Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Jun-2017

اللامركزية والتنمية اللامحصورة - د. مأمون نورالدين
 
الراي - لا يعدّ مبدأ اللامركزية حديث العهد ولا هو علم جديد يطبق لأوّل مرة، إلّا أن ما يميّز هذا المبدأ الذي ولد قبل ما يقرب القرنين من الزمان هو عدم وجود آلية محددة لتنفيذه فهو قابل للتنفيذ في أي دولة أو حتى مؤسسة وبطرق مختلفة وحسبما تقتضيه مصلحة هذا الدول أو المؤسسات مستقبلاً. ولكن يبقى المبدأ الرئيسي لفكرة اللامركزية موحّداً ويدور حول توزيع السلطة في هرم صنع القرار والتخلص من بيروقراطية الحكم المركزي الموحّد. إضافةّ إلى الأبعاد الإدارية والتنموية لتطبيق اللامركزية، فإن لها بعداً إجتماعياً مهماً جدّاً لأنها تعطي الفرد والمجتمعات فرصة المشاركة المباشرة في صنع القرار وممارسة الديمقراطية عن طريق حكمهم لذاتهم وتطوير مصالحهم وقدراتهم والأهم من ذلك كلّه هو الإرتقاء في جودة الحياة التي يعيشونها.
 
انتشر مبدأ اللامركزية وطبق تدريجياً في معظم الدول المتقدّمة، فأحدث ثورات تنموية بدءاً من أوروبا وصولاً إلى أميركا ومن ثم باقي دول العالم المتقدّم اليوم مما ساهم في النهوض التنموي في هذه البلاد على المستوى الإداري والسياسي والإقتصادي والإجتماعي؛ شمل هذا التطور المدن والقرى ووزع الثروات بعيداً عن عواصم هذه الدول السياسية حتى نشأ في بعض هذه الدول أكثر من مركز إقتصادي. بوجود هذه الأمثلة أصبح هناك عدّة شواهد وحالات للدراسة ممكن الإستفادة منها إذا ما قارنّا بين أداء هذه الدول قبل تطبيق اللامركزية ومن بعد تطبيقها. نحن في الأردن نقف اليوم على مدخل مرحلة جديدة قبل دخول عصر اللامركزية، ومن موقعنا نستطيع أن ننظر إلى الخلف على عقود خلت طبقنا فيها المركزية، فماذا جلبت لنا المركزية؟ ولماذا وجب التخلص منها الآن؟ لقد أثّر تطبيق المركزية وبيروقراطيتها في ديموغرافيا محافظات المملكة كافة ومسارات تنميتها. بلغة الإحصاء نأتي على ذكر بعض من الأمثلة الحية، حيث تركّز الإستثمار والنشاط الإقتصادي والتنموي في العاصمة عمّان مما أدّى إلى تشكيل حركة هجرة مستمرة من المحافظات إلى العاصمة حيث يبحث الأفراد لأنفسهم وعائلاتهم عن فرص أفضل للعمل والتعليم وجودة الحياة وسهولتها بشكل عام حتّى بلغت نسبة سكان العاصمة ما يزيد على 40% من سكان المملكة. بحسب المعلومات الإحصائية المتوفرة أيضاً وفي قطاع الصحة على سبيل المثال نجد إحصائياً أن مؤشر توافر أسرّة مستشفيات لكل 10,000 نسمة هو 27 سريراً في عمّان مقابل 19 سريراً لأول محافظة تليها وهي الكرك في حين يتوافر فقط 9 أسرة/10,000 مواطن في كل من جرش وعجلون والبلقاء (وزارة الصحة 2011)، هذا بالطبع عدا عن تمركز النسبة الأكبر من الأطباء ومقدمي الخدمات الطبية المختلفة في العاصمة أيضاً. أمّا عن قطاع التعليم فنجد أن محافظة العاصمة تحتوي على الحصة الأكبر من المقاعد الدراسية، ونذكر هنا وجود 11 جامعة في عمّان من أصل 27 منتشرة في باقي المحافظات. وعن قطاع الأبنية والإنشاءات فقد بلغت نسبة الأبنية المرخصة في العاصمة عمّان لوحدها مقارنة بكافة محافظات المملكة 42.4%، وتبعتها إربد بنسبة 20.9% (دائرة الإحصاءات العامة والإسكان 2017) وهذا أيضاً مؤشر لا يجب الإستهانة فيه عند الحديث عن التنمية والتطوّر في المحافظات. وأخيراً قطاع السياحة فنجد أن العاصمة توفّر 70% من فرص العمل في القطاع في المملكة، عدا عن احتضانها لما يزيد عن 69% من الأنشطة السياحية في العام 2016 (وزارة السياحة 2017)، وهذا في الوقت الذي كلّنا فيه على علم ودراية بما تحتضنه معظم محافظات المملكة من مراكز جذب سياحي قابلة للتطوير والاستغلال. هذا ما تخبرنا به لغة الأرقام وهناك المزيد والمزيد إذا ما أردنا البحث والتعمّق.
 
اليوم تنهي الدولة واجبها بوضع قانون لا مركزية عصري أعدّ بما يوائم خصائص ومتطلبات الأردن للمرحلة الحالية سياسياً وأمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً، بحيث يعزّز من فرص التنمية والتطوير في المجالات كافة في المحافظات وتقسيماتها الإدارية والخدمية لما فيه صالح الفرد والمجتمعات المحلية والصالح العام للدولة في آن واحد عن طريق رفع جودة المعيشة والخدمات وتحسين الكفاءة الإدارية، وتوسّيع مشاركة القواعد الشعبية في صنع القرار وتحديد الأولويات وبناء الخطط والإستراتيجيات التنموية وتنفيذها بناءً عليها. لكننا لن نرى خير اللامركزية ومكتسباتها التنموية حتّى يقوم المواطن والمجتمعات المحلية أيضاً بواجبهم بالمشاركة الفاعلة والواعية ترشحّاً وإنتخاباً لإفراز نُخب قادرة على التغيير نحو الأفضل وعلى خلق فرص تنموية علّها تكون ثورة إنماء شاملة تعزّز قدرات وطننا وتستغل موارده أينما وجدت في المدن والقرى لضمان مستقبل أفضل وأكثر تقدماً لنا وللأجيال القادمة.