Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Oct-2016

«فيتو» روما - سليم ايوب قونة

 

الراي - أدخل الرومان في القرن السادس قبل الميلاد مصطلح «الفيتو» ومعناه باللاتينية « أنا أمنع» الى قاموس القوانين الوضعية لمساعدة المحاكم المدنية في حينه على حماية مصالح الناس العاديين وعامة الشعب ضد تسلط الطبقة المتنفذة والنبلاء والارستقراطيين الذين كانوا يتحكمون في مقاليد الامور في الامبراطورية الرومانية من خلال عضويتهم في مجلس الشيوخ.

 
في أواسط القرن العشرين وبالتزامن مع انشاء الامم المتحدة تضافرت عوامل كثيرة ومتداخلة على تحويل مفهوم «الفيتو» من سلاح اجتماعي سلمي للدفاع عن حقوق عامة الشعب الى أداة للتدخل في شؤون الدول والشعوب.اذ حصر الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية حق استخدام الفيتو في مجلس الامن الدولي في أيديهم ، وهي الدول التي لا تمثل أكثر من 12% ، باستثناء الصين ، من سكان العالم اليوم الذين تجاوز عددهم 7 مليارات انسان.
 
وكأن الحلفاء المنتصرين أرادوا مكافأة أنفسهم بغنائم الحرب التي شملت تقاسم السيطرة على الجغرافيا والثروات الطبيعية اضافة الى ضمان عدم تكرار تلك الحرب داخل حدود أوروبا أو الولايات المتحدة. لكن فاتورة الحروب الصغيرة والمتباعدة ، بالمكان والزمان ، والتي تم ويتم بعضها بالانابة ، واخرى مباشرة مثل فيتنام وافغانستان وجزر الفوكلاند والعراق لا تقل نتائجها خطورة عن نتائج الحرب الكونية الاخيرة ان لم تتجاوزها في بعض الاحيان. من المهم ، انه عندما يشب خلاف بين دولتين ويتطور الى صراع عسكري مباشر ، ان يبقى ذلك الصراع بعيدا عن حدود الدول الكبرى ذاتها ، ولا بأس ان يكون لهذه الدول دور في حلها أو تعقيدها حسب ما تمليه مصالحها ، والتي غالبا ما تكون متضاربة كما هو الحال في الازمة السورية والليبية واليمنية وجزيرة القرم والصراع العربي الاسرائيلي.
 
مضت أكثر من سبعة عقود على انتهاء الحرب الكونية تلك وانقرض معها الجيل الذي أججها وأدارها وتغنّى بها ، وظهرت أجيال جديدة لا تريد ان تعرف المزيد عن تلك الحرب كما في اليابان والمانيا ، بل تريد ان تنساها. في نفس الوقت تطورت مجتمعات أخرى وتحولت الى مراكز ثقل سياسي وبشري واقتصادي مثل الهند والباكستان والمكسيك والبرازيل ومصر ونيجيريا وغيرها وأصبحت حاضنات نشطة للانتاج وأسواقا متعطشة للاستهلاك. لكن لا أحد يقترب من الفيتو! والسبب هو اصرار القوى العظمى التقليدية على التمسك بحقها في استخدام الفيتو ، مع ان بعض الدول الناشئة أو تلك التي هزمت في الحرب قد تطورت واصطفت الى جانب تلك الدول العظمى على أكثر من صعيد مثل المانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
 
مع ذلك هناك قضايا كثيرة وملفات معقدة ما تزال معلقة بسبب استخدام الفيتو على هذا النحو مثل النزاع العربي الاسرائيلي والأزمة السورية المشتعلة وبؤر غير محسومة مختلفة في أرجاء المعمورة مثل قبرص وجزيرة القرم والجزر المتنازع عليها بين اليابان وروسيا وبين الكوريتين واقليم كشمير وتايوان وغيرها الكثير.
 
قد لا يكون حصول بعض الدول الصاعدة اليوم على الساحة الدولية على حق الفيتو في مجلس الامن هو الحل الامثل لاعادة التوازن والعقلانية الى العلاقات الدولية المتوترة ، لكنه بالتأكيد سيكون خطوة مفيدة لخلق ديناميكية جديدة في ادارة الازمات الدولية والاقليمية ، الى حين التوصل الى صيغة مبتكرة جديدة تتفوق على «الفيتو» الذي ابتكره أهل روما لحل بعض مشاكلهم قبل 24 قرنا من الزمان.
 
الفارق بين «فيتو» روما القديم و»فيتو» اليوم هو ان الاول كان وسيلة لحماية حقوق الضعفاء ضد الاقوياء ، اما اليوم فهو أداة في يد الكبار للتحكم بمصائر الضعفاء.