Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Sep-2017

الحركات الاجتماعية والعنف - حسن أبو هنية
 
الراي - شكلت نظرية الحركات الإجتماعية أحد أهم المقتربات في فهم وتحليل ظاهرة الربيع العربي الذي بدأ كحركة احتجاجية سياسية سلمية مطلبية وتحول لاحقا إلى جماعات راديكالية عنفية، وعلى مدى عقود برهنت نظرية الحركة الاجتماعية على توافرها على قدرة تفسيرية تحليلية مهمة في مناطق مختلفة من العالم، وهي نظرية تعنى بالظواهر السياسية عموما وتركز على حركات المعارضة المطلبية ذات الإنتشار الواسع التي يصعب ربطها بحزب أو جماعة واحدة أو طبقة أو فئة محددة خصوصا، وقد طرأ على النظرية تعديلات عديدة لفهم تعقيدات الوضع الاجتماعي السياسي في بيئات وأنظمة مختلفة، وهي تقدم إطارا جيدا لفهم البيئة الملائمة لظهور حركات راديكالية عنيفة كتنظيم القاعدة وداعش.
 
استُخدِمت نظرية الحركات الاجتماعية بفاعلية ونجاح في دراسة وفهم وتحليل حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود في أميركا خلال عقد الستينات من القرن الماضي، واستثمرت النظرية في تتبع الحركات النسوية إبان عقدي الستينات والسبعينات، واستخدمت في دراسة الإحتجاجات النقابية العمالية خلال عقد الثمانينات في بريطانيا، وفي فهم الحركات المدافعة عن البيئة كتيار الخضر خلال التسعينات، وتستند نظرية الحركة الاجتماعية إلى أن هذه الحركات تتكون من تحالف واسع بين أنماط مختلفة من مؤسسات المجتمع المدني من أجل استغلال فرص سياسية لتمرير مطالب ملحة، وهي تحلل شبكة التحالفات في سياق مجتمع حداثي ينضوي فيه المشاركين في إطار مجموعات منظمة لديها خبرة مؤسساتية، وتمثل شرائح مجتمعية يمكن حشدها وتجيشها، وهو أمر لا ينطبق على الحركات الاحتجاجية في العالم العربي الذي لا يتوافر على مؤسسات مجتمع مدني قوي، حيث وجب تطوير النظرية لتشمل الشبكات الإجتماعية غير الممأسسة.
 
في سياق تحليل وفهم أفضل للحراكات الاحتجاجية العربية وتحولاتها نحو الردكلة والعنف طور عدد من الباحثين مداخل أشمل وأوسع استنادا إلى المفاهيم الرئيسية التي وضعها منظري الحركات الاجتماعية، حيث تبدو الحالة السورية والعراقية والمصرية نموذجية، حيث تبنى رايناود ليندرز وستيفن هايدمان في بحثهما بعنوان «الحشد الشعبي في سوريا: الفرصة والتهديد، وشبكات المنتفضين المبكرين الاجتماعية» نظرية الحركات الإجتماعية في محاولة الإجابة على أسئلة عديدة وهي: كيف ولماذا بدأ حشد شعبي معتبر في سوريا؟ ماذا يمكن أن نتعلم من «المنتفضين المبكرين» عن بدايات وطبيعة أي حشد شعبي يقوم تحت نظام قاس وسلطوي كالنظام السوري؟ وإلى أي مدى لعب «الوسطاء» أو كما يسميهم النظام «المتآمرون» دوراً في بدء الحشد وفي رفع مستواه إلى مصاف الإنتفاضة الجماهيرية ؟.
 
يعتبر مفهوما «الفرصة» و»التهديد» من أهم المفاهيم المفتاحية المتداولة في فهم أشكال نظرية الحركات الإجتماعية ودورهما في إشعال فتيل الحراكات الاحتجاجية الشعبية المبكرة في تونس ومصر ثم انتشارها في معظم أنحاء العالم العربي، وفي الحالة السورية ثم العراقية تعمقت الاحتجاجات كرد على القمع الشديد الذي أطلقته قوات الأمن السورية في درعا، خاصة بين 18 آذار وبداية أيار من عام 2011، ذلك أن المحتجين، تحت ضغط التهديد وبمواجهة الفرصة، إنتفضوا جمعياً مستقوين بشبكاتهم الإجتماعية ففي درعا، لعبت البنيات الإجتماعية القبلية أو العشائرية القوية، والعمالة المهاجرة الدائرية والإرتباطات العابرة للحدود، دوراً مفتاحياً في تقوية هذه الشبكات الإجتماعية، وتحت ذريعة المؤامرة تم التنكيل بالحركة الاحتجاجية السلمية بصورة مفرطة من خلال عمليات القتل والاعتقال والإذلال التي شملت سائر أنحاء سورية، حيث ألقى النظام باللوم على المحرضين أو المتآمرين أو ذوي الأغراض السياسية المزعومين، وسرعان ما تحولت الاحتجاجات السلمية إلى مسلحة وبرزت الحركات والجماعات الراديكالية من القاعدة إلى داعش.
 
