Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Jan-2020

المعارضة الإيرانية -من السبعينيات إلى 2020

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
رون جاكوبس* – (كاونتربنتش) 14/1/2020
في منتصف سبعينيات القرن الماضي، قمت بقدر كبير من العمل التنظيمي مع أعضاء ماريلاند في “جمعية الطلاب الإيرانيين”. كان هدفنا هو وضع نهاية لحكم شاه إيران الذي نصّبته الولايات المتحدة. وتضمن البعض من عملي مساعدة الطلاب الإيرانيين على كتابة منشوراتهم بالإنجليزية-الأميركية. وفي العام 1976، حضرت بعض الاجتماعات في واشنطن العاصمة للمساعدة على التخطيط لإقامة احتجاجات ضد الشاه، الذي كان من المقرر أن يزور الرئيس الأميركي في ذلك الحين، جيمي كارتر، والكونغرس في العام 1977.
في ذلك الوقت، كانت إيران الشاه أحد أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية. وبالإضافة إلى ذلك، تلقى جيشها التدريب والتجهيز من الولايات المتحدة وصناعتها الحربية، من دون أي تكلفة تذكر على الشعب الإيراني. وإلى جانب مئات الملايين التي أنفقت على التسليح، شملت المساعدات الأميركية أيضاً تدريب جهاز شرطة الشاه السرية -السافاك. وبطبيعة الحال، تولت الكثير من هذا التدريب وكالة الاستخبارات المركزية والمؤسسات التابعة لها.
كان من بين الأشياء التي عرفتُها أثناء عملي مع الطلاب الإيرانيين، هي الطبيعة القمعية بشكل لا يصدق للدولة الإيرانية في ذلك الحين. كان السجن من دون محاكمة، والتعرض للتعذيب، والمداهمة والاعتقال من دون إذن قضائي، أموراً متوقعة إذا تورط المرء في عمل سياسي ضد الحكومة. ولم يكن يهم ما إذا كانت معارضة الفرد تستند إلى فلسفة دينية أو إلى فهم سياسي علماني. وفي واقع الأمر، كان هناك جانب آخر أكثر أهمية في السياسة الإيرانية الراديكالية والذي عرفتُ عنه، هو اتساع نطاق المعارضة لنظام الشاه بين الشعب الإيراني.
الشيوعيون المتحالفون مع موسكو؛ والشيوعيون غير المنحازين؛ والماركسيون الإسلاميون، والمجالس العمالية ومجموعة من التشكيلات الدينية المتطرفة -كل هذه الاتجاهات وجدت أرضية مشتركة بينها لمعارضة الشاه. وكان ذلك ائتلافاً من شأنه أن ينشق بطرق خطيرة ومميتة بعد الإطاحة بنظام الشاه. وقد رأيت بدايات ذلك التمزق أثناء عملي في واشنطن العاصمة وماريلاند؛ حيث ستتحول اجتماعات جمعية الطلاب الإيرانيين إلى نزاعات طائفية.
في نهاية المطاف، انقسمت المنظمة إلى مجموعتين في الولايات المتحدة. ولدى تأمل ذلك من منظور الراهن، يبدو من المعقول أن نعزو التصدع في ذلك الوقت إلى حقيقة أن الطلاب المغتربين كانوا مفكرين منفصلين جسدياً عن الصراع الدائرة في بلدهم. وقد مال التجريد المتزايد للصراع إلى مفاقمة الخلافات في الائتلاف.
كما اتضح فيما بعد، فإنها العناصر الدينية من بين القوى الثورية هي التي انتهى بها المطاف في سُدة السلطة في أعقاب سقوط الشاه. وكان أفضل من يُمثل هذه القوى هو قائدها، آية الله الخميني. وكان صعودهم إلى قمة الحساء الثوري نتيجة لصراع مسلح وبرلماني، وتدخُّل القوى العظمى، والقمع الثقافي والسياسي الشديد. وإضافة إلى ألعاب السلطة التي مارستها القوى الثيوقراطية، كانت القرارات التي اتخذتها الجماعات على اليسار -حيث قرر البعض منها العمل مع الثوار الدينيين بينما رفض آخرون قيادتهم. وقد تم قمع العناصر الأخيرة بقسوة وسرعة، في حين واصل البعض في القوى السابقة عملهم غير السار لأشهر عدة حتى أصبح من الواضح أنهم إذا أرادوا الحفاظ على حريتهم (وربما حياتهم)، فسيكون عليهم مغادرة إيران. وفي واقع الأمر، غادر أول رئيس منتخب لإيران، الاشتراكي الديمقراطي أبو الحسن بني صدر، البلاد بعد أن طردته القوى الدينية من الحكومة. وكان الدعم الذي تلقوه من “البازاري” -الذين كانوا في يوم من الأيام طبقة تجارية قوية للغاية في إيران، مهماً للغاية لصعود الخميني والثيوقراطيين. وكان جزء من دعمهم للخميني والقوى المتحالفة معه يكمن في مخاوفهم من الحكومة الاشتراكية الديمقراطية التي روجت لها معظم القوى العلمانية في الثورة.
