضع فلسطيني وعربي أكثر انفلاتا وانفلاشاً وتباعدا وابتعادا من هدف إفشال كمائن القوى المعادية، وهي تمضي نحو ارتكاب نكبة جديدة تضاف إلى مجموع نكبات أبعدت الشعب الفلسطيني عن وطنه، فيما تهدد اليوم هويته الوطنية الموحدة، ووحدته التعددية على امتداد كامل أرض الوطن التاريخي، غير القابلة للتجزئة، ولا للاختزال تحت مسميات مضللة، من قبيل حكم إداري، ذاتي، بلدي، غير سيادي، أو كونفيديرالية لا سيادة فيها إلا للأقوى ولو بغير حق، أو تفريخ "دويلة" غير سيادية تسمى "فلسطين الجديدة" لا علاقة لها بفلسطيننا التاريخية، كنوع من رشى سياسية واقتصادية تُمنح لزعامات سلطوية، تصر على الإيغال في مسيرة استعداداتها، للمضي قدما في عقد شراكات زبائنية مع الاحتلال وداعميه.
 
*كاتب فلسطيني.