Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Jul-2017

إنجازات صاخبة..لكنها خاوية ! - ناديا هاشم العالول
 
الراي - يرتبط الصخب والمرح والتعبير عن الفرح بأفراد وشعوب ذوات الدم الحار والعكس صحيح علما ان هكذا تعبير مرتبط بالكائنات ذوات الدم الحار مثل الثدييات والطيور السريعة الأيض ، وذوات الدم البارد البطيئة الأيض مثل الأسماك والبرمائيات والزواحف وما بينهما من ثالثة تجمع الصفتين من دم حار وبارد ولله في خلقه شؤون ، وذلك من اجل التكيّف للمحافظة على البقاء وعدم الانقراض.. وعلى ما يبدو ان البشر المنضوين جميعهم تحت مظلة الدم الحار تتراوح درجة غليان انفعالاتهم وردود أفعالهم من عال جدا الى متوسط فضعيف..بمن فيهم العرب أصحاب الدماء الحارة جدا..
 
فكثيرا ما نسمع وصفا لأحدهم/ احداهن: «بِغْلي.. او بتِغلي غلِي « كدليل على الحيوية والنشاط وردود الفعل السريعة وخفة الدم التي تنشر الطاقة الإيجابية حولها.. وبالمقابل نسمع وصفا لآخرين بالخمول والبلادة والبطء بردود الفعل فينشرون بالأجواء مشاعر تقبض الصدور وتسد النفوس ، سواء بالأسرة الواحدة او المجتمع الواحد او بين الشعوب المختلفة وكلٌ وجيناته.. وكلٌ وبيئته..
 
تُرى ما هي التوليفة الأفضل لجمع الصفات الإيجابية الحارة والباردة للاستمرار بالتي هي أحسن على ظهر هذه البسيطة؟
 
فمثلا شعوب البحر الأبيض المتوسط وبخاصة الجنوبية منها بمن فيها الأمة العربية ، لطالما سخرنا من برودة الشعوب الشمالية والغربية.. الخ لردود فعلهم البطيئة المفتقدة للحيوية المطلوبة..في حين لو قارنَّا إنجازات الطرفين لوجدنا بان دمنا الحار لم يفدْنا كثيرا وبخاصة في أعمالنا وانجازاتنا و تنميتنا.. بينما تنجز الشعوب الرائقة الهادئة التي نتشدّق وصفها بالبلادة الكثير الكثير على الصعد كافة.. امّا انجازات الشعوب الحارة المزاج فحدث بلا حرج عن فوضاها وصخبها المرتفع الأصداء المتسارع الوتيرة الخاوي من الإنجاز ، تماما كالمفرقعات النارية سريعة الاشتعال بصوتها المرتفع وأضوائها المبهرة المدوية المتحولة الى رماد..
 
ومن هنا تتطلب الحاجة الى كبح جماح الصخب والفوضى الناجمة عن طبيعتنا المندفعة اكثر من اللزوم بردود افعالها غير المدروسة، إذْ لا بد من تشذيبها بالتعليم والتأهيل والتدريب، فنستفيد من ايجابيات طبيعتنا المنطلقة لتجيير تدفق طاقاتنا الكبيرة نحو العمل والانجاز الحقيقيين بعد ان تحول مؤخرا مرحنا وفرحنا الى فوضى مضخّمة نتج عنها نكد و نزاع وقتال..
 
قد يعترض البعض على هكذا توصيف ولكنها الحقيقة المرّة ونتائجها احصائيات بين ايدينا تشهد على أن تنميتنا العربية تكاد تكون مفقودة، فضخامة الأصوات وانتفاخ القامات ليست بالضرورة دليلا على ضخامة الإنجاز فشتان ما بين الشكل والمضمون فالطبل مثلا ضخم بمظهره عظيم بصوته فارغ بجوهره خاو بمضمونه..
 
صحيح ان الهدوء والسكون يحتاجهما الانسان لتهدئة أعصابه وجمع شتات افكاره، ولكن ان استمرا طويلا فإن روتينهما سيخلق حالة من الكسل والقعود وربما الاكتئاب.. ومن اجل ذلك يحتاج الانسان الى نوع من الصخب الذي يحيي مشاعره ويحميها من التبلد محذرين من الصخب الدائم المفتت للأعصاب المتعب للأبدان المقلص للإنجاز الضار فعلا بقلوب الناس..
 
ومن هنا تأتي اهمية اعتماد مبدأ التوازن بالحياة بين صخب وهدوء للتواصل والإنجاز والحوار والتراحم، فكلها من صفات الإنسان فهنالك حق الجار على الجار وحق الأهل على الأهل والصديق على الصديق، بظل دولاب عمل مستمر يربط دول العالم بوسائل تواصل رقمية صباحا مساء صيفا شتاء مقرّبا بين نصفي الكرة الأرضية مما يجعل مساحات العمل وساحاتها تمتد وتشتد وتتكاثف، مقلصا كل خصوصيّة ليحرمنا من حصتنا المخصصة للراحة والتأمل.. فيخيل لنا بزحمة العمل الممتدة الى ما لا نهاية ان إنجازنا على اشده وتنميتنا على أشدها.. فتزدحم اجندة الشعوب المتطورة بالإنجازات، بينما تتألق شعوبنا النامية بأجندتها الخاوية من أي تنمية حقيقية، لتترك بصمات ايجابية على اي تقدم ملحوظ نتيجة انصباب همنا الأكبر على كل ما هو صغير وتافه وأصغر..
 
فمن «ايميل الى واتس اب الى مسينجر وفايبر وتويتر وانستاغرام وسناب الى فيسبووك ولينكد إن « طبعا الى جانب الرسائل والموبايلات وما توالد عنها قبلا وسيتوالد بعدا وما بينهما.. وغالبيته تُصرَف على الدردشات الخاوية «وين راح وين اجا وشو اكلوا وشو شربوا» !
 
ناهيك عن موجات غير منقطعة من افراح ومباركات وتعزيات وعطوات وجاهات وعزايم لو فكرنا في كل حلقة منها لامتدت لسلاسل إنفاق لا اول لها ولا آخر تُهدر عليها طاقات مادية ومعنوية يدخل مجموعها الكلي بدائرة الدَّيْن العام لتشكل رقما خياليا هدرناه فيما لا يجدي ولا يفيد..
 
فمن معه يستطيع متابعة هذه الأنشطة بحذافيرها وهذا باعتبار نصف مصيبة ومن ليس معه سيستدين وهي المصيبة الكبرى..
 
فعلا ثقافة صاخبة بأفراحها وأتراحها.. الخ ثقافة استهلاكية بامتياز تفاقمها الغيرة والتقليد الأعمى ناشرة المزيد من الفقر.. والمرض.... والخواء.. والفوضى.
 
hashem.nadia@gmail