Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Sep-2016

بين حقيقة الإسلام والصورة التي يلفقونها - ابراهيم العجلوني

 

الراي - جمعت الصداقة الحميمة والاهتمام المشترك اواخر القرن الثامن عشر بين ثلاثة من كبار الادباء الالمان هم: جوته، وهيردر، وشِلَرْ. وكان هؤلاء الثلاثة معجبين بتراث العرب والمسلمين، شأنهم في ذلك شأن كثير من النخب الأوروبية، قبل ان يبسط الاستشراق الاستعماري نفوذه في الاوساط الثقافية والاكاديمية الغربية. واذا كان جوته قد كتب «الديوان الشرقي للشاعر الغربي» الذي تضمن قصيدة في مدح شهداء معركة بدر، واخرى في السيدة فاطمة بنت الرسول، فان «هيردر» المتوفى عام 1803م كان يرى ان للدين الاسلامي واللغة العربية تأثيرا حضاريا كبيرا في شعوب القارات الثلاث: آسيا وافريقيا واوروبا. وان لغة العرب انبل ما في تراثهم، وان فلسفتهم تكونت بمعناها الصحيح حول القرآن الكريم، وان ابرز مزاياهم انما تجلت في الرياضيات والكيمياء والطب، وهي علوم زادوها ثراءً بإبداعهم، وفيها وبها – كما يقول في كتابه: «افكار في فلسفة تاريخ الانسانية»، صاروا اساتذة أوروبا.
 
ونحن لا نعدم اثرا للقرآن الكريم (الذي تكونت الفلسفة الاسلامية بحسب رأي هيردر حوله) في فهمه لمعنى الايمان الديني (وكان قسيساً بروتستنياً) فهو يرى ان الايمان ادراك للوحي، وان الله سبحانه وتعالى ليس فكرة ميتافيزيقية عن المطلق، ولا هو معنى باطن او خلفية قانونية اخلاقية، بل هو الإله الحي القادر الذي يملك الإنسانُ ان يتمثل صفاته.
 
ومهما يكن الامر في دواعي اهتمام هيردر بتاريخ الاسلام وادبياته وهي الدواعي نفسها عند النخب الاوروبية اواخر القرن الثامن عشر الميلادي، ولا سيما الالمانية، فان بنا ان نقول ان مما يقتضيه نهوض العرب المسلمين (الذي هو قادم لا محالة وعلى الرغم من كل المعوقات) ان نترجم الى عربيتنا الشريفة اعمال كبار فلاسفة اوروبا ومفكريها ومُشرعيها، بصفة ذلك شرطا رئيسا من شروط هذا النهوض المرجو من جهة، ولما فيه من توطئة معرفية لادراك طبيعة حضور الاسلام في نهضة اوروبا، هذا الحضور الذي يتنكب الحديث عنه او اضاءة جوانبه دهاقنة الاستشراق الاستعماري من جهة أخرى.
 
ان حضور الاسلام الفلسفي والعلمي والتشريعي والاخلاقي في اوروبا المناهضة موضع اهتمام كثير من الباحثين والمفكرين والادباء في الغرب. نذكر مثلا شبنجلر وجوته وهيردر وشيلر وكانت وليوبولد فايس ومراد هوفمان ونيتشه (وكلهم ألمان) ونذكر تولستوي وبوشكين الروسيين. ونذكر كوندرسين وموريس بوكاي وروجيه غارودي وغوستاف لوبون وجاك بيرك ومكسيم رودنسون الفرنسيين. ونذكر برناردشو الايرلندي.. والقائمة تطول.
 
ان هذا الحضور القيمي الاخلاقي للاسلام مدفوع اليوم بما تزوره وسائل الاعلام الغربية من حقائق هذا الدين العظيم، وبما تصطنعه الدوائر الاستعمارية وتوظفه من حركات وتنظيمات تنأى جملة وتفصيلا عن تعاليم دين الرحمة والعدالة والكلمة السواءِ والحكمة والموعظة الحسنة وما شئت بَعْدُ من تجليات سماحة الإسلام.
 
ونحن مدعوون، في كل حال، الى بيان المفارقة المعجبة ومسافة الخُلف الشاسعة بين حقيقة الاسلام التي ادركها من ذكرنا آنفاً من الفلاسفة والأُدباء ورجال الدين. وبين الصورة الشائهة التي تلفّقها وسائل الإعلام الغربي مُفيدةً في ذلك من حماقة الحمقى منا وتهافت الصنائع والمضاهئين.
 
ولكن ذلك كله الى حين. ولا بد ان تكون صحوة بعد رقود، وانتباه بعد ذهول، وذلك ما نُراهن عليه وان طال أمدُ الرهان.