Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2017

المناهج المدرسية والذكاءات المتعددة - د. ذوقان عبيدات
 
الغد- ليس الهدف من هذه المقالة الحديث الأكاديمي عن نظرية الذكاءات المتعددة، بل الاشارة إلى تطبيقاتها في الكتب المدرسية واستراتيجيات التدريس. وتقديم نموذج عملي لما يمكن أن تكون عليه المناهج، استناداً الى تعدد الذكاءات.
وفي البداية، يمكن إبداء عدد من الملاحظات:
1 - بدأت هذه النظرية على يد عالم نفس يدعى هوارد جاردنر في ثمانينيات القرن الماضي، وانتشرت بسرعة في العالم نتيجة لحداثتها وسهولة تطبيقها، وقوة إقناعها.
وقد وصلت هذه النظرية الى وزارة التربية والتعليم الأردنية عام 1992، قبل وصولها الى جامعاتنا، حيث جرت تطبيقات عليها وبرامج تدريبية في كل من وزارة التربية والتعليم ومدارس متقدمة مثل مدارس عمان الوطنية. وكان اول حديث توثيقي لهذه النظرية ما صدر في كتابنا الدماغ: التعلّم والتفكير العام 1993، حيث وصل منها الى الجامعات من خلال د. ناديا سرور، والتي اعترفت بأسبقية وزارة  التربية والتعليم الأردنية على الجامعات.
2 - استندت هذه النظرية على بحوث الدماغ الحديثة، التي قالت بأن الذكاء عدة أشكال وليس قيمة واحدة، كما أن الذكاء يمكن أن ينمو، وليس نسبة ثابتة، يقيسها اختبار ذكاء، كما كان شائعاً عند ستافورد بينتيه Benatte.
وأوضح جاردنر أن عدد الذكاءات يمكن أن يكون سبعة أو أكثر، وأن لكل ذكاء مركزا في الدماغ، يتحكم فيه.
3 - حددت النظرية ثمانية ذكاءات هي:
 - الذكاء اللغوي، المسؤول عن القدرات اللفظية للانسان.
 - الذكاء المنطقي، الرياضي المسؤول عن القدرات المنطقية من محاكمة واستنتاج... الخ.
 - الذكاء البصري، المسؤول عن ادراكاتنا البصرية.
 - الذكاء الايقاعي المسؤول عن استخدامنا للألحان والنغمات.
 - الذكاء البيئي المسؤول عن قدراتنا في فهم البيئة وعلاقاتها.
 - الذكاء الاجتماعي المسؤول عن علاقاتنا الاجتماعية.
 - الذكاء الذاتي المسؤول عن قدراتنا على التأمل والاستبطان.
 - الذكاء الحركي المسؤول عن وعينا الحركي واستخدام الحركة كمنطق للتعلم.
هذه هي أسس النظرية من الناحية العلمية، اما من الناحية التطبيقية فيمكن الحديث عن:
1 - يمتلك كل انسان عددا من الذكاءات، وتتفاوت هذه الذكاءات في مقدارها، فقد يمتلك طالب ما ذكاء عاليا في اللغة ومتوسطاً في العلاقات، وضعيفاً في الحركة، وقد يمتلك طالب آخر مزيجاً آخر من هذه الذكاءات، فلكل طالب بروفيل ذكاءات متفاوتة.
2 - يتعلم الطالب بطريقة أفضل اذا كان التعلم مناسباً لذكاءاته العالية، ويواجه صعوبات أكثر اذا لم يكن كذلك.
فالطالب اللغوي مثلا، يبتهج اذا كان المنهج لفظياً، وشرح المعلم لفظياً، والامتحان لفظياً، بخلاف بقية الطلاب. والطالب الايقاعي، يتعلم أكثر من خلال اللحن والايقاع والطالب الاجتماعي يتعلم افضل من خلال مجتمعات التعلم.. وهكذا....
