بترا - أكد سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، ان الحوكمة الرشيدة والفساد نقيضان لا يجتمعان، وان النزاهة، والشفافية، وسيادة القانون على الجميع بلا تمييز، هي من سمات الحوكمة الرشيدة.
وقال سموه في كلمة بافتتاح مؤتمر الإصلاح السياسي في الأردن: الإنجازات والتحدّيات، بعنوان: الإصلاح السياسي والتمكين، أمس الأربعاء، القاها نيابة عن سموه رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري، «ان الحديث عن الإصلاح السياسي في الاردن وثيق الصلة بمفاهيم الحوكمة الرشيدة والمواطنة والعدالة والصالح العام»، متسائلا سموه «متى سنحقّق من خلال الحوكمة الرشيدة تقرير مصيرنا مؤسّسيًّا؟».
وبين خلال المؤتمر الذي التأم في فندق اللاند مارك بتنظيم من منتدى الفكر العربي بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان، أن الإرادة العربية الحرة المسؤولة لا تنفصل عن تغليب العقل والحكمة، فنحن نواجه أزمة المصالح المتصارعة، وغياب المشتركات العالمية والإقليمية، وغياب المؤسسات الإقليمية والعربيّة الفاعلة، التي تحملُ أولوياتنا وتحدّد معالمها بصورة مستقلة، مشيرا الى ان الإرادة الحرة هي الفاعل الأساسي في عملية استشراف المستقبل.
واضاف سموه «وإذا تحدثنا عن حوكمة المبادرات الإقليميّة، أؤكّد أنّ تعزيز التعاون الإقليمي لا يتمّ في غياب قاعدة معرفية إقليمية، وفي إطار متابعة الأجندات الإصلاحية والبرامج التنموية والتطويرية على نطاق المنطقة والإقليم والعالم، فإن الاستقرار السياسي ودعم المؤسّسات وتحديد الأولويّات، والالتزام بالشفافية، ضروري من أجل تحقيق النمو المادي المستدام»، مبينا أنه لا شكّ في أنّ العلاقة بين الاستدامة الماديّة وسد فجوة الكرامة الإنسانيّة عَلاقة طرديّة.
وشدد سموه على ضرورة ان يهدف الإصلاح السياسي إلى تمكين المواطن، بحيث يُصبحُ محرّرًا من الخوف ويمارس حقّه في العيش الكريم والنمو والتطور، موضحا ان ترجمةَ هذه التطلعات إلى واقع ملموس يقوم على ثلاثة مبادئ أساسيّة، هي الأمن الإنساني والعدالة الاجتماعية والتكامل الإقليمي فيما بيننا حكومات وشعوبا ومكوّنات اقتصادية واستثماريّة.
وأوضح سموه انه لا يمكن الخروج من دائرة التّأثر إلى دائرة التأثير إلا بحوكمة المبادرات الإقليميّة المنتظمة والرؤية الناظمة النابعة من الإقليم، ومن ثَمَّ إلى العالم، وليس العكس، لافتا الى ان تحويل المشتركات المبدعة إلى فرص يقوم على أساس بناء الثقة، ويمكن استحداث نقلة نوعيّة في المنطقة العربية في إطار التعبير عن الأهداف الإنمائيّة للألفية التابعة للأمم المتحدة لمرحلة ما بعد 2015.
وقال سموه إن إقليم غرب آسيا وشمال إفريقيا WANA يعيشُ مفارقةً واضحة، فمن جهة توجدُ ثروات هائلة، وهنالك صراعٌ دائر وتفاوت في توزيع الثروات، ومن جهة أخرى يفتقر الإقليم إلى أطُر فاعلة للتعاون عبر الإقليم، وإلى التمثيل المنظّم والتعاون على مستوى المجتمعات المدنيّة عبر الإقليم، مشيرا الى انه يوجد حاليا تركيز مكثف على السياسات الأمنية الذي يجبُ «أن تستبدَلَ بالتركيز على رفع العجز في ميزان الكرامة الإنسانية..
هنالك حاجة إلى إطار للحوار في الإقليم يدفع باتجاه التصدي للقضايا السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئيّة».
وفي إطار المبادرات التي تعمّق التعاون الإقليمي بين سموه انه يمكن الحديث عن التقارب الثقافي مع النظم الاقتصادية مثل الزكاة والانتقال من الرعاية إلى الشراكة، والتقسيم المسؤول للمجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ للأمم المتحدة ECOSOC إلى مجلسين: مجلس اقتصاديّ لإدارة الأولويات المالية والاستثماريّة بما يكفل الكرامة الإنسانيّة، ومجلس اجتماعيّ يُكلَّف بتفويض الفقراء من خلال تفعيل مشاركتهم في بناء المجتمع كمواطنين، فنحن بحاجة إلى بنىً إقليمية للسياسات الإنسانيّة والاجتماعية تقوم بسدّ العجز في ميزان الكرامة الإنسانية.
