Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Nov-2019

ثمة شيء في الجو: لماذا يشهد العديد من الدول احتجاجات جماهيرية؟

 الغد-تقرير خاص – (الإيكونوميست) 4/11/2019

ترجمة:علاء الدين أبو زينة
 
لا يمكن أن تكون الأسباب الأولية التي شكلت شرارة الاحتجاجات الجارية في العالم أكثر تنوعاً: في لبنان فرضُ ضريبة على المكالمات الهاتفية عبر خدمات مثل “واتس-أب”؛ وفي هونغ كونغ تشريعات مقترحة تسمح بتسليم المشتبه فيهم جنائياً إلى الصين؛ في كاتالونيا الحكم بالسجن لفترات طويلة على مجموعة من دعاة الاستقلال؛ وفي بريطانيا، مطالب بإجراء استفتاء ثانٍ على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
 
* *
من الصعب على أي شخص يحاول أن يتعقب حركات الاحتجاج الجارية في جميع أنحاء العالم أن يتعقبها حقاً. فقد وقعت مظاهرات كبيرة مناهضة للحكومة في الأسابيع الأخيرة، بعضها سلمي وبعضها الآخر غير ذلك، في بلدان في كل قارة: الجزائر، بوليفيا، بريطانيا، كاتالونيا، تشيلي، إكوادور، فرنسا، غينيا، هايتي، هندوراس، هونغ كونغ، العراق، كازاخستان ولبنان، وأكثر. وفي الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، انضمت باكستان إلى القائمة الطويلة، حيث تجمهر عشرات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة، إسلام آباد، لمطالبة رئيس الوزراء عمران خان بالاستقالة في غضون 48 ساعة.
ربما لم يحدث منذ اجتاحت حركات “سلطة الشعب” دول آسيا وأوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وأن شهد العالم مثل هذا التدفق المتزامن للغضب الشعبي في الشوارع. قبل ذلك، كانت الاضطرابات العالمية التي حدثت في أواخر الستينيات فقط هي التي انطوت على ما تمكن المقارنة به من حيث عدد الدول التي اجتاحتها الاحتجاجات وعدد الأشخاص الذين تم حشدهم فيها.
مع ذلك، وحتى في ذلك الوقت، بدت هاتان الموجتان من الاضطرابات العالمية أكثر ترابطاً من المجموعة الحالية من الحركات غير المتصلة والعفوية في أغلبها على ما يبدو. في ذلك الوقت، كانت لدى المتظاهرين في العديد من البلدان المختلفة مظالم وأهداف متشابهة. أما هذه المرة، فتظهر بعض الثيمات، بشكل حتمي، في بلد بعد الآخر، والتي تعرض باكستان في الحقيقة ثلاث منها: الاستياء الاقتصادي (ارتفاع التضخم والتقشف المفروضين بالعمل مع صندوق النقد الدولي)؛ والفساد الرسمي المتصوَّر؛ ومزاعم حول التزوير الانتخابي (في الانتخابات العامة الماضية التي جلبت حكومة السيد خان إلى سدة السلطة).
لكن هذا التشارُك يبدو أقرب إلى المصدفة من كونه ترابطاً متساوقاً. وفي الحقيقة، لا يمكن أن تكون الأسباب الأولية التي شكلت شرارة الاحتجاجات أكثر تنوعاً: في لبنان فرضُ ضريبة على المكالمات الهاتفية عبر خدمات مثل “واتس-أب”؛ وفي هونغ كونغ تشريعات مقترحة تسمح بتسليم المشتبه فيهم جنائياً إلى الصين؛ في كاتالونيا الحكم بالسجن لفترات طويلة على مجموعة من دعاة الاستقلال؛ وفي بريطانيا، مطالب بإجراء استفتاء ثانٍ على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبعيداً عن تمثيل حركة عالمية تلتف حول مطالب مشتركة، فإن الشعار المشترك للمتظاهرين، إذا كان لديهم مثل هذا الشعار،هو شيء تمكن استعارته من شخصية مارلون براندو في فيلم 1953 المحظور “الجامح”. عندما سئل عن الشيء الذي يثور ضده، أجاب: “ما الذي لديكم”؟
بطبيعة الحال، لم تتمكن الصعوبة في تمييز نمط ما في الاحتجاجات من إيقاف النقاد عن المحاولة. وبشكل عام، تندرج التفسيرات في ثلاث فئات: الاقتصادية؛ والديموغرافية؛ والتآمرية.