3 - ولما كان التعلم في المدرسة لفظياً: كلام الكتاب والمعلم والامتحان فإن الطلاب المتفوقين غالباً ما يكونون من ذوي الذكاء اللغوي العالي والطلاب غير الناجحين من ذوي الذكاء اللغوي المنخفض.. وهكذا...
فأفضل الطلاب عندنا هم طلاب يمتلكون ذكاء لغوياً عالياً لأن التعلم يخاطب ذكاءهم. و"أسوأ" الطلاب، وليس هناك "سيئون"، هم من لم يستفيدوا أو لم تقدم لهم المدرسة تعليماً يناسب ذكاءهم.
4 - وبناء عليه، فإن جميع الطلاب سيكونون متفوقين لو وجدوا تعليما يناسب ذكاءاتهم. فالمشكلة إذن كيف نصنع تعليمنا؟ مناهج وتدريساً وامتحانات بما يناسب جميع الطلاب وجميع الذكاءات؟ وهل يمكن أن نفعل ذلك؟
سمعت وزير التربية والتعليم في عدة مناسبات يتحدث عن الذكاءات المتعددة، ولم أسمع عن الوزارة، بعد ان جردت من عقولها أي تطبيق لكلام الوزير، وهو ما يحفز لتقديم درس عملي ومنهجا ينسجم مع هذه التطلعات.
اولاً: في المناهج والكتب المدرسية:
تتضمن المناهج المطلوبة نصاً قاعدياً، يقول، "من حق الطلاب أن يتعلموا وفق ذكاءاتهم المتنوعة".
ويترجم هذا النص في الكتب المدرسية الى ما يأتي:
  ينوع المؤلفون في عرض الدروس، بحيث لا تكون كلها لغوية بل تشتمل على:  - صور، لاشباع حاجات ذوي الذكاء البصري.  - حركات وتمرينات لاشباع حاجات ذوي الذكاء الحركي.  - أرقام ومهارات تفكير لاشباع حاجات ذوي الذكاء المنطقي.  - إيقاعات وأغان والحان لاشباع حاجات ذوي الذكاء المنطقي.  - أنشطة بيئية تلائم حاجات ذوي الذكاء المنطقي .  - أنشطة اجتماعية تشبع حاجات ذوي الذكاء المنطقي.  - أنشطة ذاتية تلبي  حاجات ذوي الذكاء المنطقي.
ويمكن للوحدة أو الدرس الواحد أن يعرض عدداً من الأنشطة وفق ذكاءات مختلفة.
مثال على درس بصري في كتاب:
موضوع الدرس: اختلاف الغذاء باختلاف الجغرافيا والتضاريس. يمكن للدرس أن يكون مجموعة صور، تمثل كل صورة جغرافياً معينة، بحري، جبلي، بادية.. الخ. ويطلب من الطلاب، اعداد مائدة تناسب كل بيئة. ويجري نقاش.
بدائل: ارسم مائدة عليها أكل صيني، عربي، فرنسي.. الخ.
كما يمكن للدرس الواحد أن يحوي على أنشطة متنوعة. ويمكن استثمار الدرس البصري ليحوله الطلاب الى ارقام او حركات او ايقاعات.. الخ.
ثانياً: في طرق التدريس واستراتيجياته:
 مهما كان محتوى الدرس وشكله، يمكن للمعلم أن ينوع في استراتيجيات التدريس لتشمل كل الذكاءات او بعضها. وقد اعددت مثالاً على درس في الرياضيات.
موضوع الدرس: أنواع الزوايا. هدف الدرس: أن يميز الطالب أنواع الزوايا. أن يعرف أدوات رسم الزاوية.
الأنشطة:
1 - النشاط اللغوي: يشرح المعلم كلاماً أنواع الزوايا ودرجاتها واستخداماتها وأدواتها، وهذا ما يتقنه جميع المعلمين.
2 - النشاط الرقمي: يستخدم المعلم أرقاما: 90، أكثر من 90، أقل من 90. ويسأل: من يعطيني رقماً أقل، أكثر.  - أعطني ثلاثة أرقام بين 50 -60 و 110 -130 وهكذا..