وأشار سموه الى انه في هذا الإطار، فإننا نعاني من غياب القدرات المؤسسية الإقليمية لعرض وجهة نظر المنطقة في منظمات دولية مثل منظمة الأمم المتحدة، مبينا سموه ان هناك حاليًا أكثر من (20) مليون شخص مقتلعون من أراضيهم في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
واكد اننا بحاجة لتطوير قاعدة معرفية إقليمية من أجل معالجة بعض القضايا التي تؤثر على المنطقة سلبًا، يُمكن لمؤسسات مثل مؤسسات الوقف والزكاة معالجة التحديات التي يثيرها العجز في ميزان الكرامة الإنسانية.
وتساءل سموه «كيف يمكن أن ننشد التنمية المستدامة في غياب قواعد معرفيّة إنسانية ومكانيّة، وأن ننشد الاستشراف في غياب سياسات ثابتة متفق عليها؟ وقال سموه ان الأوان آن للتقريب بين قطب الهجرة الإنسانيّة القسرية وقطب التنمية، «فالمصادر واحدة: الماء والنار والكلأ.
لكن المنظمات الدولية والإقليمية أَلفت التعامل مع الجزئيّات.. فمتى سنحقّق من خلال الحوكمة الرشيدة تقرير مصيرنا مؤسّسيًّا؟».
من جهته عرض الممثل المقيم لمؤسسة فريدريش ناومان من اجل الحرية، أورنيش، لتجربة بلاده مع الاحزاب في أعقاب الحربين العالميتين، وتجربة المكسيك الديمقراطية والتي أمضى فيها السنوات الست الماضية قبيل مجيئه للاردن قبل أقل من شهر، مشيرا الى ان تجربة بلاده انذاك تشبه الى حد ما تجربة الاردن الحزبية الا أنها نمت واصبحت الاساس للنظام السياسي في ألمانيا.
واشار الى ان المكسيك التي زارها جلالة الملك عبدالله الثاني قبل أسبوع وصلت الى حد «اللاحل» للأزمة السياسية التي عصفت بالقوى السياسية هناك، الا انها وصلت لقناعة بضرورة الخروج بإصلاحات عبر 12 محورا، معربا عن اعتقاده بأن المكسيك تسير على النهج الصحيح نحو الاصلاح السياسي، وأن خطوة جلالة الملك نحو هذا البلد الواعد وفتح آفاق للتعاون معه خطوة بالاتجاه الصحيح.
واعتبر فاكر أن الاحزاب هي الوسيلة المثلى واللازمة لأي دولة للتواصل ما بين الحكومة والمجتمع وهي الرابط بينهما، موضحا أن الاردن يحتاج لقانون انتخابي وآخر للأحزاب، وان على الديمقراطيات أن تدافع عن نفسها وعلى الاحزاب السياسية أن تحدث فرقا في العملية الديمقراطية.
وتناول المؤتمر وعبر عدة جلسات عمل مكثفة عددا من أوراق العمل قدمها متخصصون في الشأن السياسي.
فقد قدم العين جواد العناني في الجلسة الافتتاحية ورقة تناول فيها رؤية الحكومة للإصلاح في الاردن، فيما قدم الاستاذ في جامعة اليرموك محمد بني سلامة، بذات الجلسة، نظرة شاملة حول الركائز الاساسية في الاصلاح في المملكة منذ بداية العام 2011.
وفي الجلسة الاولى والتي تناولت الاصلاح السياسي في الاردن فقد شارك فيها كل من الوزير السابق من حزب التيار الوطني صالح ارشيدات، وممثل النقابات العمالية علي الحديد وممثل جمعية منتدى الفكر الحر سائد كراجه.
أما الجلسة الثانية فاشتملت على حوار حول «قانون الانتخابات في الاردن الى أين؟»، شارك فيها كل من وزير التنمية السياسية السابق موسى المعايطة، والمفوض العام للمركز الوطني لحقوق الانسان موسى بريزات، وارحيل غرايبة من «مبادرة زمزم».
وتناولت الجلسة الثالثة موضوع الاعلام وحرية التعبير «التحديات والتصورات» تحدث فيها كل من ميساء الرواشدة من الجامعة الاردنية والزميل يحيى شقير وعميد معهد الاعلام الاردني باسم الطويسي.
وأطلق في نهاية المؤتمر كل من وزير التنمية السياسية السابق صبري اربيحات وموسى بريزات كتاب التحول الديمقراطي في الاردن.
ويأتي المؤتمر ليكون بمثابة مراجعة شاملة للمرحلة وللتركيز على الانجازات وتقييم التحديات التي واجهت عملية الاصلاح في الاردن ما بين عام 2011- 2013 والبناء عليها، وإبراز وجهة النظر الحكومية والقطاع المدني حول سلسلة الاصلاحات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.