في العقود التي تلت ذلك، شدد الثيوقراطيون قبضتهم على الحكومة الإيرانية، بينما تراجعت القوى اليسارية، فنزلت تحت الأرض أو اختفت تماماً. وشكل البعض منها مجلساً للمقاومة كان مقره باريس. وفي الحقيقة، كان بني صدر واحداً من كبار الأعضاء في تلك المجموعة حتى العام 1983، عندما غادرها. وقد تمحور سبب مغادرته حول خضوع الجماعة لهيمنة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. وكانت هذه المجموعة منظمة مسلحة صغيرة، ولكنها مؤثرة، في مقاومة الشاه، لكنها أصبحت معزولة عن معظم المعارضة العلمانية مع مرور السنين.
في الوقت الحاضر، يعتقد الكثيرون أن مجاهدي خلق يعملون مع الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية في شن عمليات إرهابية داخل إيران. وهم يتمتعون بدعم العديد من السياسيين الأميركيين، معظمهم من الأعضاء اليمينيين الذين يميلون إلى المحافظين الجدد في السياسة الأميركية. وتشمل بقية المعارضة المنظمة في المنفى مجموعة تأمل في عودة إلى الملكية، والتي تطلق على نفسها اسم “المجلس الوطني لإيران”. وليس هذا الكاتب على دراية بأي جماعات يسارية مغتربة معارضة بنشاط للحكومة الإيرانية. ومع ذلك، بعد دراسة اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في الأشهر الأخيرة في إيران، يبدو أن مثل هذه المعارضة موجودة داخل البلد نفسه.
إذا ما قورنت بالانفجارات العاطفية الهائلة التي أعقبت قيام الولايات المتحدة باغتيال الجنرال قاسم سليماني، فإن الاحتجاجات ضد الإسقاط العرَضي للطائرة الأوكرانية ومختلف السياسات الحكومية في إيران كانت صغيرة. وكانت أصغر منها أعداد أولئك الذين يرددون شعارات ضد الشرطة والحرس الثوري. بل وأصغر منهم جميعاً أولئك الذين يدعون إلى قيام ثورة يسارية في البلد. وبالنظر إلى أن المصادر الرئيسية للمعلومات حول الاحتجاجات بالنسبة لأولئك خارج إيران هي وسائل إعلام لها مصلحة راسخة في رؤية الحكومة الإيرانية تسقط، فإن من الصعب للغاية الحكم على اتساع وعمق المعارضة لتلك الحكومة.
بل إن من الأصعب الحكم على سياسة تلك المعارضة. أما وقد قيل هذا، فإنه يبدو من المعقول أن نفترض أن بعض تلك المعارضة تتلقى التمويل من بعض الحكومات والآخرين المعارضين لطهران، ويتلقى بعضها الآخر التمويل من عناصر سنية معارضة للفلسفة والأعمال الشيعية، ويتكون بعضها من عناصر ليبرالية وتقدمية تأمل في المزيد الحرية السياسية والثقافية، بينما يتكون بعضها الآخر من مجموعات ماركسية مطلعة من المثقفين والعمال الذين يأملون في إحياء ثورة 1979 المجهضة. ومن الطبيعي أن تتمتع كل هذه العناصر (وتلك التي لم تُذكر هنا) ببعض الدعم بين الإيرانيين الذين يرفعون شعاراتها.
إذا كان تاريخ إيران منذ ما قبل ثورة 1979 حتى يومنا هذا يشكل أي مؤشر (والتاريخ عادة ما يكون مؤشراً جيداً)، فإن الوكالات الخارجية التي تأمل في تحويل أي احتجاج إيراني ليعمل لصالحها سوف تفشل. وأحد الأشياء التي أتذكرها جيداً من عملي مع جميعة الطلاب الإيرانيين قبل حوالي خمسين عاماً هو الفهم الإيراني للقوة المحتملة لتنظيم القاعدة الشعبية وقوة الشعب. كان هذا الفهم هو الذي أطاح بأحد أكثر الأنظمة قمعية في العالم في ذلك الوقت. ويبدو أن تغييراً كبيراً آخر في تلك الأمة ربما يكون في الأفق. ولا يعني هذا التصريح أنه سيحدث في المستقبل القريب أو أنه سيكون ثورة مثل تلك التي حدثت في العام 1979. في الحقيقة، إذا استمعت الحكومة الإيرانية الحالية إلى شعبها، فإن هذا التحول (في حال حدوثه) يمكن أن يحدث بحد أدنى من العنف والتشريد. أما مهمتنا نحن، كسكان في تلك الدول التي تعمل على إعادة إيران إلى وضعها السابق كعميل للإمبريالية، فهي معارضة العقوبات التي تطالب بها الولايات المتحدة وتحركات الحرب المصاحبة لتلك العقوبات.
بعبارات أخرى، دعوا الإيرانيين يحددون مستقبلهم بأنفسهم.
 
*مؤلف كتاب “غروب أحلام اليقظة: ثقافة الستينيات المضادة في السبعينيات”، الذي نشرته “كتب كاونتربنتش”. آخر نتاجاته هو كتيب بعنوان “الرأسمالية: هي المشكلة”. يعيش في فيرمونت في الولايات المتحدة الأميركية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Iranian Opposition-1970s to 2020