ثم يحدد معنى 90 وزاوية 90 وأقل وأكثر . وهكذا يحول الدرس إلى أرقام.
3 - النشاط الحركي: تحويل الدرس إلى حركات.
 - يطلب المعلم من خمسة طلاب أن يشكلوا مستقيماً بأجسادهم ومن خمسة آخرين أيضاً.
 - يطلب من المجموعة الأولى أن تقف على خط. والثانية أن تقف على خط عمودي (باستخدام حواف البلاط) ويقول هذه زاوية قائمة 90 درجة.
 - يطلب منهم أن يقتربوا ليشكلوا زاوية حادة أو يبتعدوا ليشكلوا زاوية منفرجة.
 - ثم يطلب من كل طالب أن يشكل بين ذراعه وجسمه زاوية قائمة، حادة.. الخ. وهكذا.
4 - النشاط البيئي:
 - يمكن الخروج الى حديقة، شارع أو ساحة. وارشاد الطلبة الى زوايا قائمة مثل عمود.  لقاء شارع مع آخر، شجرة... الخ.
 - البحث عن أشجار مائلة، شوارع غير متعامدة تشكل زوايا متنوعة..الخ.
5 - النشاط الاجتماعي:
 - يشكل خطوطاً مستقيمة من مجموعات طلابية.
 - يطلب التقاء مجموعتين بشكل متعامد لتشكلا زاوية قائمة، ثم حادة ومنفرجة...
 - أو يطلب من مجموعات أن تخطط لحدائق فيها زوايا متنوعة...
6 - النشاط التأملي:
 - يطلب المعلم جلسات هادئة، يتأمل فيها الطلاب جدران الغرفة، كزوايا قوائم.
 - ثم يسأل، ماذا يحدث لو مال الجدار إلى الأمام هل تبقى الزاوية قائمة؟ ماذا لو مال الى الخلف؟ وهكذا...
7 - النشاط البصري:
 - يطلب المعلم رسم زوايا أو يعرض صوراً لأشياء فيها زوايا... الخ.
8 - النشاط الإيقاعي:
يؤلف المعلم لحناً، شعراً، قياساً... الخ. مثل:
أجُد أقومُ أنفرج... زوايا حفظها حرجُ. بمنقلتي سأرسمها.. وإذ بالهم ينفرجُ.  أحدُّ قبيل تسعين.. وفي التسعين قائمة. ولكن بعد تسعين ... كل الهم ينفرجُ. وهكذا...
إن بالامكان تقديم أي درس في أي مادة من خلال تنوع الأنشطة، مهما كان نوع الدرس. ومن المهم أن نشير إلى:
 - ليس من الضروري أن يحتوي كل درس على ثمانية نشاطات.
 - ليس من الضروري عرض جميع الأنشطة في الحصة. حيث يمكن تكليف الطلاب بممارسة بعض الأنشطة في المنزل.
إن مزايا هذا الدرس تظهر في أننا قدمنا تعلما لكل طالب وفق ذكائه، مما يجعلنا نتوقع اتقان جميع الطلاب الدرس، لأنهم حصلوا على فرص متكافئة.
كما أن من المهم أن نشير بأن هدفنا ليس تنمية الذكاء القوي عند الطالب، بل يمكن استخدام هذا الذكاء لتنمية ذكاءات أخرى.
فالذكاء اللغوي يرتبط بكل الذكاءات، والذكاء الاجتماعي يرتبط بمعظم الذكاءات، وكذلك المنطقي والذكاء الاجتماعي يمكن أن ينميّ كثيراً من الذكاءات.
فالهدف هو تنمية جميع الذكاءات وليس ذكاء واحداً وهو أضعف الايمان.
 والسؤال: ما الذي يمنع تدريب المعلمين والمشرفين على ذلك، حيث أن ما يقدم للمعلمين من تدريب حاليا لا يرتبط بمثل هذه المفاهيم.