Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Aug-2019

السودان محطة انتقالية*حمادة فراعنة

 الدستور-في 19/12/2018، انفجرت المظاهرات الاحتجاجية ضد النظام العسكري الفردي في السودان، أثمرت من خلال استمرارها وتوجيهها من قبل النقابات والأحزاب وقياداتها إلى عزل الرئيس عمر البشير يوم 11/4/2019، ليتولى السلطة مجلس عسكري من زُلم البشير وأتباعه ومدرسته مدعومين من توجهات إقليمية تقلق من التحولات الديمقراطية وحركة الشارع في إستلام زمام المبادرة والفعل السياسي، وعلى وقع هذه الاحتجاجات اضطر العسكر للتجاوب مع إصرار حركة الشارع ووحدة القوى السياسية والنقابية، الذين فرضوا أجندتهم وحققوا ما لم تكن تحلم به المعارضة منذ سنين عديدة، وهو أن تكون في مؤسسات صنع القرار، وهذا ما حصل، ونتيجته حنى العسكر رؤوسهم لوقائع التغيير ومطالب الحرية والحكم المدني، فوصلوا إلى منتصف الطريق ووقعوا اتفاقاً سياسياً وسطياً مفاده الشراكة في السلطة بين العسكر من طرف والأحزاب السياسية والنقابات المهنية من طرف يوم 17 أيار 2019، وكان هذا بمثابة الأرضية والمقدمة الضرورية لحكم الشراكة على قاعدة التفاهم والقواسم المشتركة، وها هم يكملون مسيرتهم بنجاح في التوصل إلى الوثيقة الدستورية يوم 5/8/2019 التي ستشكل المرجعية للاتفاق، والحاضنة للتفعيل، ومواصلة الخطوات التدريجية طوال المرحلة الانتقالية للسنوات الثلاث المقبلة المتفق عليها . 

لن تكون خطوات العمل والنضال من أجل الحكم المدني الكامل على أساس التعددية والديمقراطية وتداول السلطة وفق افرازات صناديق الاقتراع، لن تكون سهلة وميسرة بل كما كانت متعسرة ومتصادمة طوال مرحلة الاشتباك التفاوضي بين طرفي الخلاف، سيبقى الاشتباك بأدوات سياسية وقانونية بين طرفي الاتفاق، بين العسكر من طرف والأحزاب والنقابات من طرف آخر، فالعسكر الذي سلموا بنصف هزيمة ونصف إنتصار، لن يسلموا كامل السلطة ويعودوا لثكناتهم، فقد تذوقوا طعم الكرسي وأهمية صنع القرار وسيجدون التحريض لهم من أنظمة حليفة وأدوات اقليمية مستغلين ظروف السودان الاقتصادية الصعبة وغياب البنى التحتية الملائمة التي يمكن أن تُسهم في استثمار قدرات السودان وتطويرها، مثلما سيكونون مراقبين بشدة لبروز تباينات أو خلافات محتملة قد تحتد بين القوى السياسية، بين الشيوعيين والبعثيين والإسلاميين والليبراليين، فالنجاح الذي حققوه بوحدتهم بما فيهم الجبهة الثورية وفصائلها المسلحة الثلاثة قد تُغريهم وتدفعهم للغرور أو الجشع أو الأنانية، مما يجعل خلافاتهم هي العنوان المستثمر لإفشال نجاح التجربة التراكمية متعددة الخطوات التي تحققت . 
سيبقى السودان موضع اهتمام نظراً لأهميته الاقتصادية، ومياه النيل الجارية المتدفقة من وفي أحضان تربته، وثرواته الطبيعية الغنية، وموقعه الجغرافي الاستراتيجي جنوب مصر وشمال أثيوبيا، وفي مواجهة شط العربية السعودية، وتأثيره على نفوذ المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يضع أولوياته في منطقة القرن الإفريقي بعد الخليج العربي : أرتيريا والصومال وجيبوتي وأثيوبيا والسودان . 
نهوض السودان، خطوة أولى جوهرية للعرب وللمنطقة وانتصار للتعددية وللديمقراطية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والذي حصل في المغرب وتونس والسودان، من الصعب أن يعود للوراء.