تعتمد التفسيرات الاقتصادية كثيراً على الطرق التي أثبتت فيها ضربات طفيفة تصيب مستويات المعيشة (ارتفاع بنسبة 4 في المائة في أسعار المترو في تشيلي، على سبيل المثال) أنها بمثابة القشة الأخيرة بالنسبة للأشخاص الذين يكافحون من أجل تدبر أمورهم في مجتمعات تعاني من التفاوت في الدخول بشكل متزايد. بالنسبة لليسار، يشكل ما يجري مجرد أحدث نوبة لرأسمالية مختلة وظيفياً ومحكومة بالفشل. وكما ترى “ريد فلاغ”، وهي مجلة اشتراكية أسترالية، فإنه “على مدى أكثر من أربعة عقود، أصاب الخراب دولة تلو الأخرى بسبب سياسات نيوليبرالية تهدف إلى جعل جماهير العمال والفقراء يدفعون ثمن أزمة متفاقمة في النظام”.
وحتى المعجبين بالأسواق الحرة يرون في التفاوت المتزايد في عدد من البلدان سبباً في إثارة الاستياء المشترك. ويشيرون إلى أن تشيلي، التي كان يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها ملاذ للاستقرار في أميركا اللاتينية -وإنما التي أصبحت مضطربة للغاية الآن حتى أنها اضطرت إلى إلغاء مؤتمرين دوليين كان من المقرر عقدهما في سانتياغو- هي في بعض التدابير أكثر البلدان تفاوتاً في الدخل وانعداماً للمساواة في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهي نادٍ يتكون في معظمه من الدول الغنية.
يشير التفسير الديموغرافي إلى أن الاحتجاج هو، إلى حد كبير، نشاط يخص الشباب، وما تزال الإنسانية شابة نسبياً، بمتوسط عمر يقل عن 30 عاماً، وحيث الثلث تقل أعمارهم عن 20 عاماً. وكان أبناء الجيل الذي يصل ما يمكن أن يُنظر إليه على أنه سنوات ذروة الاحتجاج في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات من العمر، قد وصلوا سن الرشد خلال الأزمة المالية العالمية في 2007-2008. ومن الناحية الديموغرافية، قد يُنظر إلى ما يجري الآن على أنه يوم المحاسبة عن الركود الكبير الذي نتج عن تلك الأزمة. وفي مقال نشرته صحيفة التايمز اللندنية، قام المؤرخ، نيال فيرجسون، بأخذ هذه الحجة مرحلة أبعد، حين عقد مقارنة مع الستينيات، وأشار إلى أن هناك في كلتا الفترتين “فائض من الشباب المتعلم”، بسبب طفرة في التعليم العالي، والتي تنتج من الخريجين أكثر من العدد الذي له وظائف.
أما فيما يتعلق بمسألة المؤامرات، فإن الحكومات تحبذ بطبيعة الحال اقتراح أن الاحتجاجات تهيجها وتستغلها قوى خارجية شريرة. في هونغ كونغ، أشارت وزارة الخارجية الصينية في تموز (يوليو) إلى أن الاحتجاجات كانت “إلى حد ما عمل الولايات المتحدة”. وفي أميركا اللاتينية، انتشرت النظريات القائلة بأن النظامين الاشتراكيين في كوبا وفنزويلا هما اللذان يثيران الاضطرابات في جميع أنحاء القارة بغية صرف الانتباه عن مشاكلهما الخاصة.
ربما لعبت العوامل الاقتصادية والديموغرافية -وحتى التدخل الخارجي- دوراً في بعض الاحتجاجات. لكنّ أياً من هذه التفسيرات لا يصمد حقاً كنظريات توحد الاحتجاجات المختلفة. صحيح أن الاقتصاد العالمي يواجه العديد من المشاكل، لكنها لا تقترب من خطورة تلك المشكلات التي واجهناها قبل عقد من الزمن، عندما كان العالم على شفا الكساد وارتفعت معدلات البطالة، لكن عدداً أقل بكثير من الناس خرجوا إلى الشوارع في ذلك الحين. وتميل الاحتجاجات حقاً إلى أن يهيمن عليها الشباب. لكن إحدى السمات البارزة للعديد من المظاهرات -من مسيرات “بريمين” في لندن إلى الاحتجاجات المناهضة للصين في هونغ كونغ- هي عدد الذين خرجوا للاحتجاج من الناس في منتصف العمر ومن كبار السن أيضاً. أما فيما يتعلق بالتدخل الأجنبي -لا أحد، ربما باستثناء أولئك الذين يسكنون في أكثر هوامش الإنترنت جموحاً، يعتقد حقاً بأن ثمة عقلاً كونياً ما هو الذي يحرك الخيوط في كافة أنحاء العالم.