في الحالة العراقية قمع المالكي الحركة الاحتجاجية السنيّه السلمية بعنف نهاية عام 2012، فقد اتخذ المالكي قرارًا حازمًا بعدم الاستجابة ولو جزئيًا لمطالب الاعتصامات السلمية والعمل على فضها بالقوة، ووصل في ذلك حد قتل 50 محتجً سلميًا وجرح أكثر من 110 محتجين في مدينة الحويجة بمحافظة كركوك بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2013. وقبل أحداث الحويجة، اصطدمت قوات الأمن بالمتظاهرين في مناسبتين، في الفلوجة في 25 كانون الثاني/ يناير، وفي الموصل في 8 آذار/ مارس 2014 ما أدى إلى مصرع سبعة أشخاص في الحادثة الأولى وشخص واحد في الثانية. لقد تعامل المالكي مع هذه الحوادث باستخفاف بوصفها تمردًا يقوده «الصداميون والبعثيون والإرهابيون». كما لجأ إلى تكتيكات أكثر خطورة في التعامل مع الاحتجاجات السلمية من خلال الادعاء بأنّ المتظاهرين ترعاهم تركيا ودول الخليج، والإصرار على أنّ بينهم إرهابيين ينتمون إلى حزب البعث السابق، أو أنهم مدفوعون بالعداء الطائفي للشيعة. لقد أدى ذلك إلى تحويل الطائفة الشيعية نحو قدر أكبر من الراديكالية، الأمر الذي بلور اقتناع لدى المحتجين بعدم جدوى النضال السلمي، وهو ما استثمره تنظيم «داعش» عبر توسيع دائرة التجنيد وتكثيف نطاق عملياته المسلحة.
 
لقد كتب منظّرو الحركة الاجتماعية «تشارلز تيلي»، «دوناتيلا ديلا بورتا» و «ماريو دياني», حول أسباب تحوّل الاحتجاجات إلى العنف، إذ تقول «ديلا بورتا» إن الحركات تصبح متطرفة بعاملين: تصاعد الشرطة وما وصفتْه بالتصعيد التنافسي. وذلك عندما يتنافس المحتجون لكسب الأجواء ضدّ الخصوم السياسيين وجماعات الاحتجاج الأخرى، وإذا كانت الشرطة وحراس الأمن الخاص سريعين جدا لاستخدام العنف فإن هذه التفاعلات والاختلاطات تقود المتظاهرين إلى أعمال عنف، فتخلق أفعالهم ما سماه عالم الاجتماع «ويليام غامسون» بـ «إطارات الظلم» في جميع أنحاء الدولة، حيث تصير الدولة يُنظر إليها على أنها في الأساس غير عادلة، حيث يخلق قمع الدولة تضامنا بين الحركات المشاركة، والتي تبرر حاجتها إلى العنف كشكل من أشكال الدفاع عن النفس،كما عبّرت عنه «ديلا بورتا» بالقول إن: العنف يخرج من العنف.
 
إن منظور بورتا يتعامل مع العنف كأحد منتجات الحركات الاجتماعية أو السياسية «المهزومة»، حيث تشير بورتا في بحثها حول دراسات الحركات الاجتماعية والعنف السياسي إلى عدة عوامل تدفع مجموعات من الشباب بشكل خاص إلى استخدام العنف كوسيلة احتجاجية، وأحد أهم عوامل انتقال مجموعات كانت تشارك في حركات اجتماعية أو سياسية إلى استخدام العنف هو انسداد الأفق السياسي لهذه المجموعات مما يدفع عدد من المنخرطين بهذه الحركات إلى استخدام العنف، وحسب بورتا فإن آلية (ميكانزيم) التطرف (الردكلة) أو الدفع نحو التطرف والعنف السياسي يتطلب النظر إلى الفرص السياسية حيث إن العنف يمثل أحد الخيارات المطروحة لممارسة السياسة، فالحركات الاحتجاجية تنزع إلى تبني العنف عندما تصبح الفرص السياسية أمامها محدودة أو منعدمة.
 
رغم أن بورتا في ركزت في دراستها على جماعات العنف اليسارية في إيطاليا وألمانيا مع انسداد أفق التحول السياسي في النصف الثاني من القرن العشرين إلى جانب تصاعد حدة المواجهات في الشارع بين المتظاهرين والشرطة، فإن منظورها التحليلي استثمر بنجاح في دراسة السياق الجهادي الإسلامي كما فعل توماس هيحهامر في دراسة القاعدة في السعودية وجزيرة العرب، وترى بورتا أن عملية التظرف والردكلة تنبني عادة على خبرات المواجهات العنيفة مع الأمن إلى جانب هيمنة القبضة الأمنية وظهور مشهد الاشتباكات بين أنصار اليمين المتشدد واليسار في الشوارع.
 
يشير أكـرم ألـفي إلى أنتحليل بورتا يمكن تطبيقه على السياق المصري ما بعد 30 يونيو وفض اعتصامي رابعة والنهضة لتصبح أداة لفهم صعود حركات العنف الجديدة، إذ تساهم هذه الوضعية في صناعة ما يعرف بالمحاربين الجدد الذين يخرجون من بوتقة اشتباكات سواء مع الأمن أو مع فصائل وحركات سياسية. فهؤلاء يتبنون العنف خلال عمليات المواجهة المباشرة ومع تراجع زخم المظاهرات ومنحنى الاحتجاجات فإن الخبرات السابقة للاحتجاجات العنيفة تلعب دوراً بارزاً في نزوع عدد من المشاركين فيها للتفكير في العنف الفردي كحل، ففي هذه النقطة مع انسداد الفرص السياسية التي تتزامن مع تراجع الحركة وانتهاء الزخم ودخول المشاركين في الاحتجاجات في مرحلة الاحباط يفقد عدداً ليس بقليل الإيمان بالوسائل السلمية للاحتجاج وينتقل إلى مرحلة العنف.