Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Aug-2019

الجزائر: 6 أشهر على بداية ثورة شعبية طردت بوتفليقة و«عصابته» وقلبت معادلة الربيع العربي!

 القدس العربي

مرت أمس الخميس ستة أشهر كاملة على بداية الحراك الشعبي في الجزائر، وهو حراك انطلق بدعوات للتظاهر ضد ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتحول إلى مظاهرات أسبوعية وأحياناً يومية شاركت فيها معظم فئات المجتمع الجزائري، تطالب بالتغيير وببناء دولة ديمقراطية حقيقية، وإحداث قطيعة مع ممارسات الماضي، ورغم مرور نصف عام على انطلاق أولى المظاهرات إلا أن الحراك ما زال مستمراً، حتى وإن كان ما تحقق ليس بالشيء الهين، لكن الطريق ما زالت طويلة.
خرج الجزائريون في الـ22 من فبراير/ شباط بقوة إلى الشوارع، وكان ذلك يوم جمعة، بعد بضعة أيام من إطلاق دعوات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التظاهر ضد مشروع ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية خامسة، وهو ما استقبله عموم الجزائريين على أنه استفزاز واحتقار لمشاعرهم وكرامتهم وعزتهم من طرف ذلك الذي جاء ذات يوم من سنة 1998 رافعاً شعار العزة والكرامة، لكن الجزائريين ما أذلوا وما أهينوا إلا في عهده، ورغم ذلك أراد الاستمرار إلى ولاية خامسة بعد أن كان قد قضى 20 سنة في الحكم، مدفوعاً بزمرة أو «عصابة» يقودها شقيقه ومجموعة من المنتفعين من سياسيين ورجال أعمال وبطانة فاسدة، تبين أنها كانت تستعمل ختم الرئاسة من أجل إصدار القرارات باسم رئيس غائب ومغيب بسبب المرض، وهذا الكلام الذي كان جزءاً من المعارضة يردده طوال الولاية الرابعة، تأكد عندما تحدث عنه قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي يعتبر أول مسؤول رسمي يتحدث عن وجود عصابة استنزفت خيرات البلد وعاثت فيه فساداً، ولما اشتد الخناق عليها أرادت التضحية بقائد أركان الجيش وإعلان الحالة الاستثنائية وقمع المتظاهرين.
المظاهرات التاريخية التي عرفتها الجزائر كانت غير مسبوقة، بالنظر إلى عدد الملايين الذين شاركوا فيها، وحفاظها على طابعها السلمي، رغم محاولات العصابة في وقت أول تشويهها، بإرسال « بلطجية » للاعتداء على الأشخاص والممتلكات وحتى على رجال الأمن، فضلاً عن محاولات بث الفتنة بين المتظاهرين من خلال لعب ورقة « البعبع الإسلامي »، لكن كل هذه المحاولات سقطت في الماء، لأن طوفان الغضب كان أعلى، ومستوى الوعي لدى المواطنين كان أرقى، ورغم استمرار محاولات كسر الحراك وإضعافه، إلا أن استمراره لستة أشهر كاملة يعتبر إنجازاً كبيراً يبشر بخير.
الرئيس السابق، وتحت ضغط الشارع الجزائري وضغط قيادة الجيش، اضطر إلى الاستقالة، بعد أن كان قد حاول المناورة في وقت أول، بأن أعلن أنه لن يكمل ولايته الخامسة في حال انتخابه، وأنه سيشرف على إجراء انتخابات مبكرة، وبعد رفض الشارع لهذه المناورة، عاد وأعلن تأجيل الانتخابات، وتنظيم ندوة حوار وطني لتحضير الانتخابات الرئاسية، وفهم الشعب الجزائري أنها محاولة للبقاء لسنتين أو أكثر خارج الدستور، واستمر الضغط، وراحت العصابة تبحث عن طرق جديدة للبقاء في السلطة، والإشراف على من سيخلف بوتفليقة لتفادي الحساب والعقاب، لكن قيادة الجيش وخاصة بعد المحاولة الفاشلة لإقالة الفريق قايد صالح، وجهت آخر إنذار للرئيس بوتفليقة، الذي استجاب خلال ساعات وقدم استقالته وهو يبدو غائب الذهن عما كان يجري، لتطوي الجزائر صفحة بوتفليقة بعد 20 سنة من التخريب والدمار في الأرض والإنسان والممتلكات والخيرات.
في الوقت الذي كانت فيه عصابة بوتفليقة قاب قوسين أو أدنى من الرحيل، بدأت حملة اصطياد الفاسدين من رموز حكمه، وكان أول من سقط هو رجل الأعمال علي حداد الذي كان الصديق المقرب لسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المخلوع من طرف الحراك، والذي ضبط وهو يحاول الفرار عبر الحدود البرية الجزائرية ـ التونسية، وألقي عليه القبض ونقل إلى العاصمة، وتواصلت طوال أشهر حملة استدعاء وتوقيف كبار المسؤولين ورجال الأعمال من رموز نظام بوتفليقة، الذين يوجد العشرات منهم في السجن، وعلى رأسهم سعيد بوتفليقة الذي كان يوصف بـ « رب البلاد » الذي ألقي عليه القبض في قضية التآمر على الجيش إلى جانب الفريق محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق واللواء عثمان طرطاق، القائدين السابقين لجهاز الاستخبارات، ومعهم لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، والذين عقدوا سلسلة اجتماعات قيل إن الهدف منها كان التآمر ضد قيادة الجيش وضد الحراك.
رغم مرور 6 أشهر على أعظم انتفاضة شعبية عرفتها الجزائر، والتي غيرت وجهها، وقلبت معادلة الربيع العربي التي كانت قد جعلت التغيير والتطلع إليه مقترناً بالخراب والدمار، إلا أن الوضع السياسي ما زال يراوح مكانه، فقيادة الجيش التي ساندت الحراك ترفض أية حلول خارج الدستور خوفاً من انفراط عقد الوحدة الوطنية وتهديد الاستقرار، والشارع أو الحراك يرفضون أية حلول يشرف عليها بقايا نظام بوتفليقة، وفي مقدمتهم رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي الذي يتهمه الحراكيون بأنه مهندس التزوير في المواعيد الانتخابية السابقة، لتخرج من رحم الصراع القائم هيئة وساطة وحوار يقودها كريم يونس رئيس مجلس الشعب الأسبق الذي غادر منصبه سنة 2014 عقب إعادة انتخاب بوتفليقة لولاية ثانية، في حين أن يونس كان قد وقف إلى جانب علي بن فليس في تلك الانتخابات، ورغم أن مهمة الهيئة معقدة وشبه مستحيلة، إلا أنها تحاول التقريب بين وجهات النظر، وتسعى للقاء الكثير من الأطراف، خاصة نشطاء الحراك، كما تحاول الحصول على مصداقية من خلال وضع شروط تهدئة لم تستجب لها السلطة بعد، خاصة ما تعلق بإطلاق سراح سجناء الحراك، وكذا إعلانها استبعاد أحزاب السلطة التي شاركت في حكم بوتفليقة وفساده من جلسات الحوار التي تحضر لها، في وقت تحث فيه المؤسسة العسكرية على تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال للخروج من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، والذي يجبر الجيش على الظهور في الواجهة، في ظل عدم وجود مؤسسات شرعية.