لذلك ربما يكون البحث عن نظرية توحد الاحتجاجات بلا معنى. فبعد كل شيء، عندما تنظر عن كثب في الموجات السابقة، سوف يبدو لك الانطباع عن التشارُك وهمياً. فقد كانت تلك الاحتجاجات أكثر ألواناً وتنوعاً هي أيضاً مما يُفترض في كثير من الأحيان. وقد تراوحت الاضطرابات العالمية التي حدثت في أواخر الستينيات من متظاهري “الحرس الأحمر” في الصين، الذين اعتنقوا عقيدة الألفية التي صاغها ماو تسي تونغ لمساعدته في كسب صراع على السلطة داخل الحزب، إلى الشباب الغربيين الأثرياء الذين تعثروا بمفاتن الشعر الطويل، والعقاقير المخدرة والاختلاط الجنسي. وبين هؤلاء وألئك، كان المحتجون ضد حرب فيتنام، والسيطرة السوفياتية على أوروبا الشرقية، والإصرار العنيد على حضور المحاضرات في الجامعات. وحتى ثورات “سلطة الشعب” التي اندلعت بعد 20 عاماً من ذلك كانت تتميز باختلافاتها بقدر ما تميزت بتشابهاتها. كان الرجال الأقوياء اليمينيون، مثل فيرديناند ماركوس في الفلبين، أو تشون دو هوان في كوريا الجنوبية، بعيدين كل البعد عن البلطجية الذين في أوروبا الشرقية مثل نيكولاي شاوشيسكو و ووجيتشيارو زيلسكي.
ربما يكون الجواب هو العودة إلى المبادئ الأولى والتساؤل: ما الذي يجعل الناس ينقلون مظالمهم ومواطن شكواهم إلى الشوارع؟ نادراً ما يتم ذكر سببين: أن الاحتجاجات، على الرغم من جميع مخاطرها القانونية والبدنية، قد تكون أكثر إثارة –بل وحتى أكثر متعة- من كدح الحياة اليومية؛ وأنه عندما يفعل كل الآخرين ذلك، يصبح التضامن هو الموضة السائدة. ولكل موجة من الاحتجاجات لها عنصرها الذي يشكل تقليداً. ومع ذلك، حوَّل وجود الهاتف الذكي في كل مكان كيفية تنظيم الاحتجاجات وتعميمها واستمراريتها. وتُمكّن تطبيقات المراسلة المشفرة مثل “تلغرام” Telegram المتظاهرين من البقاء متقدمين بقفزة واحدة عن السلطات. ويمكن أن تنتشر الرموز والتكنيكات الجديدة كالنار في الهشيم. وعلى سبيل المثال، بمجرد أن انتشر “نشيد” مكتوب خصيصاً لمتظاهري هونغ كونغ عبر شبكة الإنترنت، توقفت مراكز التسوق على الفور بسبب التوقف الجماعي العفوي عن الشراء على ما يبدو.
السبب الثالث الواضح للتظاهر هو أن يبدو استخدام القنوات السياسية التقليدية عديم الجدوى. في احتجاجات أواخر الثمانينات، كانت الأهداف عادة حكومات استبدادية سمحت في أفضل الأحوال بإجراء انتخابات مزيفة. وفي غياب صندوق الاقتراع، كان الشارع هو السبيل الوحيد لإظهار “سلطة الشعب”. وكانت بعض الاحتجاجات التي وقعت هذا العام -ضد عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، أو عمر البشير في السودان- مماثلة. ولكن، يبدو أن الديمقراطيات التي تعمل بشكل جيد قد تأثرت أيضاً. لعدد من الأسباب، قد يشعر الناس بأنهم عاجزون وقليلو الحيلة بشكل غير العادي في هذه الأيام، ويعتقدون بأن أصواتهم لا تهم. أحد هذه الأسباب هو الاهتمام المتزايد الذي يُمنح للمسائل البيئية، لا سيما تغير المناخ في بعض الاحتجاجات (على الرغم من أن البعض الآخر قد أثارته الضرائب البيئية، المصممة، على سبيل المثال، للحد من استهلاك الوقود). وتتطلب انبعاثات الكربون حلولاً عالمية تظل بعيدة عن متناول حكومة واحدة، ناهيك عن صوت واحد. وثمة سبب آخر، مرة أخرى، هو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، بميلها إلى تضخيم تلك الأصوات التي تتفق معك وإسكات الأصوات الأخرى، وبالتالي زيادة كثافة الشعور بأن القوى التي في يدها السلطة “لا تستمع أبداً”. وهناك سبب ثالث هو نمو ربما يكون مشتركاً لعدم التسامح؛ في انهيار للصفقة الكامنة في قلب الديمقراطية على النمط الغربي – حيث سيوافق الخاسرون، الذين قد يمثلون في أغلبية الأصوات الشعبية، على القبول بحكم الفائزين حتى الانتخابات المقبلة.
مع ذلك، ليس هذا استنتاجا مفيدا أو آملاً بشكل خاص. ثمة القليل مما يقترح أن هذه الاتجاهات على وشك الذهاب إلى الهجوع. وفي هذه الحالة، قد لا تكون هذه الموجة الثالثة من الاحتجاج بشيراً بثورة عالمية، وإنما الوضع الراهن الجديد فقط، ببساطة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Something in the air: Why are so many countries witnessing mass protests?