اغتيال المستشار الأمني لـ «الجولاني» وتصفية القائد العسكري لـ «تحرير الشام» شمال سوريا
دمشق- «القدس العربي»: دخلت هيئة تحرير الشام في الشمال السوري منعطفاً أمنياً حرجاً في إطاره العام، حيث شرّع باب الاغتيالات ضد قيادات الحلقة الضيقة فيها، لتطرح هذه التصفيات التي تجري وسط حرب خفية، العديد من التساؤلات حول الجهة المنفذة والمستفيدة منها، خاصة مع فشل الهيئة حتى اليوم في تبني موقف رسمي واضح من اتفاق سوتشي المبرم برعاية تركية روسية، والذي انتهت مرحلته الأولى بإنشاء منطقة معزولة السلاح على أطراف إدلب شمال البلاد.
فهيئة تحرير الشام، التي يقودها «أبو محمد الجولاني»، تعرضت لضربات موجعة خلال اليومين الماضيين، تمثلت باغتيال المستشار الأمني للجولاني «أبو يوسف الجزراوي»، والقائد العسكري للهيئة «محمد أبو إسلام»، على أيدي جهات مجهولة في محافظة إدلب، في سياسة يبدو أنها تسير من اغتيال إلى آخر.
أبو يوسف الجزراوي، وهو من القيادات «المهاجرة» في هيئة تحرير الشام، سعودي الجنسية، وكان يشغل خلال الفترات الماضية، منصب المستشار الأمني لـ «الجولاني» ضمن الحلقة الضيقة التي تحيط به، وعملية الاغتيال جرت بواسطة إطلاق نار مباشر نحو القيادي بين قريتي «معراتا – جوزف» في الريف الجنوبي من إدلب. أما القائد العسكري في هيئة تحرير الشام «محمد أبو إسلام»، فقد تم اغتياله بالرصاص الذي استهدفه بشكل مباشر أمام منزله في بلدة «إحسم» التابعة لجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.
وأشارت مواقع إعلامية سورية، إلى أن الاغتيالات لم تقف عند هذا الحد، لتتمكن مجموعة مسلحة أخرى من اغتيال «أبو مصعب الديري»، وهو أحد عناصر هيئة تحرير الشام في ريف إدلب الغربي. والقاسم المشترك الأكبر بين عمليات الاغتيال كافة التي نالت من القيادات الهامة والتي تشغل مناصب حساسةً في الحلقات الضيقة ضمن هيئة تحرير الشام، بأن الجهات المنفذة لها غير معروفة، ولم يتبن أيأطرف محلي أو دولي عمليات الاغتيال، كما تعد مؤشراً على وقوف الهيئة على بركان متفجر من الخصومات الداخلية في أروقتها الداخلية، وغياب الموقف الرسمي حول مخرجات سوتشي، ربما يعزز هذا السيناريو.
في سياق تنفيذ اتفاق «سوتشي»… ضربات موجعة لـ «الهيئة»
القيادي في الجيش السوري الحر «مصطفى سيجري» قال لـ «القدس العربي»: أثبتت التجربة أن هذه التنظيمات غالباً ما تنتهي بمثل هذه الظروف «الاقتتال الداخلي والصراع على السلطة والنفوذ»، وما يمكن تأكيده أن هناك خلافات حادة في صفوف الهيئة، والموضوع ليس خلافاً على إتفاق سوتشي بل هو اقتتال على قيادة التنظيم.
هيئة تحرير الشام، وفق المصدر، تضم في صفوفها القيادية تيارات عدة ومتناقضة، مشيراً إلى أن هنالك من يحاول أن يصور المشهد وكأنه بين مفرط جاهز للتنازل والقبول بسوتشي، وبين متشدد رافض تقديم أي تنازل، والحقيقة أن الخلاف كما قلت سابقاً صراع على السلطة والمال والنفوذ. وقال لن يكون لهيئة تحرير الشام أي دور في مستقبل سوريا، وانتهاء سيطرتها العسكرية سيكون مفاجئاً، وربما لن نجد أنفسنا مضطرين لقتالها لأنها سوف تنتهي من الداخل بحكم الصراع على السلطة والمال، مضيفاً أن أوراق التنظيم باتت مكشوفة.
أما السياسي السوري «درويش خليفة»، فاعتقد من وجهة نظره، أن الاغتيالات التي تعصف بهيئة تحرير الشام، تكاد تكون من التيار الذي بات يتماهى مع الواقعية السياسية في الشأن السوري، والذي نتج عن الضامنين في جولات أستانة الاثنتي عشرة.
كما أضاف، أن هذه الاغتيالات قد تكون رسالة للجولاني ذاته بأن من يقوم بمثل هذه العمليات والتي تحصل مؤخراً، ياستطاعته الوصول لزعيم الهيئة وقد تكون من ضمن سلسلة الاغتيالات المتواصلة التي طالت قادة وعناصر في الجيش السوري الحر، وكذلك من الفصائل الاسلامية مع بعض حالات الخطف لناشطين وعمال إنسانيين في قطاع إدلب الذي يقطنه ما يقارب الثلاثة ملايين ونصف مليون قادمين من معظم المناطق التي كانت محررة في الاعوام الخمسة السابقة.
وهذا وما توقعه ايضاً وزير الخارجية الروسي، عندما صرح في أوقات سابقة بأن القوى الاسلامية سوف تقوم بعملية تصفية بعضها البعض بسبب اختلافهم على أمور عقائدية وشرعية، وفق ما قاله «درويش».
ومثل هذه الجماعات الإسلامية، لديها وفق ما قاله مصدر عسكري لـ «القدس العربي» قابلية لأعمال التصفية والاغتيال، معللاً ذلك بالطبيعة الإيديولوجية التي تحملها، وتشريع القتل في أوقات الخلاف وانقسام الرأي، فما بالكم بمثل هذه القضايا التي تُصنف لديهم من «القطعيات والأساسيات»، وباتت اليوم في منحى آخر مختلف عما كان يدور في مشروعهم الخاص.